ممّا لا شكّ فيه أنّ محور المقاومة، وحزب الله بالخصوص، يواجه اليوم، وبعد العجز عن القضاء عليه عسكريًا أو أمنيًا، أو حتى اقتصاديًا، حروبًا من نوعٍ آخر، حرب العقول، الادراك، الوعي، المعلومات وغيرها،
هي ببساطة جعلُ الإعلام عوض الدبّابة، والعملاء بدل الجيوش، والاحتلال المادي بدل الاحتلال الفكري والأيديولوجي، واحتلال النفوس والأرواح والعقول بدل احتلال الأبدان.
تتعدّد أسمائها لكن كلّها تندرج تحت عنوان وهدف واضح “تهشيم وتزوير وتحريف صورة حزب الله”. ولعلّ الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي هما الطريقتان الأبرز، أو حتّى الوحيدتين. يقول المفكّر جوزيف ناي في كتابه “القوّة الناعمة” إن “أفضل الناطقين باسم الأفكار والأهداف الأميركية هم غير الأميركيين، أي الوكلاء المحليون، وأقوى أدوات القوّة الناعمة هي وسائل الإعلام وكل ما تقدّمه من مسلسلات وأفلام وبرامج ترفيهية”.
يكمن دور هاتين الوسيلتين بشكل كبير في إتمام مهامهما التضليلية والافترائية في افتعال الحرب الكونيّة، من خلال وسائل الإعلام والمواقع العربيّة والمحلّية اللبنانية، والمنصّات الإلكترونية الإعلاميّة والإعلاميين والصحافيين، والذين منهم من وهبوا أنفسهم بالمجّان، ومنهم من أجل الاقامة الذهبية، ومنهم من باعوا الرخيص، لبيت الطاعة الغربي والخليجي، عدا عن الجيوش الإلكترونية الهائلة والمنظّمة والحسابات الوهميّة التي تعمل ليل نهار.
سنذكر بعضًا من مهامها الطحنونية في مواجهة حزب الله، وهي إيصال الأفكار الإسرائيلية التالية عنه:
- زعم أنّه حزب طائفي عبر اتهامه بتوزيع بطاقة السجّاد على طائفته فقط.
- أنه حامي المنظومة الفاسدة، لأنّ الحزب انسحب من الساحات وفشل حراك ١٧ تشرين بسبب ذلك الانسحاب.
- يكرّس ويجسّد “الاحتلال الايراني”، أيّ إنه جيش إيراني ينفّذ مصالح إيران في لبنان.
- هو سبب حرب تموز ٢٠٠٦ بسبب أسر الجنديين “الإسرائيليين”، و”افتعال مشكلة” مع الصهاينة، وهو لم ينتصر بل هم انسحبوا بقرار منهم.
- زعْم أنه يتاجر بالمخدّرات ويبيّض أموال فيتّهمونه أنه سبب عمليات تصدير المخدرات من لبنان، أو حتى لديه تأثير في أميركا اللاتينية.
- زعْم أن حزب الله حرامي، أي يدير عصابات تقوم بسرقة أرزاق الناس لتهريبها الى سوريا، بالإضافة إلى تحويل أموال الأمين العام للخارج.
- يعزل لبنان عن محيطه العربي وعن الحنفية الغربية، والسبب هو مشاركته في حرب سوريا، والعراق، واليمن.
- لا يفرق عن داعش والجماعات الارهابية، والسبب أنه ارتكب المجازر بحق المدنيين في سوريا. وهنا يأتون كمثل على ذلك مخيم اليرموك الذي لا دخل للحزب فيه.
- اتهامه بقتل شخصيّات مثقّفة لبنانية (لقمان سليم، جبران تويني، سمير قصير،…) الذين قُتل معظمهم لأسباب شخصية وعائلية، وأنه افتعل ٧ أيّار (سلاحه موجّه للداخل)، واتهامه، منذ اللحظة الأولى لانفجار مرفأ بيروت، بأنه هو الفاعل.
- زعم أنه تهديد وجودي للبنانيين، عبر تخبئة الصواريخ في المناطق السكنية.
- يقمع الحرّيات ويمارس الاستبداد في الضاحية الجنوبية ويمنع المظاهرات ورفع الصوت.
- زعم أن حزب الله هو الدولة، لأن رئيسي الجمهورية ومجلس النواب معه، وأيضًا هو من سمّى رئيس الحكومة.
أيضًا يعملون على حملات التنميط وتصوير مجتمع وبيئة الحزب -أيّ الشيعة- أنهم جاهلون يعيشون في العصر الحجري، يضخمون أصواتهم، يتعاطون المخدّرات، يركبون “الموتسيك”، كدليل على فقرهم، وتعييرهم بها، وغيرها.
وهذا يمكن أن نراه متجلّيًا في برامج وسائل الاعلام التي تصوّر مجتمع الحزب على أنه كذلك، وتفاعل الجيوش الإلكترونية على مواقع التواصل، أن أي سرقة تحصل، أو أي مداهمة لمروّجي وتجار مخدّرات، فإن المتهمين بها هم من الضاحية أو البقاع أو الجنوب، مناطق القاعدة الجماهيرية للحزب. وهذه السرديّات قام على تأكيدها الكثير من المقدّمين والكوميديين والمؤثرين من حيث يدرون أو لا يدرون (هشام حداد، عباس جعفر، أبو طلال، حسين قاووق،…).
أفراد وسائل الإعلام هؤلاء يعملون وفق استراتيجيات ودراسات ومؤتمرات تُقام لكيفيّة تمرير الأفكار الباطنية وبثّ الإشكالات، خصوصًا استغلال ما يعانيه لبنان من أزمات الآن، فلا يكفّون عن الأكاذيب في كل برامجهم، حتّى النشرات الجويّة، لتحميل الحزب كل شاردة وواردة سلبيّة تحصل في البلد، أو حتّى التي تتعلق بقضايا عربية ودوليّة، والهدف هو تفكيك حزب الله، بتفكيك أساسه وبنيته، أي الولاية والعقيدة، وعزله عن الهوية اللبنانية، ودفع البيئة الشعبية للانتفاض ضده، وتقليص القاعدة الشعبية له قدر الإمكان، وتغيير الثقافة السائدة، واللعب على وعي الفئات الشبابية (التلاعب بعقول الشباب الجامعيين، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى “أمركة” وعي الطلاب وتغيير نمط الحياة لديهم عبر ضخ المفاهيم الغربية في حياتهم اليومية، وهنا يأتي دور الـNGOS مع الإعلام).
بعد كل هذا، يأتي البعض ليطرح فكرة “ضعف إعلام حزب الله”. وهذه الفكرة سيتم الحديث عنها لاحقًا لتفاصيلها. لكن حبّذا لو يعلم من يطرح ذلك، مبادئ وقيم وأسُس حزب الله التي لا يمكن أن يتخلّى عنها، وأن ينزل الى مستوى المستنقع الذي يقبع فيه الطرف المقابل. حبّذا لو يقوم من يهاجم ويلمّح بين الكلمة والكلمة إلى ضعف حزب الله، بتقديم اقتراحات كيف يكون الإعلام أقوى، أو أن يعرف أين يقدّم انتقاده وأفكاره، أو أن نرى بعضًا من مبادراته الفرديّة المفتوحة، والتي هي مسؤولية وواجب كلّ من يدّعي أنّه يناصر هذا الخطّ ولديه القدرة والإمكانية على دحض الأكاذيب وتبيان الوقائع والحقائق، والدفاع عن المقاومة افتراضيًا، بدل التنظير من بعيد والمشاركة في الهجمة الإعلامية على الحزب.
طبعًا، المواجهة لا تعني التعليق والتفاعل مع منشورات المعتاشين على الرشاوى الخليجية، مثل فارس سعيد وديما صادق ونديم قطيش وغيرهم من أذناب السفارات، فهم من خلال تفاعل جمهور الحزب بالتعليقات عندهم يحققون الهدف المطلوب.
المواجهة تكون عبر الحضور والجهوزية على مواقع التواصل، ومعرفة العدو، ونشر الوعي، وفضح وكشف خلفيّة وخطط وتمويل الأدوات، والردّ على الافتراءات والشبهات بالوقائع والحقائق.
الملفت في السنتين الأخيرتين، على الأقل، أنه لم تخلُ خطابات أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله من دعواته المتكرّرة والكثيفة لضرورة الحضور على مواقع التواصل الاجتماعي. وهذا يؤكد أهميّة، وصعوبة وتبعات هذا الموضوع الذي يأخذ حيّزًا كبيرًا في الحقبة الحالية، وآخرها يوم أمس، حيث شدّد على أنّها معركة لا تقلّ أهمية عن المعارك العسكرية وغيرها: “نحن اليوم في معركة وعي، معركة إعلام، معركة مواقع التواصل الاجتماعي. لا تستهينوا بهذه المعركة، التي تحول المقاوم الى تاجر مخدرات، إرهابي أزعر، هذا جزء من المعركة التي يجب أن نخوضها، هذه هي المعركة الحقيقية التي فرضها العدو علينا”.
وفي اإشارة الى دهاء الإعلام، قال: “في الإعلام وفي مواقع التواصل، يصبح السفير الأميركي في بغداد حمامة سلام، ويصبح قاسم سليماني مجرمًا وقاتلًا… نعم هناك جهود وجيوش إلكترونية لقلب الحقائق”.
على عادته، سيبقى حزب الله شامخًا، نظيفًا وقويًا، ومشروعه الأسمى لن ينكسر أو يلين أمام ضغوط وحروب عبثيّة من هذا النوع، وبهمّة مجاهديه وقاعدته الشعبيّة والشباب المتحمّس المثقّف الذي هو على قدر المسؤولية، وكما اعتاد شعبه على انتصاراته العسكريّة، سيشاركه صنع الانتصار في معركة الوعي.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.