أجمعت مدارس العلاج النفسي ومحاربة الاكتئاب والضغط العصبي ومتفرّعاتهما على أهمية الضّحك كوسيلة تساهم في تخفيف الضغوط النفسية التي يعاني منها الفرد أو المجتمع. لكن لم يخطر ببال أيّ فئة من العلماء والمختصين في مختلف العلوم أن تتكفّل حملة انتخابية بتوقيع “سمير جعجع” بدور الإضحاك العابر لكل أشكال وحدود الاختلاف بين الناس.
ولعلّ أكثر ما يجعل هذه الحملة تتسم بالقدرة على الإضحاك هو كون القائمين عليها وواضعي شعاراتها يفترضون، بثقة تامّة، أنّ انفصالهم عن التاريخ الحديث حالة عامّة، فيتناسون ذاكرتهم وذاكرتنا ويتوقعون منا، كقرّاء للشعارات، أن نكون مثلهم قد نسينا من يكون الجعجع الملقّب بالحكيم زورًا، وبالتالي يتوقعون من الجميع أن يصفّقوا طويلًا لشعارات جعجعية، من “نحنا فينا ونحنا بدنا”، إلى “فينا نحرّر الدولة”، و”فينا نحمي العدالة”، “فينا نحمي السيادة”، و”فينا نحمي البيئة”.. الخ.
قبل الدخول في تفنيد هذه الشعارات التي يكفي وصفها بالجعجعية لتبيان رداءة نوعها، ما رأيكم بأن هذا الذي يهبّ ويجعجع ويدّعي أن “فيه يحمي”، ويطرح نفسه حاميًا وحيدًا للبنان، كان اليوم يتساءل (يجوز المعنيان) معلّقًا على شعار حزب الله “نحمي ونبني” عمّن طلب من حزب الله الحماية. حسنًا، لا شكّ بأنّه يعلم جيّدًا أن دور الحامي الصادق والقادر الذي قام ويقوم به حزب الله لا يحتاج أصلًا إلى مصادقة ممّن تتوجّب الحماية من مشغّليهم، فحزب الله كما يعلم جعجع والجميع حمى لبنان وما بعد بعد لبنان من الخطر الإرهابي “الصهيوني” و”التكفيري”، وبالتالي لا يمكن أن ينتظر هذا الحزب من المتصهينين أو من مريدي التكفيريين مصادقة أو موافقة على حماية لبنان. وبما أن الجوّ انتخابي، كان عليه أن يسأل عن نتائج كل انتخابات جرت في لبنان وشارك فيها حزب الله، ليدرك أن التوكيل الانتخابي “فوق فوق فوق”.
نعود إلى شعارات جعجع في حملته الانتخابية. تعالوا نجول عليها ونضحك سويًا:
- فينا وبدنا..
لعل أقبح العاجزين هم الأكثر فصاحة في صياغة قدراتهم الوهمية بالشعارات. هذا بالنسبة إلى “فينا”، سواء اقترنت بالأقلية التمثيلية وبالوزن الذي يقارب “الصفر تمثيل” واللذين يحظى بهما جعجع، أو اقترنت بالذاكرة الموثّقة التي تؤكّد أن جلّ ما يمكن لجعجع أن يكون قادرًا عليه هو القتل، منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى مجزرة الطيونة، وما بينهما. (بحث سريع على محرّك البحث غوغل يؤدي لنا خدمة إظهار جرائم جعجع بلسان القواتيين أنفسهم). أما بالنسبة إلى “بدنا” فما يريده الجعجع معروف، ومعروف أيضًا إصراره على حمل المشروع الساقط الذي تبناه منذ أن انخرط في ميدان العمل السياسي (الدموي) إلى اليوم.
وهنا لا بد من الثناء على إصراره على أوهامه دون التفات إلى العناصر التي تؤكد استحالتها، ولو على سبيل الواقعية. - فينا نحرّر الدولة/ السيادة/ العدالة/ البيئة…
ثمة احتمالان يمكن من خلالهما ترجمة هذا الهراء الانتخابي إلى اللغة المحكية، الأول هو أن يكون المدان المعفو عنه وغير المبرّأ قضائيًا جاهلًا بمعنى كلمة نحرّر ونحمي، وبالغًا بجهله حدّ فهمها على أنّها نقيضها، فيكون قصده نريد ربط الدولة والسيادة والعدالة والبيئة في زريبة الصهاينة، أو أن يكون غير جاهل بمعناها ولكن يسعى إلى نوع من البلاغة عبر تمويه الشيء بكلمات رنّانة. انظروا من يريد أن يحمي السيادة، هذا الذي تغاوى بالدبابات “الإسرائيلية”، وتحت جناحها قتل وقصف واختطف ودمّر. وانظروا من يريد أن يحمي العدالة، الموشوم والموسوم بالتجريم القضائي، يريد، يا ناس يا هوه، أن يحمي العدالة والقضاء! أما حماية البيئة، فالمضحك المبكي أن التقارير حول النفايات المشعّة والمسرطنة ودوره في إدخالها إلى “الحوض الخامس” وتوزيعها في البلد ما زالت متوفرة لمن يسعى للاطلاع عليها.
أما درّة تاج الحملة الانتخابية فتمثّلت بالجملة التالية: من يصوّت للتيّار الوطني الحرّ يكون قد صوّت لحزب الله. يخشى المرء حين يسمع جعجع وفريق ببغاواته على صحة الرجل العقلية، فلغة التخويف التي أثبتت فشلها في عزل حزب الله عن الناس ولا سيّما بمعيار القدرة على الحماية والمصداقية في تأمينها بغض النظر عن أي اختلاف مذهبي أو طائفي أو سياسي، ما زالت بالنسبة إلى جعجع لغة ينطق بها وكأنّه فعلًا لم يسمع لا براهبات معلولا ولا بفقراء عكار وغيرهم من الذين يدركون جيدًا أن آخر من قد يفكرون في توكيله حاميًا لهم هو من قتلهم وقاتل بهم، وأن ما يربط بين التيار العوني وأهله هو علاقة متأصّلة ومتجذّرة ومبنية على قراءات واقعية وموضوعية وتاريخية.
للكوميديا حدود، ولكن لا حدود لنموذج مثل جعجع في احتراف “الشعارات الفارغة” ولا سيّما حين يمرّر بها كلمة “نحمي” التي على ما يبدو تشكّل بالنسبة له عقدة نقص سيظل عاجزًا عن تخطّيها، كمعلّميه.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.