أقدم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على ثلاث خطوات غريبة وصادمة في الأيّام الأخيرة من الحرب الأوكرانيّة كشفتا عن حقيقة هذه الحرب ونوايا وخبايا القوى المُشاركة فيها ( الولايات المتحدة وحلف الاطلسي – الناتو..):
أولًا: عندما طالب اليهود في مُختلف أنحاء العالم بدعم أوكرانيا ودعاهم إلى رفع الصّوت احتجاجًا على أعمال “القتل” التي تستهدف الأوكرانيين.
ثانيًا: مُمارسة أبشع أنواع العُنصريّة والتّمييز بين أبناء البلد الشّقر وذوي العُيون الزّرقاء وبين الطلاب من العالم الثالث، سواء على الحُدود مع بولندا أو في الاحتِماء بالملاجئ من القصف الروسي.
ثالثًا: فتح باب التطوّع لمِئات الآلاف من اليمين المُتطرّف في أوروبا والعالم للانضِمام إلى جيش بدأ في تأسيسه لمُقاتلة القوّات الروسيّة في أوكرانيا.
الأربعون مِليون مُواطن أوكراني من أتباع الديانة المسيحيّة، فلماذا لم يُخاطب الرئيس الأوكراني العالم المسيحي أيضًا، أو بالأحرى كُل مُعتنقي الأديان الأخرى، لدعم شعبه، طالما أن الغزو الروسي “غير شرعي” ويتعارض مع القانون الدولي، وقضيّة الشعب الأوكراني قضيّة عادلة ومشروعة؟
اتهم زيلينسكي موسكو بالسعي إلى “محو” أوكرانيا وتاريخها داعيًا اليهود إلى “عدم لزوم الصمت” بعد قصف روسي قريب من موقع بابي يار الذي شهد مذبحة لليهود على يد النازيين خلال الحرب العالمية الثانية.
وطالب زيلينسكي تل أبيب بـ”اتخاذ موقف الآن، مساند لأوكرانيا في مواجهة روسيا”، مضيفًا “لقد اتخذت أوكرانيا خيارها قبل 80 عامًا بإنقاذ اليهود”، مشبّهًا في عدة نقاط، أتى على ذكرها، العملية العسكرية الروسية على بلاده بـ”المحرقة النازية”.
واستمع إلى خطاب الرئيس الأوكراني أكثر من 100 نائب ووزير إسرائيلي، بحسب «يديعوت أحرونوت»، فيما أفاد موقع «أكسيوس» بأن زيلينسكي أراد إلقاء الخطاب أمام الجلسة العامة للكنيست، لكنه قوبل بالرفض، وبرر رئيس الكنيست أن ذلك مستحيل لأن المشرّعين في عطلة والجلسة العامة قيد التجديد.
وفي السياق نفسه؛ قال وزراء إسرائيليون لـ«القناة 12» الإسرائيلية، إن “خطاب زيلينسكي كان هجومًا صارخًا ومفرطًا على إسرائيل”، ونقلت القناة عن الوزراء قولهم: “خطاب الرئيس الأوكراني لا يعكس الجهد الإسرائيلي في كل القطاعات، تبذل “إسرائيل” قصارى جهدها لمساعدة الأوكرانيين”.
وقال “أنا أخاطب الآن جميع يهود العالم. ألا ترون ما يحدث؟ لهذا السبب من المهم جدًا ألا يلزم ملايين اليهود حول العالم الصمت الآن”. وأضاف “النازية ولدت في صمت. لذلك ارفعوا الصوت حيال قتل المدنيين. ارفعوا الصوت حيال قتل الأوكرانيين”.
التّجاوب مع دعوة زيلينسكي هذه جاءت من تل أبيب عندما أكّد رئيس الكيان الصهيوني إسحق هيرتزوغ أن “إسرائيل تدعم وحدة أراضي أوكرانيا”، وأكّد يائير لبيد وزير الخارجيّة الإسرائيلي للصّحافيين “أن إسرائيل ستُصوّت لإدانة الغزو الروسي في الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة، وهذا ما حصَل فعلًا، وكشف السفير الأوكراني في القدس المحتلّة أن سفارته فتحت باب التّجنيد أمام المُتطوّعين اليهود الإسرائيليين، ثمّ تراجع ورفع الإعلان من صفحة السّفارة على “الفيسبوك” بضغطٍ من الخارجيّة الإسرائيليّة، لكنّ أعمال التطوّع لم تتوقّف، وقد سقط العديد من هؤلاء المتطوعين ونشرت صورهم او مقتطفات من الصور الحية لمشاركتهم القتال.
حاولت “إسرائيل” أكثر من مرة اقناع يهود أوكرانيا -8800 منهم يحملون “الجنسية الإسرائيلية”- بالعودة لكنهم رفضوا كل الدعوات والاغراءات. وارسلت “إسرائيل” بقرار من “الكابينيت” طائرات لنقلهم ولم تستطع اقناع سوى نحو 30 منهم فقط بالوصول الى “تل ابيب”. امّا الباقون فكانوا ملتصقين ببيوتهم هناك ورفضوا المغادرة والتهجير. ووصل الامر بحكومة الاحتلال إلى الاتصال بالحكومة الروسية لنقل يهود أوكرانيا الى فلسطين دون جدوى.
والآن لا تزال حكومة الفصل العنصري تحاول أكثر تهجيرهم للاستيطان في الجولان العربي السوري وفي الضفة الغربية المحتلة. وقالت وزيرة الهجرة الإسرائيلية بنينا تامانو شطا التي لم تعلن حكومتها عقوبات ضد روسيا، على عكس الولايات المتحدة الحليف الأول: “نحن مستعدون لاستقبال آلاف المهاجرين اليهود من أوكرانيا”.
معظم الصحف العبرية وصفت ما يحدث في أوكرانيا بأنها “حرب أوروبا”، وتحاول استرجاع مشهد الحرب العالمية الثانية وتهجير من تبقى من يهود أوروبا الى فلسطين.
هناك تعقيدات عميقة في الموقف الإسرائيلي تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية. فـ”إسرائيل” تخشى إعطاء موقف داعم للولايات المتحدة الأميركية، حليفتها الأساسية والراعية الحقيقية لها، خوفًا من خسارة مصالحها مع الروس، الذين لديهم قدرة التأثير في ملفات استراتيجية متعددة ذات ارتباط بـ”الأمن القومي الإسرائيلي”، منها الملف الايراني، والخوف أن تذهب الولايات المتحدة الأميركية، تحت ضغط الأزمة الأوكرانية، إلى اتفاق متعجّل مع إيران.
ثم هناك الملف السوري حيث، تُعَدّ روسيا اللاعب المركزي الذي، إن لم تتفاهم معه “إسرائيل”، فلن يستطيع جيشها مواجهة التهديدات الناتجة من الجبهة السورية بصورة خاصة، ومن الجبهة الشمالية بصورة عامة.
وقال السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن مايكل أورين: “بينما يتعين على “إسرائيل” إدانة انتهاك السيادة الأوكرانية، لا يمكننا أن نغفل حقيقة أن الجيش الروسي على حدودنا الشمالية. هذه مسألة تتعلق بالأمن القومي”، في إشارة إلى الوجود الروسي الكبير داخل سوريا منذ 2015. وقال أورين الذي تولى مناصب عليا في السياسة الخارجية مع حكومات إسرائيلية مختلفة، “القيام بذلك سيكون غير حكيم”. ويضيف “يجب ألا ننسى أن هناك ثمانمئة الف يهودي في روسيا (…). لا يمكننا العودة إلى وضع تُحرم فيه “إسرائيل” من الاتصال بهم”. ويشير الدبلوماسي الإسرائيلي السابق إيتامار رابينوفيتش الى أن علاقات “إسرائيل” كانت “رهيبة” مع الاتحاد السوفياتي، لكنها “تحسنت” مع روسيا بقيادة فلاديمير بوتين.
ثم هناك العقوبات الاقتصادية على روسيا التي ستدفعها إلى تعزيز العلاقات التجارية والمالية والسياسية بآسيا.
دعت الدراسة، الصادرة عن “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب “إسرائيل” إلى دعم الموقف الأميركي في الصراع المتصاعد في أوروبا الشرقية، بسبب العلاقات الخاصة بين الدولتين والالتزام الأميركي بأمن “إسرائيل”. وفي هذا السياق، أوصت الدراسة بأن تمتنع “إسرائيل” عن الدخول في مواجهة، علنية خصوصًا، مع الإدارة الأميركية حتى في حال جرى توقيع اتفاق نووي جديد مع إيران قريبًا.
وأوصت الدراسة الحكومة الإسرائيلية بالحفاظ بقدر الإمكان في هذه المرحلة على قنوات الاتصال مع موسكو، من أجل الامتناع عن احتكاك عسكري في سورية. كذلك أوصت باستمرار ترسيخ “إسرائيل” لعلاقاتها مع دول عربية ونقل “رسائل إيجابية” إليها، “من أجل الاستعداد لاحتمال حدوث قلاقل فيها في إثر تبعات الأزمة الدولية وبهدف منع تراجع عملية تطبيع العلاقات”.
وفيما يتعلق بتأثير الأزمة الأوكرانية على جبهة “إسرائيل” الشمالية، وخاصة مقابل سورية، رجحت الدراسة أن تستغل روسيا الحلبة السورية لكي تجسد أمام الولايات المتحدة أن بيديها رافعات لتحويل مناطق أخرى في أوروبا الشرقية إلى مناطق قابلة للاشتعال. وفي الفترة الأخيرة، تضع روسيا مصاعب أمام الغارات الإسرائيلية ضد التموضع الإيراني في سورية ونقل أسلحة إلى الأراضي السورية وإلى حزب الله في لبنان.
ووصفت الدراسة الطلعات الجوية الروسية والسورية المشتركة وخاصة قرب هضبة الجولان المحتلة، الشهر الماضي، بأنها “رسالة واضحة لـ”إسرائيل” أن بمقدور روسيا، إذا أرادت، أن تعرقل” كفاح” “إسرائيل” ضد المحور الإيراني، مثلما يتم التعبير عنه في الأراضي السورية”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.