يوسف سويدان – خاص الناشر |
كان اللبنانيون ربّما ينتظرون في موسم الانتخابات البرلمانية لعام ٢٠٢٢ خطابات إعلامية وبرامج انتخابية واعدة تغييرية محشوّةً بالمشاريع الاقتصادية والخطط الإنقاذية، تعيد رأس مال اللبنانيين إلى جيوبهم وتنشلهُم من حفرة الانهيار، خصوصًا ممّن رفع شعار المواجهة إبان ١٧ تشرين وصار الوكيل المدّعي الحصري لمعرفة مصالح اللبنانيين والقادر على نقلهم نحو برّ الأمان،
سواءٌ من التغييريين المخمليين الجدُد الذين سرقوا آلام الفقراء وصادروا أصواتهم وهم بين قوسين كما ظهر أبعد ما يكونون عن الطبقة المحرومة المهمّشة والتي عانت بين فساد الدولة من جهة ورديفاتها من المصارف والمؤسسات الخاصة طوال العقود الماضية من جهة أخرى، أم من المتسلّقين من الأحزاب المعروفة التي وجدت الفرصة للانقضاض على الوضع الحالي القائم المتصف بأكثرية التأييد للمقاومة في البرلمان والحكومة بالتزّامن مع عقوبات دولية على سوريا، ومراهنة على تغيّر المشهد السياسي في العراق والتّعويل على نجاح التطبيع مع العدو الإسرائيلي في فلسطين.
ما يراه اللبنانيون بالمقابل برنامج انتخابي وحيد مكرّر على مستوى جميع الدوائر الانتخابية، جوهرهُ مواجهة حزب الله ومن ثمّ حلفائه مع اختلاف مقاربة خلفية مواجهة كل جهة وطرف من المرشّحين.
أمام الوضع القائم الذي وصلت إليه الدولة من العجز التّام وانعدام الأفق والحلول، تفهم أنّ معظم الأطراف عاجزة عن تقديم حلول إنقاذية حقيقية تكون ملموسة في مدى خمس سنوات أو عشر سنوات بأقلّ تقدير، وخصوصًا مع رفع سقف أميركا ومن خلفها أغلب الدّول الأوروبية والعربية والخليجية منها تحديدًا في منع تعافي لبنان بظلّ قوة حزب الله وتعاظم تأثير فعله المقاوم. فبدل أن يحاولوا التّفكير في تصحيح السياسات الاقتصادية واسترداد الأموال أو الالتفاف على التهديد الأميركي، لم يجدوا بدًّا إلا مواجهة الحزب باعتباره حجر عثرة أمام طموحاتهم ومشاريعهِم ورؤيتهم للدّولة كما يقولون.
إذًا نحنُ أمام تماهٍ واضح لهذه الأطراف علمت كلّها أو لم تعلم مع المزاج الأميركي والغربي والعربي الذي ارتضى في لحظة سياسية مع تراجع الجولات العسكرية في المنطقة، سحب يده من رعاية الاقتصاد اللبناني الذي كان راضيًا عنه لعقود بل عمِل على إنعاشه مرارًا وتكرارًا، لصالح إضعاف حزب الله ولو على حساب حلفائه القدامى وكل اللبنانيين. وهذا ما صرّح به مثلًا في الثاني والعشرين من آذار ٢٠١٩ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في بيروت الذي هدّد اللبنانيين ووضعهم بين خيارين: “إما مواجهة حزب الله، أو دفع الثمن”، وكرّره السفير الأميركي السابق في لبنان، جيفري فيلتمان، أمام الكونغرس بعد ٨ أشهر من حديث بومبيو حيث قال ما معناه “إن امام اللبنانيين خيارين: إما الالتزام بسياسات واشنطن، او الانهيار، وسياسات واشنطن تعني أيضًا الوقوف في وجه حزب الله “.
ولنصنّف الآن هذه الأطراف التي ترفع شعار مواجهة حزب الله، فأوّلها تلك التقليدية التي وقفت بوجهه منذ نشأة العمل المقاوم ودخول القوات الإسرائيلية واحتلالها للبنان. هذه القوى تحاول جاهدةً إشعار الجهات الداعمة الخارجية بجدوى مواجهتها للمقاومة ونجاح مساعيها وإعادة اكتساب ثقتها، حيث تبيّن أن هذه الجهات قد يئست من مدى نجاح هذه القوى في إنجاز أي فرملة لقوة حزب الله، لا بل رأت بعضها مهادنًا ومسايرًا له فاتّجهت لتخفيض طموحاتها منهم، ولم تعد مستعدّة لدفع ملايين بل مليارات الدولارات على خطط اتسمت بالفشل.
ثاني هذه الأطراف هي مجموعة بقايا القوى التي خرجت من أحزابها بصفات شخصية أو مجموعات مناطقية، تعتبر نفسها الحالة الصّقورية بوجه حزب الله، الرافضة لأي تساهل أو تقاعس معه وتقدّم نفسها بديلًا حقيقيًا عن القوى التقليدية وتلتمس الدعم المالي والتعويل على الدعم السياسي الخارجي. ولا يبدو أنها للآن تشكّل منهج مواجهة جديدًا مختلفًا عن السابق، إلّا من كان لها بعض الدعم من أجهزة مخابرات أو سفارات غربية أو تحظى بمنصّات إعلامية واسعة. والاعتقاد السّائد أن الجهات الخارجية تنظر إليها بعين الترقب والتمنّي دون تعويل حقيقي وانخراط في دعم مباشر لها، لأنّه كما بات معروفًا صار جهد ودعم هذه الجهات يصبّ في مكان آخر.
الطرف الآخر هو ما صار معروفًا بقوى المجتمع المدني أو المنظمات المدنية غير الحكومية، وهي الطرف الثالث ممّن يرفعون شعار المواجهة لحزب الله بالأعمّ الأغلب. وللإنصاف لا يمكن شمل كل هذه الجمعيات في بوتقة واحدة ذات الأهداف نفسها، ففيها من يعمل بعقلية معارضة السلطة ومحاولة التغيير والتحرّك ضمن العمليات السياسية الطبيعية محاولين الخرق والإصلاح ما أمكن خارج أي مشاريع مشبوهة وشعارات من قبيل ما ذكر آنفًا. أمّا معظم هذه الجمعيات فهي تتصرّف كواجهة وتكرار لمطالب أميركية وفرنسية وغربية صلبها المساومة والاكتفاء بهزّ الرأس فقط لإغراءات المؤسسات الدولية المالية والرضوخ من جهة أخرى للعصي الغربية والإملاءات، كلّ ذلك ضمن خطاب استعلائي على اللبنانيين مثل شعار “كلن يعني كلن” وغيرها من شعارات تضليلية والتفافية على وعي الناس.
أمّا حزب الله فأين هو في القضية؟ إنه كلّ القضية لأنّ هذه الجهات تعلم جيدًا أن وجود حزب الله سيكون عقبة أمامها لاستقدام العروض الإنقاذية، لكن على الطريقة الأميركية التي قد تفتح المساومة على أصول الدولة وأملاكها، والذهاب لمكان آخر اقتصاديًا غير معلوم النتائج، والأهم ما هو الثمن المقابل المطلوب دفعه سياسيًا. فهم يعلمون جيدًا أن أي حلحلة لن تكون مجانية من دون ملفات عديدة على رأسها سلاح المقاومة والحدود البحرية والنفط والنازحون وملف التّوطين والتطبيع والعلاقات مع إيران وسوريا وغيرها.
أمّا حزب الله، حزب الصادقين وحزب المخلصين، فيقف وحيدًا أمام ناسه وجمهوره، بل كل الناس، ليشرح لهم ويبيّن مساعيه في محاربة الفساد ومحاولة الإنقاذ بين غرف لجان مجلس النواب وأروقة القضاء والعمل الحكومي والعمل الخدماتي الاجتماعي. فسادٌ لم يكن يومًا مسؤولًا عنه، فسادٌ كانت مواجهته مختلفة تمامًا عن كسر الإسرائيلي والتكفيري والأميركي. ونعم، ربّما حزب الله كغيره من القوى لم يقدّم نفسه كمنقذ سحري للأوضاع الحالية، لكن كان منذ بدأ الانهيار يتصرّف بعقلية التشارك والتآزر ومدّ اليد بخلاف عقلية التمترس والتجافي من الخصوم، وقد قد طرح حلولًا كبرى إنقاذية عنوانها كسر الابتزاز الأميركي وتنويع الخيارات الاقتصادية شرقًا وغربًا.
هكذا اختار الخصوم التصويب على حزب الله وسلاحه في برنامجهم الانتخابي بخطاب الكره والبغض والتصويب على بيئته بانتمائها الديني والعقائدي والثقافي والولائي المقاوم. ولن يكون ١٥ أيار إلّا يوم التجديد لخيار هذا المجتمع الذي وقّع سابقًا وتكرارًا بالدم على قناعاته قبل التصويت في صناديق الاقتراع، والذي سيتحمّلون فيه مسؤولية كبيرة لن يتركوها.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.