لم يستطع لبنان، هذا البلد الصغير القابع على شواطئ المتوسط، أن ينأى بنفسه عن كل ما يحدث في هذا الكوكب، وكأن احداث العالم من مشرقه إلى مغربه ومن شماله إلى جنوبه تمر فوقه لا محالة لترمي بتداعياتها عليه.
ولأن “اللبناني بكل عرس اله قرص” كان للحرب الروسية الأوكرانية تداعياتها الكبيرة على اقتصاد هذا البلد المتهالك، وقد كان آخرها موضوع الأمن الغذائي والمخاطر الكبيرة التي قد تنتج عنه.
انعدام الأمن الغذائي يتفاقم
يتحقق الأمن الغذائي “بتوفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة من أجل حياة صحية ونشطة”. وفي إطلالة سريعة على واقع الأمن الغذائي في بلدنا فإن الدراسات تشير إلى أن لبنان يستورد 58% من احتياجاته الغذائية، مما يعني أن الأمن الغذائي فيه مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعوامل الخارجية بل هو مرهون لها نظرًا لغياب البدائل المحلية الذاتية.
والجدير بالذكر أن لبنان يستورد من حاجاته الغذائية الأساسية بشكل شبه كامل من أوكرانيا بما قيمته تقريبًا 272 مليون دولار سنويًّا ومن روسيا بما قيمته 520 مليون دولار. ولأن الفوضى هي سيدة الموقف في هذا البلد فإن سياسات الاحتكار ورفع الاسعار عادت مجددًا رغم انها لم تختفِ اساسًا، مما خلق حالة من الهلع لدى المواطنين الذين تهافتوا لتخزين المواد الغذائية كما حدث سابقًا لا سيما الطحين والزيت الأمر الذي خلق أزمة مخزون جديدة سيكون لها مخاطر أعمق.
أبعدوا الأمن الغذائي عن النكد السياسي
على الرغم من التداعيات المحلية والخارجية الخطيرة جدًّا التي ألقت بنفسها على الأمن الغذائي اللبناني، وعلى الرغم من استقالة مصرف لبنان من مهمة دعم المواد الغذائية الأساسية، الا أنه لا بد من ايجاد حلول سريعة للحد من تأثير هذه الحرب على الاقتصاد اللبناني. هذه الحلول يمكن أن تكون على المدى القريب جدًّا عبر توسيع الخيارات بين الشرق والغرب بعيدًا عن المشاحنات السياسية، كالعراق وسوريا وتركيا ورومانيا وفرنسا وغيرها، وعلى الرغم من أن ذلك سيتسبب بارتفاع اسعار المواد الغذائية الا انها ستتوفر في السوق اللبناني. اما الحلول الممكنة على المدى البعيد فإن أبرزها وأكثرها أهمية سيكون بوضع خطة أمن غذائي متكاملة، الامر الذي يستدعي اعادة النظر باهمية القطاعات الانتاجية وتحديدا الزراعية والصناعية، إذ إن الميزانية التي حددتها الحكومة اللبنانية لهذين القطاعين خجولة جدًّا، فهي لا تتخطى نسبة الـ 0.2% من الموازنة.
وتحت عنوان هذه الخطة تندرج عناوين ثانوية اخرى كإنشاء بنية تحتية مناسبة وإعطاء قروض ميسرة للمزارعين بفوائد مخفضة والحد من عمليات تهريب المنتجات الوطنية للخارج، بالاضافة الى اعفاء المستلزمات الزراعية والصناعية من الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية وغيرها من الإجراءات الفعالة بهذا الشأن.
قالها يومًا المفكر جبران خليل جبران: “ويل لأمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تنسج “. وأظن لو أنه عاش في زمننا هذا، لاستبدل مقولته تلك بـ”ويل لحكومة تغدق أموال شعبها لدعم أملاك بحرية منهوبة وترمي فتات خبزها لقطاعاتٍ لا أمن غذائيًّا لها من دونها”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.