يتجه قطاع الاتصالات اليوم في لبنان إلى الالتحاق بقطار الانهيار الجارف، كغيره من القطاعات الخدماتية والإنتاجية التي انحدرت في طريق الانهيار. منجم الذهب هذا، الذي كانت تعول عليه الدولة اللبنانية سابقًا كأحد أهم مصادر الدخل لديها، بات اليوم قطاعًا متهالكًا مستنْزِفًا لموارد الدولة، لا مُعيلًا لها.
قطاعٌ على مشارف الإفلاس
يشارف قطاع الاتصالات اليوم على الانهيار، إذ ثمّة خطر جدّي يطال مختلف جوانب الحياة للمواطن اللبناني ويهدد أكثر من 5 ملايين مستخدم بالانقطاع عن الشبكة العنكبوتية. وتعزو وزارة الاتصالات أسباب التدهور الحاصل في القطاع إلى أزمة الدولار المتفلّت، والتكاليف الباهظة المطلوبة لتأمين مادة المازوت لتشغيل المحطّات وخفض مداخيل الشركات بحكم أن الأسعار ما زالت تحدد على اساس التسعيرة الرسمية القائمة على سعر صرف الـ 1500 ل.ل مقابل الدولار، علمًا بأن شركات الاتصالات كانت ولا زالت تحتكر هذا القطاع منذ سنوات طويلة ونهبت ما نهبت من جيوب الشعب، كغيرها من الشركات التابعة لسلطة الفساد الحاكمة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن شركات الاتصالات هذه، باتت تعاني من نقص حاد في الكوادر البشرية التي تسرّبت من هذا القطاع بسبب انخفاض قيمة المداخيل بشكل كبير، فضلًا عن الصعوبة القائمة في تأمين البنية التحتية اللازمة لشبكة الاتصالات وتعثّر صيانة العديد من الأعطال الفنية التي تواجه الشبكة على اختلاف أنواعها.
وتجدر الإشارة إلى أن الشركات المحتكرة لهذا القطاع في لبنان، جعلته يعدّ السادس عالميًا لناحية غلاء كلفة الاتصالات، بينما صنّف في المرتبة 22 عالميًا من ناحية غلاء كلفة الإنترنت السنوية.
غلاء فادح أو انقطاع محتّم
لم تكن الحلول المقدّمة من الدولة لانتشال ما تبقى من قطاع الاتصالات، أفضل من تلك المعتمدة في باقي القطاعات، وأقصد بذلك تلك الحلول التي تدخل المواطن في مرحلة تضييق الخناق رويدًا رويدًا، أي الموت السريري البطيء بدلًا من الموت العاجل.
ولأننا في هذا الوطن، اعتدنا الحصول على القليل جدًا عوضًا عن العدم، فإننا كما يبدو سنتماشى مع ما فرضته السلطة الفاسدة من حلول لا تشبه الحلول، وقد كان آخرها الخطة المقدمة من قبل وزير الاتصالات والتي تقضي بالطبع برفع التعرفة لتغطية التكاليف والحفاظ على استمرارية القطاع، وتتضمن الخطة اقتراح تخفيض قيمة الفاتورة بالدولار واحتسابها على سعر صيرفة، أي إذا كانت قيمة الفاتورة 100 $، ستنخفض إلى 33 $ وفق سعر صيرفة (منصة مصرف لبنان تحدد الدولار بين الـ 20,000 والـ 21.000 ليرة )، أما فيما يتعلق بالبطاقات المسبقة الدفع، فإن الوزارة ستلتزم بالمبلغ الذي دفع على البطاقة بالليرة اللبنلنية وبالصلاحية ولكن تسعيرة الدقائق أو الداتا والخدمات الموجودة ستتغير.
لم تكن الدولة اللبنانية هي المتآمر الوحيد على شعبها، بل كان للتجار المحتكرين دور في ذلك، إذ يوضح وزير الاتصالات أن أكثر من مئتي شخص قاموا بتجميع ما يزيد عن مئتي ألف دولار من الوحدات بالتزامن مع الحديث عن اتجاهٍ لرفع الأسعار، مشيرًا الى أنه سيتم اتخاذ اجراءات لمواجهة هذا الاحتكار والتخزين.
لعبت هذه الحلول المقترحة دور “المخدّر”، وهي وإن كانت تعطي أملًا باستمرارية هذا القطاع، الا أنها ستقضي على ما تبقى منه لاحقًا، تمامًا كما ستقضي على ما تبقى من نفس في روح هذا الشعب، فالحلول يجب أن تكون جذرية، بدءًا من اقتلاع قطاع الاتصالات من أيادي الشركات المحتكرة، واعادة هيكلته لتحسين الجودة، وتطبيق السعر الوسطي العالمي لأسعار الاتصالات، باعتماد 4 $ سنويًا أي حوالي 970,000 ل.ل سنويًا لا أكثر وغيرها من الحلول الجذرية.
لم يكتف كهنة معبد آمون المسمى بـ”مصرف لبنان” بعد من اذلال هذا المواطن في لقمة عيشه، ومقومات حياته، ولم يتركوا بابًا أو مسلكًا للانقضاض على أرزاق الناس إلا ودخلوه دون رحمة، وما نشهده اليوم في قطاع الاتصالات ما هو إلا دليل وشاهد واضح على أنه إن كان للفساد في هذا العالم أوجه، فدولتنا مرآةٌ تتّسع لكل تلك الوجوه.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.