لم تصل السموم الاجتماعية الغربية الى مجتمعنا يومًا بهذه الوقاحة؛ إذ لطالما كانت مُقنّعة في فترات سابقة، لعلّها كانت تمهيدية للوصول الى ما نحن عليه اليوم من طرح أفكار ليست ضد المجتمع والدين فقط وإنما ضد الطبيعة بأكملها. هذا ما يتطابق مع موضوع “الشذوذ الجنسي” الذي بات يُروَّج له علنيًا كحالة طبيعية يجب تقبلها كأحد أبرز أسلحة الحرب الثقافية.
لعل اللاعب الأبرز في هذه الحرب كان وسائل الإعلام التي قدّمت هذه النماذج على شاشاتها لتصبح مقبولة اجتماعيًّا وتنال تعاطف البعض ممن لديهم جهل ونقص ديني وعدم وعي كافٍ بهذه الأمور.
عندما بدأنا الحديث عن موضوع “الشذوذ الجنسي” الذي أُثير في لبنان في الآونة الأخيرة وصفه أحد رجال الدين بأنه من “نفايات الحضارة الغربية” التي بدأت تعاني من نتائج الانحلال الأخلاقي وتفكك الأسرة والجنوح نحو الجريمة، فكان منشأ هذا الانحراف هو تقديس الحرية التسافلية لتقييد الحرية التكاملية. فالحرية قيمة مقدّسة تُمكِّن الإنسان من عدم الخضوع لما يفرضه عليه المجتمع من قيود مانعة من وصوله الى السعادة، فقاموا بتشويه هذه القيمة لكي يُعززوا جاذبية القيود الغرائزية لمنع الإنسان من التحرر. هذا النوع من الممارسات سيكون مقرونًا دائمًا بالقلق وعدم الإشباع وزيادة الرغبة التوهمية وسيؤدي الى تدمير الحاضنة النفسية للإنسان وهي “الأسرة”.
كل هذا الوضوح في نشر هذه الأفكار وما تحمله من تهديد وتدمير للمجتمع يدفعنا للسؤال: كيف غزت مجتمعاتنا؟
كل انحراف له دوافعه، فحين يفتقد المجتمع المناعة يقع أفراده في هذا الانحراف. فبعض المجتمعات العربية التي توفرت لها مقدرات مالية أفرطت في رغباتها وافتقدت في نفس الوقت لنموذج القدوة وانجذبت نحو نموذج الرفاهية الغربية، فمن الطبيعي أنها ستنساق خلف شهوات انحرافية، فالمال مادة الشهوات.
أما في لبنان فتتبنى بعض جمعيات المجتمع المدني المموَّلة غربيًا الترويج للشذوذ الجنسي كجزء من وظيفتها التي تتلقى أموالًا مقابلها، وما يساعدها ضعف المناعة الرسمية في ضبطها من ناحية، وضبط الإعلام والمناهج الدراسية المفروضة من الدول المموِّلة. هذه من العوامل المؤثرة في اختراق البيئة اللبنانية رغم إجماع المرجعيات الروحية كافة على تجريم الشذوذ الجنسي. لكن البيئة في لبنان مُهيأة نظرًا لنقاط الضعف المجتمعية التي قد تُشكِّل فرصًا للترويج لهذه الآفة، ومنها: تجارة المخدرات، إهمال الأجهزة الأمنية، أوكار الفساد الأخلاقي، وجود إدارات مدارس تشجع على الشذوذ، وقيام وسائل التواصل بمهمة الترويج والدعاية، كما شهدنا مؤخرًا بعض السلع الخاصة بالأطفال تروّج لشعار الشذوذ الجنسي. وهنا تكمن الخطورة بالفئة المُستهدَفة.
وعندما تصل الأمور الى هذا الحد لا بدّ من المواجهة، فالتطبيع مع الشذوذ يُشبه التطبيع مع العدو، لذا يجب أن يبقى هذا السلوك مُستنكَرًا وغير مقبول ومنبوذًا مجتمعيًا ويجب اعتماد إجراءات لمحاربته تبدأ من السلطة التشريعية التي عليها المبادرة الى سن قوانين تحمي سلامة المجتمع اللبناني واستقامة الطبيعة البشرية انسجامًا مع احترام الدستور لمقدسات الأديان خاصة وأنه ليس في القانون اللبناني تجريم لهذا السلوك، لذا يجب تشريع قوانين تجريم.
أما على صعيد القطاع التربوي، فعلى وزارة التربية الإشراف على المناهج وحذف ما يروّج لهذه الآفة. والى حين ذلك، على الأهل مقاطعة المدارس التي تسمح بهذا السلوك وزيادة الرقابة على الأطفال منعًا لانحرافهم.
أما إعلاميًا فيجب لجم المؤسسات الإعلامية التي ساهمت في برامجها المحلية أو المسلسلات التي تعرضها في الترويج للشذوذ الجنسي.
لعلّها الحرب الأصعب التي يواجهها مجتمع لم توفره حروب على اختلاف أنواعها، لكن يبقى الانتصار في الحرب الثقافية أصعب من الانتصار في الحرب العسكرية لأنها تستهدف الأعمار الصغيرة ما يعني “جيل المستقبل” الذي ضحى بحياته جيل بأكمله سبقه لأجله.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.