الانكفاء العسكري الأميركي.. إعادة تشكيل النظام الإقليمي

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أولًا: المقدمة 

  1. التمهيد:

 تبرز الحاجة إلى فهم السياسة الأميركية في ظل “الانكفاء” التدريجي من المنطقة وتسارع وتيرة التحولات الجيوستراتيجية فيها. وتحاول هذه الورقة تلبية هذه الحاجة من خلال دراسة استقرائية للاستراتيجية الأميركية المتبعة في خطة الانكفاء؛ وهي استراتيجية “إعادة تشكيل النظام” في غرب آسيا وشرق المتوسط. تعمل المقاربة على تشريح الاستراتيجية قدر الإمكان ميدانيًّا، من خلال تفكيك الخطة الأميركية، وتوزيع عناصرها إلى لاعبين وصراعات وساحات، وتهدف إلى محاولة فهم كيفية تعامل الأميركي مع مختلف اللاعبين، ورؤيته العملانية تجاه الصراعات، وحركته في ساحات الصراع الرئيسة. تكمن أهمية الدراسة في تقديم رؤية شاملة للسياسات الأميركية، وتوضيح المشهد الكلي الحالي والمستقبلي للحراك الأميركي، والآليات الأميركية المتبعة في التأثير، وإدارة الخسائر، والتعويض عن الفراغ القيادي. الأمر الذي يكشف الكيفية التي تخدم بها استراتيجية “إعادة تشكيل النظام” مفهوم الانكفاء؛ بما يساهم في بلورته، ويوفّر منطلقًا لإمكانية البحث عن عناصره وأبعاده وتطبيق معالمه ميدانيًّا.

 إنّ الحركة الأميركية في منطقة غرب آسيا، كما تظهر الدراسة، تحددها الحاجة إلى ضرورة تخفيف الأعباء عن واشنطن. وتاليًّا، تحاول الولايات المتحدة الأميركية إعادة هندسة الإقليم بكل موازين القوى المتواجدة فيه كخيار استراتيجي في خدمة الانكفاء الأميركي. وعمليًّا، يفيد الانكفاء إقدام واشنطن على اعتماد سياسات ما كانت موضع قبول سابقًا كونها تتسم بطابع الضعف، في مقابل التراجع عن سياسات ذات أولوية في نهج الولايات المتحدة القيادي. وبمعنى آخر، يشير الانكفاء إلى انقضاء زمن القرارات العسكرية الحاسمة في الهيمنة الأميركية على منطقة غرب آسيا. إنّ تكاليف واشنطن بعد عقدين من التدخل المباشر في ملفات المنطقة على كل من المستوى الدولي والإقليمي والداخلي دفعت لخيار الانكفاء. لقد زادت أعباء التحديات في منافسة القوى العظمى، وفي مواجهة تنامي محور المقاومة، وفي تقديم الحلول للأزمات الأميركية الداخلية؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 من هنا، وأمام الاضطرار إلى التخلّص من تكاليف سياساتها في المنطقة بالتوازي مع الحاجة إلى تأمين الأمن القومي الإسرائيلي عبر كبح نفوذ محور المقاومة، كانت استراتيجية “إعادة تشكيل النظام”؛ بما يحتمل الأميركي أن يخفّ معها خسائر الانكفاء وضبط عملية استثماره، بالحدّ الأدنى، من قبل المحور. لذا، تتحرك الولايات المتحدة لاحتواء الهزائم الأميركية في المنطقة من جهة، ومنع المحور من توظيف انتصاراته، من جهة أخرى، وذلك عبر استمرار استنزاف المحور، وإبقائه في حالة دفاعية بالتوازي مع تفادي تورط قواتها العسكرية في أي مواجهة مباشرة.

 وتتوزّع محاور الدراسة على العناوين التالية: اللاعبون (الخصوم؛ المنافسون؛ الأعداء؛ الحلفاء)، خطوط الصراع الحالية (صراع المقاومة/العدو؛ الصراع الوهابي/الإخواني؛ الصراع التركي-الروسي/الغربي)، ساحات الصراع (ليبيا؛ فلسطين؛ سوريا؛ حوض المتوسط؛ لبنان؛ العراق).

  • مفهوم إعادة تشكيل النظام:

 استراتيجية إعادة التشكيل هي خطة تمكّن صانعي القرار من إعادة صياغة أو ترتيب اللاعبين المتعددين عبر التأثير بهم مع عدم القدرة على السيطرة عليهم. لذلك، يكمن الهدف في حفظ مصالح الصناع أنفسهم بالاستفادة من الفرص والتحولات والمنعطفات التي تصب في زيادة معدلات النمو والربح. هكذا، يؤمّن مفهوم إعادة التشكيل تعزيز سلوك اللاعب في التكييف الفعال بغية إدارة الخسارة عبر تحديد المخاطر، وقياس تأثيرها المحتمل على الأداء، وتحديد أفضل طريقة لإدارتها، وذلك بما يقلل الخسائر، ويوائم المخاطر مع استراتيجية العمل الشاملة، ويكسب فوائد جديدة.

 تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على دور مركزي مؤثر في غرب آسيا في ظل الظروف الجديدة التي لم تعد تسمح لها بممارسة هيمنة منفردة في المنطقة، فهناك قوى دولية متعددة تنافس الأميركي وتمنعه من حرية الحركة والتفرّد في تحديد قواعد السلوك السياسي والأمني.

 بعد ثلاثة عقود من التدخل الأميركي في الكويت، آب 1990م، شكّل احتلال العراق عام 2003م بتكاليفه المرتفعة وتداعياته السلبية نقطة تحول في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، واختلفت السياسة الأميركية تمامًا؛ واتخذت مسار “الانكفاء”، وتقليل الأهمية المباشرة للشرق الأوسط، والنفور  من أو الاحجام عن التدخل العسكري فيها، والخروج من “الحروب التي لا نهاية لها”، تحت وطأة عدة عوامل، أهمها تحول الرأي العام الأميركي، وتزايد الإنتاج المحلي للنفط والغاز، وحاجة الولايات المتحدة إلى تحويل الموارد والانتباه إلى أوروبا لمواجهة روسيا، وإلى آسيا لمكافحة تمدد الصين.

 وفي ظل نهج تخفيف التركيز على منطقة الشرق الأوسط، تحاول أمريكا التوازن ضمن لعبة الصراع الاستراتيجي على النفوذ عبر محاولة إعادة تشكيل النظام (فاعلون وساحات) بما يسمح بالتحكم بمسار الصراعات قدر الإمكان، وبالتأثير بتحركات اللاعبين الفاعلين وضبط علاقاتهم وتوازناتهم حيث يمكن المحافظة على قدر من الوجود والدور في النظام الدولي الصاعد.

  • الأهداف والسياسات العامة:

يمكن إيجاز الأهداف والسياسات العامة لإعادة تشكيل النظام الإقليمي بالتالي:

  • الأهداف العامة:
  • إعادة صياغة إدارة الصراع في ظلّ افتقاد القدرة على التحكم بالمواقف.
  • ترتيب موازين القوى القائمة، وتشكيل توازن أمني إقليمي جديد، والتقليل من الخسارة الأميركية قدر الإمكان. 
  • التحكم بمسار الصراع الناجم عن ملء الفراغ القيادي.
  • عرقلة تمدد وسعة نفوذ القوى الإقليمية والدولية الصاعدة ومحاصرة محور المقاومة عبر الوكلاء والحلفاء، وحتى المنافسين من شركاء وخصوم.
  • المحافظة على قدر من الثقل الأميركي في ساحات التعاون والمنافسة رغم الانسحاب.
  • توجيه الصراع بعيدًا عن الصراع الأساسي (المقاومة/العدو).
  • تحقيق أكبر عزلة ممكنة للعدو لشلّ حركته وتوهين مقاومته.
  • محاولة تأمين المصالح الأميركية الدائمة في المنطقة.
  • توريث “إسرائيل” دور شرطي شرق المتوسط والخليج أو المعاون.
  • إطار السياسات العامة:
  • التشبيك مع أكبر قدر من اللاعبين الفاعلين الرئيسيين.
  • إطالة أمد الصراع بما ينهك أو يستنفد قوى اللاعبين الآخرين.
  • ادارة / التحكم /ضبط العلاقات بين الحلفاء والخصوم والمنافسين.
  • ضبط عملية ملء الفراغ القيادي بالطريقة التي تناسب المصالح الأميركية.
  • استثمار مطامع الحلفاء والمنافسين بحيازة دور في النظام الإقليمي الجديد.
  • مزاوجة أسلوبي الترهيب والترغيب (مرونة وشدة) مع الخصوم. رسم خطوط حمراء لكن مع نقاط مرونة مع الخصوم.
  • اعتماد سياسة التأديب والترويض والابتزاز مع الحلفاء والمنافسين.
  • استهداف بنى النظام المعادي كافة مع لحاظ كل نقاط الضعف المتوفرة لتحويل التهديد إلى خطر حقيقي على العدو (محور المقاومة).
  • تشويه علاقة العدو (محور المقاومة) مع الحلفاء والخصوم والمنافسين.
  • تقليل الالتزامات العسكرية في النزاعات ذات الأهمية الثانوية.
  • اعتماد الوكالة للحفاظ على نفوذ لها دون التخلي كليًّا عن الحضور المباشر في الإقليم.
  • تطوير شركاء أقوى يمكنهم تعزيز المصالح الأميركية ومشاركتهم في بعض حصصها.

ثانيًا: عملية إعادة التشكيل

  1. اللاعبون في الإقليم من منظار أميركي
  2. الخصوم: روسيا، الصين

تعريف الخصم: قوة تواجه النفوذ الأميركية بشكل براغماتي وغير جذري.

يعزز الخصم الروسي نفوذه في المنطقة ويثبت مركزه ضمن القوى الإقليمية، في ذات الوقت الذي يحافظ فيه على علاقات جيدة مع معظم دول المنطقة، بما في ذلك شركاء الولايات المتحدة الأمنيين.

الصين هي الخصم المنافس الذي تخشى أمريكا صعوده في عالم اللاقطبية والفوضى العالمية الجديدة في ظل مؤشرات تفكك الإمبراطورية الأميركية من التراجع والانكماش الاقتصادي، والأزمات الاجتماعية والصحية والسياسية الداخلية والخارجية، وهي تزحف ببطء نحو غرب آسيا مسلّحة برأسمالها الضخم، لاسيما الاقتصادي والتكنولوجي العسكري.

  • المنافسون: فرنسا، تركيا

تعريف المنافس: قوة صديقة للولايات المتحدة لكنها تنافسها على النفوذ.

تركيا منافس حليف لأمريكا وليس شريكًا، يطلق بعض الساسة والباحثين الأميركيين عليها اسم “الحليف المعقد”، بينما يرى البعض الآخر أنها لم تعد حليفة. ما زالت عضويتها مستمرة في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وفي التحالف ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة رغم توتر العلاقات بين البلدين، كما تحافظ على علاقاتها الدبلوماسية والمالية مع “إسرائيل” مع استمرار دعم حماس وتقديم نفسها على أنها الداعم الأكبر للفلسطينيين. وتشكّل شراكة تركيا مع الخصم الروسي في المشاريع الاقتصادية والعسكرية والتوسعية موضع قلق للأميركي.

فرنسا منافس شريك تخضع للسياسة الأميركية القائمة على تحقيق مصالحها قبل أي شيء آخر، لذلك تصطدم فرنسا معها في عدة دول، وتخضع للحساب والتأديب إذا ما حاولت التغريد خارجًا، وتتعرّض للابتزاز الأميركي عند الحاجة.

  •  الأعداء: إيران، محور المقاومة

تعريف العدو: قوة مقاومة مناهضة لمشاريع الهيمنة الأميركية.

إيران العدو اللدود الذي كسر الهيبة الأميركية بالصمود والمواجهة. تقود إيران محور المقاومة الذي يعرقل أو يفشل مشاريع الولايات المتحدة ووكلائها، ويهدد وجود “إسرائيل”، فضلًا عن أنه الضاغط الأكبر في انحسار النفوذ الأميركي في المنطقة. وسوريا هي محور التعاون الروسي الإيراني، والنقطة المركزية العربية في الممانعة. يشكّل حزب الله في لبنان ركيزة خط المقاومة ضد العدو الصهيوني والمطامع الأميركية. ويتصاعد القلق الأميركي من نمو قدرات المقاومة الحوثية في اليمن واكتسابها الشرعية السياسية كحزب الله. كما تعدّ فصائل المقاومة العراقية قوى فاعلة في اجبار الأميركي على إعادة تقييم سياساته في العراق ودول الجوار.

  • الحلفاء: “إسرائيل”، الإمارات، السعودية، مصر، البحرين، قطر

تعريف الحليف: قوة متعاونة مع الأميركي في تحقيق الأهداف والمصالح التي يفترَض أنها مشتركة بينهما.

“إسرائيل” حليف عميل يخضع للإرادة الأميركية ويحتاج للرعاية والحماية والغطاء منها باستمرار. يحافظ الأميركي على مركز التفوق العسكري لها على سائر الحلفاء، لكنه يرفض انشائها قطب مستقل موازن للقطب الأميركي في ذات الوقت، خصوصًا مع ميولها للاتجاه شرقًا وعلاقاتها شرقًا وعلاقاتها المتقدمة مع روسيا والصين.

الحلفاء العرب حاجة أميركية لتشكيل ملامح النظام الإقليمي الجديد. وهم يساهمون في الغطاء السياسي لحماية “إسرائيل” وتأمين وكالتها المستقبلية لقيادة المنطقة العربية ضد إيران. وعلى الرغم من خدمتهم في فلك القيادة الأميركية، إلا أن ترامب عمل على كبح اندفاعات كل منهم والضغط عليهم بذريعة عدم تقديمهم ما يكافئ الدعم الأميركي لهم، لتحصيل ما يراه حقًّا أميركيا؛ فكان مبدأ “المال مقابل الحماية” بالدفع المباشر أو بقبول صفقات الأسلحة الأمر الذي أثقل تلك الدول. تشكل المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة خاصة سوقًا استهلاكيًّا متناميًّا للأسلحة؛ ثلاثة من أكبر أربعة مستوردي أسلحة في العالم (ثلث واردات العالم من الأسلحة 2013-2017) بمعدل يفوق ضعف حصتها مقارنة بفترة الخمس سنوات السابقة. تعد مصر والأردن بمثابة الحليف المتعثر الذي يستثمر فيه الحليف الآخر، والسعودية هي الشريك الكتوم الذي يدرّ الأموال مقابل الحماية، ومع تراجع النمو الاقتصادي فيها وما تعانيه من فشل داخلي وخارجي استبعِدت تدريجيًّا من مشهد القوى الإقليمية الفاعلة في ملء الفراغ الحاصل.

  • خطوط الصراع الحالية:
  • يتحرك الأميركي باتجاه ثلاثة خطوط للصراع في المنطقة: صراع المقاومة/العدو، وصراع الوهابي/الإخواني، وصراع الروسي-التركي/ الغربي
  • تحليل الصراع
    • صراع المقاومة/العدو
  • نظرة أمريكا وموقفها من الصراع

الصراع هو نتيجة تمدد تأثير النموذج الإسلامي الإيراني في مقاومة المشاريع الاستعمارية، وما نجم عنه من ازدياد للنفوذ الإيراني خارج الحقلين الجغرافي والقومي؛ تمثّل في دعم المقاومين لا سيما حزب الله الذي يتوعد الكيان “الإسرائيلي”، ويحظى بشرعية سياسية زادت نفوذه حتى صار فاعلًا غير حكومي عابرًا للإقليم، تخشى أمريكا من معاودة تجربته في اليمن والعراق. يرى الأميركي هذا الصراع تهديدًا بعيد المدى ومتعدد الأذرع، وقابل للاستمرار بصلابة؛ غير قابل للمرونة.

  • الأهداف:
  • إدارة النزاعات
  • محاولة التأثير على علاقة الخصوم والأعداء والمنافسين، وتغيير المواقف والمسارات؛ من قبيل افشال دور الخصم في دعم عمليات تقارب ما بين المنافس والعدو، كما حصل باشعال جبهة إدلب وإفشال الوساطة الروسية في قيام “اتفاق حدودي” تركي روسي.
    • زيادة الضغط على دول محور المقاومة، ومحاولة خلق ردع يحجّم ازدياد النفوذ الإيراني مع الانسحاب التدريجي للقوات الأميركية، لا سيما في المناطق المهمة جيوستراتيجيًّا أو جيوسياسيًّا، مثل العراق أو منطقة شرق الفرات، وتأمين حماية أمن “إسرائيل” مع تراجع النفوذ الأميركي من المنطقة.
    • منع إيران من استجماع نفوذها في سوريا مجددًا بعد اغتيال الشهيدين سليماني والمهندس، لأن فصائل المقاومة في سوريا أكثر قدرة على تحمل تداعيات الاستهداف ولديهم مروحة من خيارات الرد على المدى الطويل.
  • ضبط سعي القوى الإقليمية والعالمية لملء فراغات السلطة، والحدّ من تنامي نفوذها خارج الفلك الأميركي.
  • تجميد النفوذ الروسي، والحؤول دون معادلة الخصم الصيني لفراغ التوازنات الإقليمية لصالحه، مع ضبط وتأخير الاستدارة التركية تجاه روسيا والصين.
  • محاولة انهاء القضية الفلسطينية كوسيلة لسحب ذرائع العمل المقاوم ومبررات وجوده، وتاليًا تفكيك محور المقاومة ومشروعيته.
  • تسجيل انتصارات سياسية في الداخل الأميركي. (هدف بالعرض)
  • ضغطت إدارة ترامب لإنشاء حلف إقليمي بقيادة إسرائيلية في المنطقة لمواجهة إيران، وهو ما تدعمه إدارة بايدن، لكن دون أن يكلفها ذلك خسارة العودة للاتفاق النووي. وبالتوازي، تقوم بإنشاء تحالفات ثنائية ضيقة ومحدودة مع الحلفاء والشركاء في المنطقة، ومناقشة طبيعة علاقات دول مجلس التعاون الخليجي مع إيران في حال نجاح المفاوضات لجهة ضبط إعادة فتح القنوات الاقتصادية الخليجية مع طهران بعد رفع العقوبات الأميركية عنها، كنوع من محاصرتها ما بعد العودة للاتفاق.
  • سياسة ترامب العسكرية في المنطقة من قبيل تثبيت الحضور العسكري الأميركي في سوريا والعراق والمماطلة في الخروج من أفغانستان، واتخاذ إجراءات عسكرية هجومية موضعية كاغتيال الشهيدين، الحاج سليماني والحاج أبو مهدي، تقابلها سياسة بايدن في الخروج المذل من أفغانستان، وتغيير مسمى الحضور في العراق لتجنب استهداف قوى المقاومة للقوات المتواجدة في بغداد وأربيل، وتغيير جغرافية القواعد تحت عنوان إعادة التموضع والانتشار في المنطقة، وتحديدًا في الأردن وقطر، وزيادة مهام قوات التحالف، والتأكيد على الالتزام بالوكيل الكردي ضمن عنوان الالتزام بالحلفاء والشركاء.
  • ب‌.                         إدارة الوكلاء
  • إعطاء الوكلاء دور المواجهة والتصدي للعدو أو المنافس وكبح الخصم.
  • إيجاد منافس وكيل رادع للوكيل يشاطره المكسب الأميركي ويمنع تناميه المفرط أو استفراده بالقرار.
  • تركيز إدارة بايدن على الدعم السياسي للوكيل الكردي شمال شرقي سوريا إضافة إلى الدعم العسكري، فضلًا عن محاولة إضفاء الطابع الشرعي الدولي على مسد.
  • زيادة صلاحيات الوكيل الدولتي على حساب الوكيل غير الدولتي في متابعة ملفات المنطقة، وتحديدًا الدور البريطاني في كل من العراق وسوريا واليمن، والعمل على تضليل قوات مسد لجهة عدم إعطائها الضمانات الكافية لعدم انسحاب مشهد الانسحاب من كابول على مناطق الإدارة الذاتية في سوريا، في ذات الوقت المسارعة إلى عرقلة مبادرة مسد لفتح الحوار مع النظام بوساطة روسية منعًا من احتضان الأخير للقوات الكردية. 
  • المواجهة المباشرة
  • محاولة إحداث انقلاب شعبي في إيران ضد النظام، وفي لبنان ضد حزب الله والمقاومة.
  • دفع لبنان إلى مصاف “الدول الفاشلة”، والنجاح بمسار ترسيم الحدود مع لبنان، وعدم الانفتاح على النظام السوري، وضمان الحياد في سياسة لبنان الخارجية.
  • تأمين أرضية في المجتمعات المأزومة تحت عنواني الإصلاح والتمكين لزعزعة استقرار الدولة العدو داخليًّا.
  • محاولة إخراج العراق من محور المقاومة لمحاصرة نفوذ إيران وتضييق المنافذ الإيرانية على سوريا ولبنان.
  • تحوّل التركيز عن تحريض المجتمع المدني، لإحداث ثورة ملونة إثر فشل الشارع اللبناني والعراقي، إلى سياسة اختراق الشارع عبر الحصار الاقتصادي السياسي الطويل المدى في لبنان، وتشكيل حكومة عراقية متصالحة مع إرادة الإدارة الأميركية.
  • إدارة تفكيك الشيعة في كل من لبنان والعراق، وتطوير التوكيل البريطاني المعروف بدور التقسيم وزرع الفتن تاريخيًّا في المنطقة.
  • محاولة تقويض النفوذ الإيراني في سوريا عبر التطبيع العربي والدور الروسي.
  • استعداد لتجاوز بعض تشريعات قانون العقوبات، قيصر.
  • السياسات الأميركية تجاه الصراع
  • إدارة النزاعات
  • تغذية الصراعات الداخلية، وتدويل النزاعات الإقليمية، ودعم التدخلات العسكرية، وتخفيف دور الوساطات في حل النزاعات.
  • غضّ النظر عن أو دعم مواجهة المنافس للخصم، أو الخصوم للأعداء، بل تحريضهم واستدراجهم إلى ذلك، مع تعزيز استقواء الخصم على العدو في حال الاضطرار للاختيار ما بينهما بحسب أرجحية المصالح والأولويات، ومن ثم توهين الخصم عبر المنافس أو الوكيل.
  • إدارة الوكلاء
  • ·     تطوير شركاء/ وكلاء (الفاعل غير الحكومي أو الفاعل السياسي داخل كل ساحة)، كبديل للقيام بالمهام الأميركية والتدخل بطريقة غير مباشرة مع العمل على توسعة دائرة عناصر الوكلاء، وتعزيز أدوارهم في المواجهة، واستثمار الثقل الوازن لهم داخليًّا. وقد يتم الاستعانة بالحلفاء في عمليات التشبيك مع الوكلاء.
  • تشجيع الوكلاء على اقتسام حصص لهم في عملية التنافس القائمة بين الفاعلين الإقليميين والدوليين.
  • ضبط عملية نمو الوكلاء والحفاظ على التحكم باقتدارهم ونفوذهم عبر منافسين لهم، وبناء بدائل موثوقة غير تابعة للوكلاء، مثل منظمات المجتمع المدني وجيوش السايبر.
  • الحد من استثمار الأعداء والخصوم في أي مشروع وكيل محتمل لهم في منطقة استراتيجية للأميركي، مثل تجربة شرق سوريا مع العشائر.
  • المواجهة المباشرة
  • الاستثمار في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بهدف إضعاف الأعداء وبنيتهم.
  • اتخاذ اجراءات استعراضية مع الحلفاء والشركاء لإثبات حرية الوصول والقدرة.
  • تقوية نزعة التفرقة وصدع مفهوم الوحدة الإسلامية بين دول محور المقاومة، والبيئة الإسلامية عمومًا.
  • إجراءات تنفيذية:
  • إدارة النزاعات
  • الضغط باتجاه إنشاء تحالف إقليمي عسكري (2019)، “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي”، (ميسا، (MESA، أو “الناتو العربي”، ويضم دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن إضافة إلى أمريكا.
  • الإمداد العسكري والاستخباري للتدخل السعودي الإماراتي في الحروب الأهلية السورية واليمنية.
  • تفاهم روسي أميركي بشأن سوريا كما جاء في كتاب بولتون ” الغرفة التي حدث فيها” من شأنه تغيير الدبلوماسية الأميركية الروسية هناك، وتساهل مع التعزيز الروسي لمواقعه في شمال شرق سوريا أملًا بإنشاء “منطقة عازلة” خالية من القوات أو التشكيلات الموالية لإيران.
  • اعتراف ترامب الرسمي بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”(2017م)، ونقل السفارة الأميركية إليها (2018م)، ولاحقًا إعلان خطة “السلام” في الشرق الأوسط التي تقوم على “حل واقعي بدولتين”، ومن ثمّ وضع مشروع ضمّ الضفة العربية على طاولة التباحث مع “الإسرائيلي”.
  • إدارة الوكلاء
  • المناورة في التوازن بين الوكيل الكردي والمنافس التركي بحسب مجريات الميدان؛ تارة يتخلى عن دعم الكردي مع عدم تقديم العائد المطلوب منهم، ويستجيب إلى حد كبير للمطالب التركية بالانسحاب من شمال شرق سوريا افساحًا لمزيد من الدور التركي، وتارة أخرى يعاود الدعم العسكري والسياسي والمالي للأكراد، بل وشراكة اقتصادية في النفط، وتمركز قواته المنسحبة من العراق في المنطقة ذاتها مجددًا.
  • محاولة التشبيك مع القبائل العربية في شرق سوريا بموازاة سلطة الأكراد، واستمالتهم عبر ضباط سعوديين بالاستفادة من الحسّ القبلي العشائري المشترك ليقوموا بمهام القوات الأميركية في مواجهة قوات النظام والقوات الموالية لإيران.
  • المواجهة المباشرة
  • تحريض المجتمع المدني في كل من لبنان وسوريا والعراق وإيران لإحداث ثورة ملونة تنقض على النظام والقوى المناوئة للسياسة الأميركية من الداخل.
  • ربط حكومة الكاظمي الحليفة مع المعسكر العربي بتحالفات اقتصادية وسياسية وأمنية مع الأردن ومصر؛ ما يعرَف بالمشروع “الثلاثي” أو مشروع “الشام-المشرق الجديد”.
  • سحب القوات الأميركية من العراق إلى منطقة شمال شرق سوريا لقطع الجسر البري الإيراني إلى لبنان عبر تلك المنطقة.
  • فرض قانون قيصر على سوريا، وعقوبات على مسؤولين لبنانيين قريبين من حزب الله.
  • التطبيع العلني السياسي والاقتصادي مع الإمارات والبحرين، والعمل على التطبيع مع قطر والسودان في خطوة متسلسلة.
  •  الصراع الوهابي/الإخواني
  • نظرة أمريكا وموقفها من الصراع

استغلال الصراع لشق العالم السني ومنعه من استعادة أي دور قيادي قوي له، ومنعه من الدخول في التعددية القطبية والاتجاه شرقًا، وإحكام قبضة “إسرائيل” عليه، وخاصة دول الخليج فيه لموقعها بالنسبة لإيران.

  • الأهداف
  • إدارة النزاعات
  • اضعاف الموقع القيادي العربي للعالم السني، والحد من تمدد التيارات الإسلامية الراديكالية وتوجيه حركتها خوفًا من التحولات المحتملة في توجهاتها مستقبلًا.
  • الالتفاف وتطويق الإسلاميين، وضمان استمرار ضعف الإخوان في مصر والأردن حماية لأمن “إسرائيل”.
  • ·     اضعاف وضبط الرعاية القطرية لكل من السلطة الفلسطينية وحماس، واستهداف الأخيرة عبر تجفيف مصادر تمويل الإخوان المنتشرة في الخليج.
  • استخدام قطر كمساحة رمادية عبر استثمار الوساطة القطرية في ضمان حماية “إسرائيل” من إجراءات حماس بعد التطبيع، وتأمين عودة المحادثات مع القادة الإيرانيين/ الإصلاحيين بغض النظر عن الرئيس الأميركي الجديد المنتخب.
  • إدارة الحلفاء
  • الاستمرار في حلّ جزء من الأزمات الأميركية على حساب الثروات الخليجية مقابل الأمن.
  • انشاء محور إسلامي براغماتي يكون حليفًا لـ”إسرائيل” في مواجهة الدول التي تتبنى الإسلام السياسي، تركيا وإيران.
  • تحقيق مكاسب مباشرة للأميركي، واستراتيجية لـ “إسرائيل” عبر تأمين التوسع والتمركز على شواطئ الخليج العربي.
  • منع إيران من تحقيق مكاسب عبر اللاعبين الأطراف، كالقطري ومحاولة تقديم الحماية مقابل التخلي عن اللجوء إلى طهران.
  • السياسات الأميركية تجاه الصراع
  • إدارة النزاعات
  • شق المعسكر العربي السني، واعتماد الازدواجية في إدارة صراع قيادة العالم السني: تركيا، قطر/ السعودية، واللجوء إلى تعددية الأدوار القيادية العربية، وتراجع عن دعم قيادة مقابل دفع أخرى، مع تمثيل دور الوسيط المصالِح للنزاعات لاسيما بين دول التعاون الخليجي.
  • التغاضي عن إجراءات المعسكر الوهابي في تعزيز العنف الوهابي وتصدير الإرهاب مداراة لورقة النفط السعودي على حساب إضعاف المعسكر الإخواني ومواجهة تمدده.
  • عدم تعيين خطوط حمراء للاصطفاف السياسي والدعم العسكري لدول الخليج في مقابل بعضهم البعض في ساحات الصراع، كالقطري ضد الإماراتي في ليبيا. 
  • استثمار السياسات الخارجية المستقلة لبعض الأطراف في خدمة المصالح الأميركية ومصالح حلفائها، كالدور القطري الوسطي الذي يمنع إيران من وراثة كاملة لقيادة العالم السنّي.
  • التهميش المقصود للحليف السعودي عبر دفعه التطبيع تمهيدًا لذلك كخطوة لا مفر منها بعد تطبيع كل الدول المحيطة.
  • إدارة الحلفاء
  • اعتماد تبادل الأدوار مع السعودي، من التساهل إلى التشدد لكن دون أن يتجاوز الأمر حد العقوبات الاقتصادية على أفراد، وفق قانون “ماغنيتسكي”، أو معاقبة مبطّنة أو مموّهة لدورها في انهيار أسعار النفط الأميركي بشكل غير مسبوق في أيار 2020.
  • الانحياز الأميركي إلى حلف السعودية ضد قطر، وتعزيز الحرب الناعمة عليها على الرغم من المحافظة على منطقة عازلة في السياسة معها.
  • موازنة الطموح التركي في ليبيا بدفع اللاعب المصري قدمًا.
  • اهمال الحليف الضعيف أو المتعثر اقتصاديًّا وسياسيًّا كمصر والأردن، في مقابل استثمار الحليف القوي سياسيًّا (قطر، الإمارات، …)، والسماح له بالتشبيك الاقتصادي مع إيران، لكن مع التحكم بـ أو الموازنة في حمايته بشكل متزامن.
  • إجراءات تنفيذية
  • إدارة النزاعات
  • اجراء قمة الرياض والاتفاق مصر والإمارات والسعودية، والاتفاق على الحد من التغلغل الإخواني في دول الخليج، وتفكيك الخلايا الإخوانية.
  • ضمّ “إسرائيل” إلى المعسكر السني العربي عبر نقل العلاقات الإماراتية الإسرائيلية والبحرينية إلى العلن، وتوقيع اتفاق التحالف الإماراتي “الإسرائيلي” واتفاق التطبيع البحريني.
  • إدارة الحلفاء
  • تعزيز دور قيادي علني للإمارات في موازنة الدور التركي.
  • اجراء حوار استراتيجي مع قطر لثلاث سنوات على التوالي، واستبدال فشل محاولة إعادة قطر إلى دول التعاون الخليجي قبل موعد الانتخابات الأميركية بتعيينها حديثًا (أيلول 2020) حليفًا رئيسًا غير عضو في الناتو، وهو تعيين تخص به أمريكا حلفاءها الأقرب، وكانت قد أعطته سابقًا لكل من الكويت والبحرين.
  • دعم المبادرة المصرية في ليبيا.
  • توريط الإدارة الأميركية السعودية بصفقة أسلحة بقيمة 8 مليارات دولار، وإعلان “حالة الطوارئ الوطنية” لتمريرها، وذلك بعد شهر من أزمة انهيار سعر النفط الأميركي التي ساهمت بها السعودية بدخولها لعبة سوق النفط مع الروسي، وفاقمت الخسارة الأميركية الناجمة عن الأزمة الصحية. وقد تمت الصفقة على الرغم من اعتراض الكونغرس عليها، ومن تسرّب الأسلحة الأميركية التي تستوردها السعودية والإمارات إلى جماعات تنظيم “القاعدة” في اليمن.
  •  الصراع التركي-الروسي/الغربي
  • نظرة أمريكا وموقفها من الصراع

تسعى أمريكا إلى موازنة القوى التركية الروسية الغربية في الصراع على موارد الطاقة بما يضمن عدم تبوء إحدى القوى مركز القيادة في المنطقة.

  • الأهداف:
  • إدارة النزاعات
  • منع تعزيز استراتيجيات استفزازية ضد “إسرائيل”.
  • ضبط تصاعد الحليف أو الخصم كقوى إقليمية عظمى أو بالحدّ الأدنى كفاعل أساسي قادر على المشاركة في رسم معالم المنطقة أو تغيير موازين الصراع على الطاقة.
  • إدارة علاقة الحليف بالخصم
  • منع التركي من استثمار التحالف مع السراج أو نيل الحصة الأكبر من كعكة الطاقة في شرق المتوسط؛ بما يزيد من مكانتها الدولية الاقتصادية والسياسية وثقلها الإقليمي والدولي.
  • محاصرة الروسي اقتصاديًّا بتقليص واردات الطاقة الروسية عبر تركيا إلى أوروبا، وربط حقول غاز شرق البحر الأبيض المتوسط ​​بالأسواق الأوروبية عبر “إسرائيل”.
  • الحدّ من تنامي الشراكة التركية الروسية إلى مستوى التحالف، ومحاولة قطع الطريق على التقارب بين الحليف التركي والخصم الروسي في ليبيا، وافشال الدور الإيراني في التأثير باتجاه تعزيز الشراكة بينهما.
  • ·     محاصرة دور الاتحاد الأوروبي في ليبيا، لا سيما الدور الألماني، وذلك ضمن تداعيات الانسحاب الأميركي من ألمانيا.
  • السياسات الأميركية تجاه الصراع
  • إدارة النزاعات
  • المفاضلة بين المنافسين في توزعهم على ساحات الصراع، وتوزيع الأدوار وتحديد طبيعتها باختلاف طبيعة الصراع.
  • المحافظة على التحالف مع التركي لكن مع تقييد استفزازاته بين الحين والآخر، وضبط إيقاع حركته التوسعية في شرق المتوسط وليبيا وسوريا.
  • تعزيز المواجهة السياسية بين الحلفاء والمنافسين حول الملف الليبي، والتغاضي عن التسلح المتزايد لأطراف الصراع.
  • افشال عمل العدو في دعم عمليات تقارب ما بين المنافس والخصم، كمحاولة افشال التسوية التركية الروسية في ليبيا عبر الوساطة الإيرانية.
  • الدفع بالحليف الغربي إلى الواجهة للقيام بدور الوكيل وتجنب الصدمات المباشرة، لكن مع الحفاظ على تحريك المشهد من الخلف، وفرملة الوكيل عند الانحراف عن المسار الأميركي المحدد، أو تجاوزه الحد المعين له.
  • إدارة علاقة الحليف بالخصم
  • العمل على التأثير بمستويات الشراكة التركية مع الخصم الروسي، وتغذية المواجهة غير المباشرة بينهما.
  • محاولة إيجاد توازن في تنامي النفوذ التركي والروسي عبر ضبط حصة التركي من الغاز والتخفيف من استئثار الروسي بواردات أوروبا من الغاز عبر تشكيل شرق المتوسط .(East Med)
  • افساح المجال لمواجهة المنافس الفرنسي للمنافس التركي الحليف في كل من لبنان وشرق المتوسط وليبيا.
  • تشجيع الحليف الغربي على حجز حصة محدودة في ميزان القوى الإقليمية الجديد تحت الوصاية الأميركية.
  • إجراءات تنفيذية
  • إدارة النزاعات
  • تهميش النفوذ الفرنسي في ليبيا لمصلحة تقدم النفوذ التركي، بينما تعزيز النفوذ الفرنسي في مواجهة النفوذ التركي في شرق المتوسط، وضبطه في لبنان، مع السماح بموطئ قدم للقوات الفرنسية على شواطئ البحر المتوسط.
  • الغاء صفقة تزويد تركيا بطائرة F-35 Joint Strike Fighter. ومعاقبة التركي على شراء منظومة  S-400 الدفاعية الروسية عبر سحب الأميركي والأوروبي منظومات الباتريوت الموجودة على الأراضي التركية، وإيقاف الشركات التركية عن العمل في انتاج بعض مكونات المقاتلة  F-35، ليعاد الإعلان عن مواصلة العمل حتى نهاية 2022.
  • انشاء محور معاد لتركيا عبر قيام منتدى غاز شرق المتوسط 2019 ​​(EMGF)بين “إسرائيل” واليونان وقبرص ومصر وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية، ويصل بموجبه الغاز إلى أوروبا عبر “إسرائيل”، بدلًا من روسيا.
  • السماح للاتحاد الاوروبي بالتلويح بالتهديد للمنافس التركي الحليف، وتشجيع فرض الاتحاد عقوبات على تركيا، وخفض المساعدة المالية ووقف المحادثات الرفيعة المستوى معها.
  • إدارة علاقة الحليف بالخصم
  • التبديل في الأدوار والحضور في المسارات الدبلوماسية المختلفة والمتناقضة، كالمشاركة في مبادرات مختلف الأطراف حول الملف الليبي.
  • السماح بجولة للاعب المصري في ليبيا وشرق المتوسط، مع تبنّي الدور السياسي للحليفين المصري والإماراتي في ضبط التوسع التركي من جهة، ومواجهة الروسي من خلال التركي من جهة أخرى.
  • رضوخ رئيس حكومة الوفاق السراج للضغوط والتظاهرات، وإعلان عزمه على الاستقالة في تشرين الأول المقبل، في وقت اقتراب التركي والروسي من إعلان اتفاق بينهما بوساطة إيرانية لوقف إطلاق النار في ليبيا.
  • ضبط الاستثمارات الإسرائيلية مع الصين، ومحاولة تأمين خطوط اقتصادية منافسة للخط الصيني عبر استثمارات إماراتية إسرائيلية خليجية.
  • 2.4.                       الأدوات والعوائق:
  • الأدوات:
  • استثمار وسائل الإعلام التقليدية والحديثة.
  • إثارة وإدارة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
  • تعزيز الانقسامات الداخلية.
  • ·     التحريض على الثورات الملونة والاحتجاجات الشعبية.
  • تحريك منظمات المجتمع المدني.
  • توظيف القيادات الطائفية والزعامات السياسية.
  • الاستثمار في الوكلاء (ميليشيات، فصائل، أحزاب).
  • القوى المتطرفة (النصرة، أحرار الشام، داعش، ….
  • فرض العقوبات الاقتصادية والتسجيل على لائحة “الإرهاب”.
  • اللجوء إلى الهجمات العسكرية والسيبرانية.
  • التمويل الأميركي والتجهيز والتدريب لمؤسسات الدول المأزومة، لا سيما العسكرية والأمنية منها.
  • التمويل الخليجي لدعم الشركاء الأضعف وتقوية الدبلوماسية الأميركية.
  • تعزيز عمل الاستخبارات والأمن.
  • تفعيل الدبلوماسية والدبلوماسية العامة.
  • اغتيال القيادات.
  • العوائق:
  • المشاكل الاقتصادية والسياسية الأميركية الداخلية والتحول الشعبي بين الناخبين الأميركيين ضد التدخلات في حروب الشرق الأوسط.
  • التمسك الروسي بحليفه السوري حتى الآن، وإن كان شريكًا غير مستقر، وافشال المخططات الأميركية بإخضاع سوريا. الروسي رغم الضغط الأميركي عليه لتحصيل تسويات منه في سوريا، إلا أنه يخضع للحفاظ على مصالحه الحيوية في التمسّك بموطئ القدم التي رسّخها في المنطقة من البوابة السورية.
  • استخدام الروسي والصيني حق الفيتو لصالح إيران في مواجهة القرارات الأميركية في المحافل الدولية.
  • افتقاد إدارة ترامب إجماع الدعم الدولي والأوروبي في محاصرة إيران في المحافل القانونية. أما خلال فترة بايدن، تتفاوت نسب الدعم أو الانقسام بين الأوروبيين تجاه إيران في المحافل الدولية او في المواقف الرسمية، مع الإشارة إلى أن الإدارة الجديدة تعمل على تزخيم الضغط الأوروبي على إيران بذريعة بناء السلاح النووي وقرب امتلاكه. 
  • التقارب الإيراني الأوروبي والثقة النسبية في العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين.
  • عدم تحصيل دعم أوروبي كامل بسلب شرعية حزب الله السياسية، في حين سجلت إدارة بايدن اختراقات مهمة لوضع المجتمع الدولي حزب الله وحماس على لوائح الإرهاب ورفع وتيرة العدوان عليهما، مع سعي لتخفيض نسبة التأييد داخل البيئة الحاضنة.
  • العجز عن فهم عقيدة محور المقاومة، وتاليًا العجز في ضرب مقومات صموده وتنامي مقاومته.
  • تزايد الفعالية التركية خارج إطار دائرة الاستغلال الأميركي، إلى حدّ التدخل في دول المنطقة بشكل تعيد معه هيكلة التحالفات الإقليمية القائمة.
  • تنامي التمدد الشرقي في ساحة حلفاء أمريكا، وتحديدًا العلاقات الروسية والصينية مع حلفاء الأميركي، وعلى أكثر من صعيد، مما يحوّل وجهة مصالح الحلفاء، لا سيما مع تعزيز الشراكات الاقتصادية.
  • فشل الرهان الأميركي على عمل الوكلاء في مواجهة المشروع الإيراني أو التحريض عليه، بينما تسجّل الحركة الجديدة بعض الإنجازات الاستثمارية لملف التطبيع لجهة التعاون المشترك الواسع النطاق مع دول التطبيع وغيرها، وبشكل خاص مع دول الخليج تحت عنوان مواجهة تهديد إيران، لا سيما الطائرات المسيرة أو تمرير صفقات التسليح والبرنامج النووي. وهي مهام تحريضية تكاد تكون من اختصاص الإسرائيلي بشكل مباشر ومكثف. كما تعمل الإدارة الجديدة على إعادة التموضع في المنطقة، في الأردن وقطر، في محاولة لموازنة التهديد العسكري من محور المقاومة على الكيان، والحفاظ على إمكانية الوصول العسكري في حال الضرورة، لكن الانتشار لم يؤد إلى طمأنة العدو الإسرائيلي مما دفع الأميركي إلى ضبط تحركاته التي من شأنها تقويض فرص العودة للمفاوضات، ومحاولة مجاراته في الضغط على إيران للعودة للاتفاق عبر الإعلان عن احتمال إمكانية وضع خيارات أخرى في حال فشل المفاوضات، لن دون القول بوضع كل الخيارات، ومنها بطبيعة الحال الخيار العسكري.
  • فشل الاستراتيجيات الأميركية المتبعة ضد إيران ومحور المقاومة في ردع التهديد والمخاطر، وحاليًّا تتبع واشنطن مسارات متنوعة من قبيل مسارات احتواء شاملة مختلفة عبر العقوبات والتحالفات وافتعال الأزمات الداخلية، وعسكرة منطقة الخليج، لكن مع استمرار صلابة المواقف الإيرانية وعدم تسجيل الأميركي انجازًا يعتد به. أضف إلى ذلك عدم وجود قدرة عسكرية تركية ولا مصلحة في استراتيجية احتواء إقليمية ضد إيران في ظل التفاهم المتبادل والتداخل الكبير في المصالح المشتركة بين البلدين، مع وجود مصالح روسية صينية مشتركة قد تدفع إلى مواجهة أي احتواء أميركي لإيران.
  • فشل الثورات الملونة الناجم عن الإدارة السليمة من قبل الجهات المعادية المستهدَفة، وسوء تقدير الأميركي للبيئات الاجتماعية، وضعف مشروعية ومصداقية الأدوات الأميركية.
  • التعاون القطري التركي مع بقاء الخلاف القطري مع حلفاء أمريكا في الخليج.
  • مرونة إيران في التعامل مع المتغيرات في الساحة وتعدد اللاعبين فيها، كالتشبيك الإيراني مع حلفاء أمريكا أو على الأقل الجهوزية لفتح قنوات للتعاون.
  • فقدان واشنطن “المصداقية” في حفظ مصالح الحلفاء والشركاء بما يحرّك هؤلاء بطريقة تكون أحيانًا خارج المظلة الأميركية مما يستدعي إعادة تدخل ضبط من واشنطن.
  •  تفاعل ديناميات الصراعات:

 إن خط الصراع الأول في المنطقة هو صراع المقاومة/العدو، وخط الدفاع الأول في مواجهة الهيمنة الأميركية في المنطقة، وقد شكّل الصراع ضد المصالح الأميركية والتهديد الوجودي للكيان الغاصب النقطة المحورية في الصراعات القائمة، واستهداف اللاعب الإيراني ومن يمثّله هو الهدف المركزي الأول من كل الصراعات.

 يتوزع الفاعلون اللاعبون على خطوط الصراع الدولي الإقليمي، وتتداخل ديناميات الصراع بين مختلف الساحات وفق نمط أقرب إلى الأمواج الارتدادية، حيث يؤثر كل صراع على الآخر، ويتأثر به. ويبرز تدخل اللاعب الأميركي ما بين الفاعلين في مختلف الساحات وفق المصالح مستفيدًا من عاملي المشتركات والتناقضات مع الفاعلين، والثغرات الموجودة في حيثية تحرك كل منهم ليحدد السياسات الخاصة بكل ساحة.

 إن الفشل الأميركي في أفغانستان والعراق فجّر الأزمة السورية وسمح بالتنافس الإقليميًّ. بيد أن العجز عن تسوية المسألة السورية ارتدّ إلى العراق مجددًا وتوسّع إلى لبنان وليبيا. ومع إنجازات المحور في اليمن والخوف الأميركي من خسارة تحالف العدوان المعركة في مأرب مع ما تعنيه من نصر عسكري واستراتيجي للمحور، فلجأ الأميركي إلى زيادة الضغط على لبنان في محاولة للمقايضة مع ملف اليمن. وفي رد فعل لخطوة حزب الله في لبنان في كسر الحصار النفطي، اتخذ خطوات اضطرّ معها لتخفيف قانون قيصر عن سوريا عبر السماح بتمرير الغاز الأردني عبر الأراضي السورية، وعدم معاقبة دول التطبيع العربي لدمشق، وفي مقدمتها الإمارات.

 إن ضعف السياسة الأميركية في محاصرة محور المقاومة كان له تداعيات استراتيجية، أبرزها: انشاء الأميركي حلف براغماتي ضد إيران بشكل مباشر، وضد تركيا بشكل غير مباشر؛ تصاعد اللاعب التركي ضمن القوى الإقليمية، وتوسّع نفوذه على حساب التحالف مع الأميركي في سوريا وباتجاه شمال أفريقيا؛ زيادة تهديد تنامي النفوذ الشرقي، الروسي والصيني، على حساب النفوذ الأميركي، لجهة التوسع في دول المحور.

 غذّت أمريكا الانقسام الخليجي بدعمها التيار الوهابي على حساب تيار الإخوان، وأدى الانقسام إلى انقسام إقليمي ودولي يتماشى مع مصالح الدول بطرفي الانقسام (قطر، الإمارات) وبعدما أضعفت التيارين حشدت الدول المتعثرة اقتصاديًّا تحت قيادة سنية إماراتية صاعدة لمواجهة التركي والإيراني. أما الحليف التركي فقد أدخل نفسه في صراع القوى الإقليمية، لكن مع الاستمرار في التشابك في النزاعات الداخلية والصراعات المحلية؛ الأمر الذي يؤثر على دوره صعودًا وهبوطًا، وإن كان سيبقى بالحد الأدنى محفوظًا على حدوده الجنوبية. ويهدف الأميركي إلى المحافظة على تعددية القوى الإسلامية التي ترفع لواء الحقوق الفلسطينية بدلًا من حصرها بيد القوى الثورية (محور المقاومة). وتاليًا، الحفاظ على الدورين التركي والقطري السلميين في دعم القضية الفلسطينية منعًا من تحوّل إيران إلى قيادة العالم الإسلامي. وعاد مؤخرًا الدور المصري والأردني إلى الساحة الفلسطينية ما بعد عملية سيف القدس في محاولة لتحسين العلاقة ما بين السلطة الفلسطينية والإسرائيلية لمواجهة حماس وخلاياها في الضفة.

 أمام هذه التحولات، تحاول إيران باستراتيجياتها الواضحة في مواجهة الأميركي الحفاظ على تماسك عمليات صنع القرار المناوئة للسياسة الأميركية الاستكبارية في لبنان وسوريا والعراق واليمن. وتعمل على إفشال الضغوط والعقوبات الأميركية عليها وعلى حلفائها في المنطقة بالصمود ومحاولة تعديل موازين القوى الإقليمية والتأثير في الاصطفافات الدولية لصالح محور المقاومة. وإذ تصعّد إيران الدينامية العسكرية لمحور المقاومة في العراق ولبنان واليمن وسوريا مع الحفاظ على رسم خطوط حمراء للأميركي، فإنها تعتمد الدينامية السياسية والأمنية المرنة بإدارة المشاكل مع الدول الأخرى.

 تعمل إيران على احتواء الخطوات المتعارضة مع مصلحة محور المقاومة، واستيعاب التحديات بطريقة تشاركية وصولًا إلى تفاهمات سياسية وأمنية تحقق المصلحة العامة لمحور المقاومة في المقام الأول، كما حدث مثلًا في تفاهماتها مع تركيا على الرغم من اختلاف الرؤى بينهما حول الأزمة السورية، أو احتواء الممارسات الأميركي في محاولة إحداث الشرخ ما بين إيران والعراق. وهكذا، تلجأ إيران إلى اعتماد العقلانية القيمية في العلاقات البينية مع المحافظة على البوصلة باتجاه القضية الفلسطينية والتنسيق والتعاون مع مختلف الجماعات المقاومة على اختلاف توزعها الجغرافي والمذهبي في مواجهة النفوذين الأميركي و”الإسرائيلي”.

  • الحركة الأميركية في ساحات الصراع:
  • ليبيا: استمرار الصراع فيها يفاقم زعزعة المنطقة، لكن يمنَع على المنافسين التفرّد بالساحة أمنيًّا واستخباراتيّا أو الاستئثار بمكتسبات العمل والنشاط الاقتصادي لشركات البناء والنفط. وتعكس الساحة الليبية صراع القوى الدولية في المنطقة.
  • فلسطين: هيالمستهدف الأول غير المباشر من عملية التطبيع مع الدول العربية المحيطة. تحاول أمريكا استدراج السياسة الفلسطينية للرضوخ لارتدادات التطبيع، وسواء فشلت أو نجحت ستسعى إلى الضغط على المقاومة الفلسطينية في الداخل والمزيد من المحاصرة لها.
  • سوريا: ساحة محور المقاومة الأساس التي تحاول أمريكا منعها من تأمين ردع إيران الإقليمي، وتقوية طرق الإمداد إلى حزب الله، وتعزيز قدرات الردع والخبرة العملياتية لمحور المقاومة. تريد أمريكا سحب سوريا إلى التسوية السياسية التي تكسر كيانها الممانع، من هنا تسعى إلى اختراقها إماراتيًّا. كما تريد منع روسيا من تسجيل انتصارات في المنطقة عبر تحالفها مع سوريا من خلال تسويات أميركية إسرائيلية روسية تستثمر أطماع روسيا في المرحلة الأولى، ومن ثم قد تستهدف النفوذ الروسي على حدة.
  • حوض المتوسط: تشكّل ساحة جديدة للمطامع الأميركية نظرًا لما تحويه من ثروات اقتصادية ضخمة تجعله ساحة منافسة كبرى لعدد من الدول الإقليمية. تسعى أمريكا بدخولها ساحة الصراع على تقسيم ثروة النفط والغاز إلى إحداث تحول في خريطة توزيع المصالح، وإثبات استمرار حضورها المنافس في المنطقة، ومزيد من الانخراط ولو عبر الحلفاء.
  • لبنان: تريد أمريكا حماية الوجود “الإسرائيلي” وضرب شرعية حزب الله السياسية والقضاء على ترسانة حزب الله العسكرية لاسيما الصواريخ الدقيقة، وفرض تنازلات سيادية عن الغاز في المياه الإقليمية اللبنانية لصالح اسرائيل.
  • العراق: تسعى أمريكا إلى تحويل التوجه الاستراتيجي العراقي نحو منطقة البحر الأبيض المتوسط كمركز للثقل التنافسي الإقليمي والدولي، وتعزيز ارتباطه بالمنظومة العربية في مقابل النفوذين الإيراني والتركي.
  • اليمن: تجهد أمريكا لعودة اليمن إلى الهيمنة السعودية وحماية الحدود السعودية من التهديد الإيراني، كما تعيش القلق من تحول الحركة الحوثية إلى حزب الله ثان. 


ثالثًا: خلاصة عامة

  1. التقييم العام

إن الانكفاء الأميركي من المنطقة وخفض مستوى الالتزام المباشر بقضاياها خير دليل على الخسارة التي منيت بها السياسة الأميركية في المنطقة، وقد بدأت حلقات الفشل الأميركي مع نهاية الحرب العراقية-الإيرانية مرورًا بتقويض مشروع الشرق الأوسط الجديد، والمواجهة عبر الوكلاء من الحركات التكفيرية، وصولًا إلى استنفاذ كل طرق المجابهة في حملة “الضغوط القصوى” و”الإرهاب الاقتصادي”. لقد فشلت السياسات الاستراتيجية الأميركية في احكام الهيمنة على منطقة غرب آسيا مع مواجهة النظام الإسلامي بنموذجه المقاوم لمخططاتها الاستعمارية ولمحاولاتها في تفتيت المنطقة والسيطرة على مواردها، تمامًا كما عجزت خلال العقدين الماضيين عن التخلص من التهديد الإيراني لها بقيادة محور المقاومة من العراق إلى اليمن.

لم تستطع أمريكا الحد من تصاعد نمو محور المقاومة وصموده على الرغم من الأدوات المتعددة والمتنوعة التي لجأت إليها في الحرب الهجينة التي شنتها على محور المقاومة. لقد لجأ الأميركي إلى استراتيجية إعادة تشكيل النظام الإقليمي الجديد منذ خمس سنوات تقريبًا للحفاظ على ماء الوجه قدر الإمكان. وقد شكّلت المواجهة حول منطقة “حلب” النقطة المحورية في تبلور الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، حيث حسمت تقريبًا نتائج الحرب السورية، وبدأ معها الخلاف الأميركي التركي حول الكيان الكردي، وشكلت نقطة تحول في التموضع الروسي في سوريا والمنطقة.

سعت الإدارة الأميركية إلى صياغة الصراع في دول محور المقاومة للحصول على أكبر فائدة ممكنة بأقل كلفة، وقد جنّدت لذلك عدة آليات تغيرت وفق حسابات المصالح والخسائر والأرباح؛ كان أبرزها المواجهة في المنطقة الرمادية، والمعركة بين الحروب، واعتماد بعض الدول والقوى بصفتها منطقة عازلة كنقطة مرونة في التعامل مع الأعداء والخصوم.

ويبدو النجاح الأميركي في هذه الاستراتيجية نسبيًّا لكن غير قادر على حسم النتيجة الكلية لصالحه. فمن جهة، الأميركي عاجز عن التحكّم كليًّا بمسار الصراع مع تجاوز القوى الإقليمية والدولية الصاعدة الهيبة الأميركية. بيد أن الأميركي يسجل نقاط نجاح موزعة ذات وتيرة غير نمطية عبر عرقلة تمدد هنا أو هناك. والأكيد أن التطبيع يشكّل نقطة نجاح في محاولة تأمين موقع ونفوذ لـ”إسرائيل”، لكن تبقى فعالية الخطوة في الرهان على دول تعيش الخواء العقائدي والأخلاقي هي المعيار.

تعيش أمريكا القلق من تداعيات تزايد اهتمام الصين بمنطقة الشرق الأوسط ضمن استراتيجية “التنين الحذر”، والخوف من تنفيذ استراتيجية “الحزام والطريق”، وما يعنيه من مكاسب اقتصادية كبرى للصين وإيران والدول التي يمر بها طريق الحرير البري والبحري. وعلى الرغم من أن الثقل الصيني الدبلوماسي والعسكري في المنطقة يراه الأميركي خفيفًا، إلا أنّ استدارة الدول باتجاه الشرق من شأنه تغيير توازنات المنطقة. وفي مواجهة هواجسها من صعود الخصم الروسي وتزايد النشاط التركي ونمو ثقله الإقليمي والدولي، تسعى أمريكا إلى التأثير في ديناميات المنطقة بشكل تحدّ فيه من تنامي قدرات هاتين القوتين الصاعدتين، وتضبط خسارة نفوذها أمام تصاعد تأثيرهما. لذا، فإنها من باب التأثير في منافسة القوى الكبرى على مستقبل النظام الدولي تعمد إلى شرذمة القوى، كل على حدة، منعًا من تفوق أي منهما، إضافة إلى محاولة احتواء التهديد الصادر عنهما لكن دون استخدام العسكر كأداة بارزة، بل اللجوء إلى المشاركات الدولية، والوكالات المحلية، والتحالفات.

  • أبرز النتائج:
  • سقوط قناع وزيف مدّعى “السلام الأميركي” في الشرق الأوسط، وانفجار فقاعة وهم القوة الأميركية، وبدء عهد أفول الإمبراطورية الأميركية على مستوى السياسة الداخلية كما على مستوى السياسة الخارجية.
  • تضاؤل الدور الريادي العالمي للولايات المتحدة واكتساب حصص متفرقة ونسبية مع فقدان مكونات القيادة الأميركية، وفي طليعتها العجز عن منع قوى أخرى ومنافسة من اكتساب نفوذ لها.
  • سقوط الاستراتيجية الأميركية الكبرى في ظل عدم اليقين الجذري للسياسات العالمية الجديدة غير القطبية، ونظام الحكم المحلي المتزايد الانقسام.
  • فشل استخدام القوة العسكرية في تحقيق إنجازات سياسية ودبلوماسية دائمة، والوقوع في فخ استنزاف الموارد وتكبّد الأميركي تكاليف مالية وعسكرية كبيرة وغير ضرورية، فضلًا عن تهشيم هيبة القوات الأميركية.
  • غرق الأميركي في مستنقع الحروب التي أطلقها حتى صارت بالنسبة إليه الحروب التي “لا نهاية لها” ومحاولة الانكفاء بأقل كلفة على صعيد الموارد والمصالح.
  • تراجع مصالح أمريكا وتعثر مشاريعها في دول المنطقة، لا سيما أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا.
  • تفاقم عدم الاستقرار الإقليمي وزيادة تآكل النفوذ الإقليمي للولايات المتحدة.
  • تراجع أمريكا عن القيادة الدبلوماسية وإدارة الصراع في مختلف دول المنطقة، واستمرار التركيز على إيران.
  • فشل سياسة عقوبات الضغط الأقصى على الصعيد العسكري والاقتصادي.
  • العزلة الدولية الأميركية عند مواجهة الاتفاق النووي الإيراني، والضغوط المتزايدة في العراق ضد القوات الأميركية.
  • العجز عن تفكيك محور المقاومة، أو احتواء النفوذ الإيراني في سوريا، أو منع تنامي الفصائل المقاومة في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن.
  • تغير التأثير الأميركي في المنطقة مع سياسة إدارة بايدن التي حافظت على مبدأ الانكفاء، وغيرت ببعض السياسات الإجرائية، فقط.
  • برز الانكفاء بشكل لافت مع عدم الرد على استهداف القواعد في سوريا مثلًا، كاستهداف التنف مؤخرًا، ورفض التدخل في اليمن رغم ما تقتضيه خسارة التحالف من نتائج إيجابية استراتيجية لصالح محور المقاومة، في الوقت الذي كان ظهور قوة مماثلة في الجزيرة العربية قبل عقدين مثلًا، واستهداف نقاط ثقل استراتيجية نفطية سعودية، يمكن أن يؤدي بشكل معقول إلى انتشار عسكري أميركي في اليمن مماثل للذي جرى في العراق عام 2003.
  • استنكاف الأميركي عن الرد على الاستهداف المدمر لقاعدة عين الأسد يعتبر سابقة تاريخية في المنطقة، ويؤشر على القرار الأميركي الحاسم بعدم التورط في المنطقة على الصعيد العسكري.
  • الاضطرار إلى التكيّف مع المتغيرات الإقليمية واللجوء إلى نقاط مرونة مختلفة كاستجابات لسياسات المحور من قبيل التراجع في بعض التفاصيل الخاصة بقانون قيصر في سوريا.
  • التحدّيات أمام إعادة التشكيل:
  • انقسام الساسة الأميركيين على أسس حزبية حول السياسة الخارجية وعدم تحمل المسؤولية بالاعتراف بفشل سياساتهم في الشرق الأوسط.
  • وجود أخطاء كثيرة تجعل السياسة الأميركية غير حاسمة في مواجهة الكثير من التحديات، وفاقدة للاستراتيجية الفعالة.
  • الاستعداد الصيني لريادة العالم اقتصاديًّا من حيث القوة الوطنية المركبة والنفوذ الدولي، وسعيها للتفوق العسكري التكنولوجي على أمريكا.
  • قدرة الروسي على التدخل في السياسات الداخلية الأميركية وإحداث بعض التأثير ورسم بعض المسارات.
  • الاضطرار إلى اللجوء إلى لاعبين كثر في المنطقة الأمر الذي قد يفضي إلى تفلّت إدارة هؤلاء أو مشكلات عدة مع سوء الإدارة أو خسارة الناتج الأميركي المتوقع.
  • إمكانية تحرك الحلفاء وسط النظام الإقليمي الجديد من مواقعهم المحددة وفق تطلعاتهم ومصالحهم المستقبلية.
  • تزايد عدم ثقة الشعب الأميركي بمؤسسة السياسة الخارجية القائمة على اختلاق الأكاذيب لتبرير التدخلات الخارجية والحروب المكلفة بشريًّا وماديًّا، كالبقاء في سوريا والعراق والمماطلة في الخروج من المنطقة لا سيما بعد الانسحاب المذل من أفغانستان، في وقت يعاني فيه الداخل الأميركي من مشكلات عدة سواء على المستوى الاقتصادي وزيادة التضخم والضرائب دون سياسات اقتصادية ناجعة، أو على المستوى السياسي والانقسام العامودي الحاد بين الحزبين وتطور الانقسام الأفقي بين الولايات.
  • ضغط متزايد من أجل تخفيضات الميزانية للدفاع مع اغلاق العجز الفيدرالي عند 1.5 تريليون دولار.
  • تهديد المصالح الأميركية من قبل المقاومة، والعجز الأميركي عن تعطيل وتفكيك شبكات حركات المقاومة وخطوط الإمداد التي تمكّن إيران من شن حربها ضد الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين.
  • يقظة محور المقاومة تجاه الاستراتيجيات الأميركية والاعداد المضاد للآليات المعادية والسعي لإبطال مخطط الأدوات، وإفشال الأهداف.
  • تهديد استثمارات “مبادرة الحزام والطريق” الصينية للمصالح الأميركية الأمنية والعسكرية.
  • الأزمات الاقتصادية والاجتماعية داخل الولايات المتحدة الأميركية، وما تفرضه من تقليص موارد الإنفاق الخارجي.
  • البقاء في المنطقة الآمنة دون الانجرار إلى انخراط عسكري أو دفع تكاليف غير مقبولة.
  • العقبات المستقبلية المحتملة:
  • العقبات العامة:
  • استغلال القوى الدولية والإقليمية لمرحلة وظروف إعادة التشكيل لعرقلة مسار الأميركي في المنطقة.
  • ضعف القدرة على ضبط الحلفاء مع احتمال التفرد بالقرارات عند تضارب المصالح.
  • ضعف نجاعة التعاون الأمني الأميركي الخليجي في مواجهة أو احتواء إيران.
  • في مواجهة الصين:
  • حاجة الولايات المتحدة إلى معادلة المنافسة الاستراتيجية العالمية مع الصين والتوازن معها بالحد الأدنى، وخاصة على المستوى الاقتصادي والتكنولوجي.
  • تشكيل مصالح الصين المتنامية في المنطقة شبكة شركاء جدد من حلفاء أمريكا. وتاليًا، ارتقاء نوعي في العلاقات الأمنية الصينية (اتفاقيات، صفقات أسلحة، تبادلات عسكرية ودبلوماسية دفاعية، وقواعد عسكرية) بما يهدد مستقبلًا الشراكة الأمنية الأميركية لا سيما مع مجلس التعاون الخليجي.
  • تنامي العلاقات الصينية “الإسرائيلية” (مال صيني وتعاون تكنولوجي علمي، الاستثمار الصيني في ميناء حيفا) التي تشكّل خطرًا على الأمن الأميركي وتهدد العلاقة بين أمريكا و”إسرائيل”.
  • تحول لبنان شرقًا ووصول الصين مرفأ بيروت وتغيير توازنات المنطقة نتيجة الانتعاش الاقتصادي.
  • في مواجهة إيران:
  • تطبيق الاتفاقية الصينية الإيرانية، وتحسّن التعاون الأمني بينهما.
  • ضعف المكتسبات المأمولة من التطبيع، وهشاشة مكتسبات القمة الثلاثية (الأردن، مصر، العراق) التي تسعى إليها أمريكا و”إسرائيل” لضبابية رؤية كل دولة من دول المشروع الثلاثي، والظروف الإقليمية الخاصة بكل دولة، وأزمة تمويل المشروع في ظل الأزمة الاقتصادية.
  • تحسّن أو نمو علاقات الحلفاء (السعودية والإمارات) مع إيران، والتشبيك الإيراني او الاختراق الاستثماري مع بعض الحلفاء.
  • رفع تمديد حظر الأسلحة على إيران وتداعيات ذلك.
  • فقدان أدوات الضغط على إيران لتعديل تموضعها الإقليمي في حال نجاح المفاوضات مع إدارة بايدن.
  • في مواجهة روسيا:
  • نجاح الخصم الروسي في احداث مزيد من زعزعة الثقة في المبادئ والمؤسسات “الديمقراطية”.
  • تنامي العلاقات التركية الروسية أكثر وتعزيز الشراكة بينهما.
  • نمو الدور الروسي السياسي والاقتصادي في المنطقة.
  • في مواجهة تركيا:
  • جرعة زائدة من استثمار تركيا للهوامش التي استحدثتها في حركتها الإقليمية تظهر في تفلت التركي من قبضة الأميركي في ظل الإضرار بالمصالح التركية نتيجة مشاريع خفض النفط الروسي عبر تركيا إلى أوروبا ومحاولة استبدال التركي بالخليجي، واستمرار الضغط على المنافس الغربي ببوابة اللاجئين إلى أوروبا، وضعف قدرة الأميركي على المساومة مع حاجة الأخير لقاعدته الجوية “إنجرليك” في تركيا.
  • استشراف:
  • مزيد من التناحر بين حلفاء أمريكا مع زيادة منسوب التنافس في ملء الفراغ الإقليمي، وتزايد عدم الاستقرار في التحالفات الأميركية ذاتها، وتعدد قطبية واسع يجعل نفوذ أمريكا نسبيًّا ورهنًا بسياسات الفاعلين الآخرين.
  • محاولة السيطرة على منافذ الخليج البحرية، وإنشاء آليات دولية لمحاصرة الحركة النفطية الإيرانية، خاصة مع العودة للاتفاق.
  • إنشاء آليات قانونية جديدة تقوّض عملية الاستثمار الإيراني للعلاقات العربية في حال رفع العقوبات الحالية.
  • إعادة تفعيل مسارات الفدرلة في سوريا والعراق، والعمل على إنضاجها على المدى المتوسط البعيد عبر الوكيل الدولتي، البريطاني تحديدًا.
  • العمل على إثارة الصراعات والنزاعات الأهلية والطائفية والمذهبية في دول المنطقة وترسيخ مكانتها في لائحة الدول الفاشلة.
  • افتعال حروب أو أزمات بين دول الجوار عبر استثمار مشكلات المياه والطاقة.
  • ظهور تكتلات جديدة تشكّل مزيدًا من التهديدات والتحديات على محور المقاومة.
  • زيادة الإنفاق العربي على “إسرائيل”، وتعزيز التعاون التكنولوجي “الإسرائيلي” العربي، وقيام قواعد “إسرائيلية” في دول الخليج مكان القواعد الأميركية.
  • التركيز الأميركي على تعطيل مبادرات الحزام والطرق الصينية.
  • عودة نشاط المنظمات المتطرفة العنيفة المحلية.
  • عودة ملف ضم الضفة إلى الطاولة مع نهاية مسلسل التطبيع.
  • مزيد من تراجع النفوذ الأميركي الاقتصادي والسياسي أمام زيادة تنامي النفوذ الاقتصادي الصيني في المنطقة، ومن ثم المكانة الجيوسياسية الصينية.
  • حرب إسرائيلية من أراضي عربية ضد إيران في ظل تسليم أمريكا “إسرائيل” موقع الضامن للأمن الخليجي.
  • محاولة احياء الإتحاد من أجل المتوسط (المشروع الفرنسي) وضم لبنان إليه، مع وجود اسرائيل فيه.
  • تشكيل التحالف الخليجي المتماسك ضد إيران، قد تكون بقيادة إسرائيلية ولو مع عدم النجاح الأميركي في التوصل إلى مصالحة خليجية.
  • تطبيع مزيد من الدول العربية، وحيازة اسرائيل على مظلة سياسية واستراتيجية لحمايتها.
  • الاستهداف المتنامي للجزائر نتيجة موقفها من محور المقاومة ومن الثنائي الشرقي.
  • الخلاصة:

 إن تركيز صناع السياسة الأميركية على “أمريكا أولًا” والشرق الأقصى ثانيًا، وتخفيف الالتزام بقضايا الشرق الأوسط لا يعني التخلي عن المصالح الأميركية في المنطقة، وإنما إعادة صياغة السياسة بما يخفف الكلفة عن واشنطن ويحافظ على نفوذها في ذات الوقت، ويتوازن مع نفوذ القوى العظمى فيها. ترتب أمريكا أولوياتها في المرحلة الحالية والمقبلة وفق دوافع ثلاثة: الحاجة إلى التأثير على المنافسة الجيوسياسية داخل المنطقة، ومواجهة السلوك الإيراني بشكل أكثر فاعلية، والحاجة إلى تركيز اعتماد الوكالة في التحرك بالمنطقة. وهي تحاول الاستفادة مما تعانيه المنطقة من انعدام الأمن الاقتصادي والدفاعي وإطلاق العنان لمسمى “الدبلوماسية الأميركية المتوحشة”. لذلك تقتضي المرحلة المقبلة بحساسيتها وخطورتها تقويض كل ما من شأنه ان يحقق الاستقرار او النجاح للمخطط الأميركي في المنطقة.

مركز الاتحاد للابحاث والتطوير

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد