أطل العام الدراسي الجديد على اللبنانيين محملًا بأثقال أرهقت كاهلهم، مثلها كمثل غيرها من الصعوبات والتحديات المعيشية التي باتت تتدحرج الواحدة تلو الأخرى ليتغير معها مسار حياتهم، وليصبح في نهاية المطاف جحيمًا.
هذه الأزمة التي ظهرت معالمها مع بدء الانهيار الاقتصادي في البلاد، تفاقمت حدّتها فيما بعد إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم من وضع كارثي، حيث باتت تشكل هاجسًا للبنانيين لا سيما وأن التعليم هو قضية مصيرية، تطال أجيالًا مختلفة ولها تأثيرها البليغ على المجتمع بأسره.
الأقساط المدرسية في مهب “الدولرة”
فرضت الأزمة الاقتصادية نفسها على القطاعات الخدماتية والإنتاجية بأكملها، ومعها فرضت معادلات حياتية جديدة، كان أبرزها، بل أحد أهم الأهداف التي تحققت من هذه الأزمة، هو جعل الدولار عملة متحكمة مسيطرة أكثر من أي وقت مضى، وأساس كل عملية اقتصادية مهما كان حجمها، ومحط أنظار الناس أجمعين. وبذلك فإن دولرة كل شاردة وواردة في البلد باتت أمرًا محسومًا لا مفر منه، حتى طالت مؤخرًا أبرز القطاعات الحياتية الأساسية، ألا وهو قطاع التعليم.
بعد لجوء الجامعات الخاصة في لبنان إلى المطالبة بتسديد الأقساط بالـ “فريش دولار”، سلكت معظم المدارس الخاصة الاتجاه نفسه أو مهّدت لسلوكه، إذ طالب العديد منها بدفع الأقساط بأكملها بالدولار أو جزء منها، علمًا أن المبالغ المطلوبة تراوحت ما بين الـ 150 دولارًا والـ 1500 دولار وهو ما يعد مبلغًا خياليًا.
أمام هذا الواقع، فإن ما يقارب ثلثي الطلاب اللبنانيين في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية (ما يقدر بـ 737 ألفًا و550 تلميذًا)، هم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الانتقال إلى المدارس الرسمية، أو التسرّب المدرسي في حال عدم قدرة ذويهم على تأمين الأقساط بالعملة الصعبة. ويذكر أن عددًا من المدارس الخاصة حددت مهلًا زمنية معينة لتسجيل الطلاب، حيث تنتهي من بعدها إمكانية التحاقهم بهذه المدارس.
وفيما يتعلق بالموقف الرسمي من هذه الأحداث، فقد حذر وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس حلبي مسبقًا من أن “الدفع بالدولار مخالف للقانون وللأخلاقية التي يجب أن نتعامل بها”، مذكرًا أن “القانون يحظر، لا بل يحرم على المدارس استيفاء الأقساط بالعملة الأجنبية أي بالدولار، ولوزارة التربية الحق والقدرة على ضبط هذا الموضوع”، إلا أنه يبدو ووفقًا للواقع أن المدارس الخاصة لم تتلق مثل هذا القانون بعد، أو ربما تلقت ذلك فضربت به عرض الحائط.
رغم الصعاب.. برنامج التكافل الاجتماعي حاضر
أصابت أزمة القطاع التعليمي في لبنان المجتمع بكل أطيافه وفئاته وتوجهاته. ولأن الدولة بمؤسساتها متقاعسة منذ زمن طويل عن القيام بواجباتها، لا سيما في المرحلة التي تلت الانهيار الاقتصادي الكبير، كان لا بد من تكثيف الجهود من قبل القيمين الحريصين على هذا البلد وعلى مستقبل أبنائه. وفي سبيل ذلك، كان هذا الأمر محط أنظار المعنيين في برنامج التكافل الاجتماعي الذي أطلقه سماحة الأمين العام (حفظه الله) في خطاب سابق، نظرًا لكونه قضية مهمة جدًا لا يجوز التقاعس فيها، وفي هذا المجال سجلت التعبئة التربوية دورًا مهمًا جدًا متشعب الخطوات والإجراءات والأهداف، إلا أنه يصب في خانة هدف جوهري واحد، ألا وهو “خدمة الناس”.
وفي هذا السياق تقوم التعبئة التربوية بالمساهمة بموضوع الحسومات على الأقساط في المدارس والجامعات الخاصة، وتجهيز مكتبات الإعارة في مختلف القطاعات ليتمكن الأهالي من تأمين الكتب المستعملة لأبنائهم بأسعار زهيدة جدًا لا سيما بعد أن شهدت ارتفاعا جنونيًا بأسعارها في السنة الماضية، بالإضافة إلى العمل على تأمين الكتب والمناهج الدراسية الجامعية للطلاب بأقل تكلفة ممكنة، واعداد دورات التقوية والمساعدة اللازمة للطلاب الخاضعين للامتحانات الرسمية وامتحانات الدخول في الجامعات، فضلًا عن تقديمها الدعم اللازم لمشاركة الطلاب في مسابقات التفوق العلمي، وانخراطها في روابط المعلمين الأساسية والثانوية، الرسمية والخاصة، في سبيل دعم المطالب المحقة والعمل على حل المشاكل العالقة.
في كل مرة تظهر أزمة جديدة تطال حياة الناس، يثبت أهل الحق والفضل أنهم جاهزون في كل ساح وميدان، وأن ما قدموه ويقدمونه هو خطوات متشابكة متكاتفة لترجمة مفهوم التكافل الاجتماعي واقعًا وحقيقةً، وأن هذه المسيرة لم ولن تقف يومًا عند حدود نصر أو إنجاز تحقق، لأنها مسيرة متكاملة مترابطة جاءت لتكون في سبيل خدمة الناس وحفظ كرامتهم وتأمين عيشهم رغم كل ما أحاط ويحيط بهم من أزمات وانهيارات وضغوطات وتهديدات، هي مسيرة كان عملها وتوجهها دائمًا لله، وفي سبيل الله، وتحت رعاية الله.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.