بتول قصير – خاص الناشر |
بعد قرابة العام والنصف على وصول العلاقات السعودية – الأمريكية إلى ما يمكن وصفه بـ«الحضيض»، ها هو جو بايدن الذي تعهّد في خضمّ حملته الانتخابية بتحويل المملكة إلى دولةٍ «منبوذة» يُجرى زيارةً رسميّةً تلبيةً لدعوةٍ وجّهها إليه الملك سلمان. والزيارة التي كان من المتوقع إجراؤها في أواخر يونيو / حزيران، تأجلت على خلفية جدالات وتباينات داخل الادارة الديمقراطية، حسمت أخيرًا وحدد موعدها من 13 إلى 16 يوليو/ تموز، في جولة تبدأ في إسرائيل وتنتهي بالسعودية.
تنتهج الإدارة الامريكية الجديدة سياسة مغايرة تمامًا لسياسة ترامب تجاه السعودية، تماشيًا مع الفكر الديمقراطي للحزب الحاكم في امريكا والذي يغلب على طابعه القيم الديمقراطية، والذي يجنح نحو تخفيض الوجود العسكري الامريكي في الشرق الاوسط، وينحو الى العودة لطاولة المفاوضات حول ملف إيران النووي من جهة، وإعادة بلورة العلاقات الأمريكية-الخليجية بما يخدم مصالح الولايات المتحدة المستقبلية.
وهذا يفسر التباين في وجهات النظر بين السلطتين، بين وجهة النظر الامريكية “الديمقراطية” ووجهة النظر السعودية التسلطية والاستبدادية، فلكلٍّ منهما تطلعاته التي تتوافق مع مصالحه التي تشمل المستجدات الاقليمية والدولية. فقد اتسعت فجوة الخلافات بين الدولتين عقب استئناف الولايات المتحدة المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الايراني في فيينا والتي توقفت في عهد دونالد ترامب، بالإضافة إلى تعليقها صفقات أسلحة تعود للسعودية والامارات، وعزمها على الموافقة على رفع اسم حركة انصار الله “الحوثيين” عن قائمة الجماعات الارهابية، وتسجيل اعتراض للديمقراطيين الامريكيين فيما يخص الانتهاكات التي تمارسها الرياض للحريات العامة وبحق المعارضين السلميين. أسباب عدة أدت الى امتعاض المملكة من السياسة الخارجية الجديدة للولايات المتحدة والتي رأت فيها تعارضًا مع مصالحها واستراتيجيتها.
وقد شهدت العلاقات الامريكية-السعودية حالات من الركود والتوتر الشديدين عند منعطفات سياسية عدة، كالحظر النفطي العربي عام 1973م، وهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وعلى الرغم من الهزات التي تعرض لها التحالف، فإنه ظل متماسكا حتى بداية عام 2011، عندما عادت الخلافات بينهما لتطفو على السطح مجددًا نتيجة اختلاف قراءة الطرفين للأحداث والتغيرات الاقليمية لا سيما ما عرف حينها بـ “ثورات الربيع العربي”. بالإضافة الى تبني الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس أوباما سياسة الانكفاء الأمريكي عن الشرق الأوسط، والتركيز على تنامي النفوذ الصيني.
في المقلب الاخر، كان لـ”إسرائيل” دور بارز في صب الزيت على النار في الشق المتعلق بمسألة الاتفاق النووي. وقد سارع الجانب الصهيوني إلى تضخيم تداعيات نجاح هذا الاتفاق، كما وجاءت عملية رفع العزلة عن فنزويلا وعودتها الى السوق النفطية، لترفع مستوى الخوف من الجانب السعودي على خطوات الادارة الامريكية.
لذا وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياته النفطية والغذائية على اوروبا والعالم، حاولت امريكا الطلب من السعودية رفع طاقتها الانتاجية للبترول لتزويد اوروبا وامريكا، والذي قوبل بالرفض من الجانب السعودي، وكانت اولى نتائجه ارتفاع اسعار النفط عالميًا، وامتناع المملكة عن التصويت ضد روسيا بوضع مزيد من العقوبات عليها.
أما ضمنيًا، فإن واشنطن متوجسة من مخاوف براغماتية عدة، يأتي في الصدارة منها أن يحكم “محمد بن سلمان” المملكة العربية السعودية لعدة عقود قادمة. فليس من المُطمئن لواشنطن، التباعُد المُتزايد في علاقاتها مع الرياض، الذي بدأ منذ فترة “بايدن” الانتخابية، وتزايد ذلك عقب الاتهامات الموجهة لواشنطن بالتخلي عن المملكة عقب استهداف الحوثيين لمُنشآتها الحيوية، وهو ما قُرئ على أنه تنصل لواشنطن من مسؤولياتها الأمنية تجاه المملكة ومنطقة الشرق الأوسط عامة. فللولايات المتحدة مصالح أمنية ومالية تُحتم عليها الحفاظ على شراكتها الاستراتيجية مع المملكة، كما أن السعودية هي الحليف الرئيس في احتواء الخطر الايراني المزعزع للاستقرار في المنطقة بحسب الطرفين، بالإضافة لعدة عوامل حيوية بالنسبة إلى البيت الأبيض: تبعات الحرب في أوكرانيا، وحاجة “بايدن” إلى مساعدة السعودية في تنظيم سوق النفط، ورغبة إسرائيل القوية في تطبيع العلاقات مع “محمد بن سلمان” والمملكة، كجزء من عملية لإعادة ترتيب واسعة للمنطقة، حيث يدعم اللوبي الإسرائيلي في واشنطن اتفاقية ابراهام، والذي سيتحقق من خلال اتفاق نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية بموجب اتفاقية السلام بين القاهرة وتل أبيب، والسماح للطائرات الاسرائيلية بالتحليق فوق الأجواء السعودية.
وعليه، يمكننا أن نعيد صياغة اهداف الزيارة بعدة نقاط ابرزها:
-حماية البترودولار واستمراره، وابطاء مسار تطوير العلاقات السعودية-الصينية والسعودية-الروسية.
-زيادة انتاج النفط السعودي، كمحاولة لتقييد اسعار النفط العالمية.
-حماية اسرائيل من المتغيرات واستنساخ حلف جديد شبيه بحلف بغداد.
والسؤال المطروح من اهداف الزيارة هو: هل من صفقة امريكية جديدة لنهب ثروات الشرق الاوسط كما جرت العادة، وهذه المرة عبر السعودية؟
من المرجح التوصل الى اتفاق ولكن ليس شاملًا، فبين الأمريكي الطامح والسعودي المتوجس، فإن الخلافات في وجهات النظر والطموحات كبيرة وكثيرة، كالمتغيرات في السياسات الخارجية للدولتين العلنية منها وغير العلنية من البرنامج النووي الإيراني، إلى تصنيف حركة أنصار الله منظمة إرهابية، مرورًا بالعلاقات العسكرية السعودية الصينية، وتصنيع مسيّرات وصواريخ بالستية صينية في السعودية، والتنسيق في مجال إنتاج النفط مع روسيا، أضف الى ذلك تعامي الجانب الامريكي عن انتهاكات حقوق الانسان التي تمارسها السعودية، وليس اخرها مقتل الصحافي الخاشقجي في اسطنبول والذي بدا طيفه يقلق دولة آل سعود.
إن مسألة تطبيع العلاقات بين المملكة واسرائيل هي ملفات مختلفة ستفرض نفسها على طاولة البحث الامريكية-السعودية وستفضي الى اتفاق جزئي لا نهائي.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.