الفلسطيني في لبنان: عندما تُبرّر العنصرية بالقومية

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

تعرّف القومية على أنها الشعور بالانتماء إلى جماعة ما ووضع مصالحها أولًا والسعي لتحقيقها وتحقيق سيادتها بعيدًا عن أي تدخّل خارجي بشؤونها. أمّا العنصرية، فهي اعتبار الأفضلية لفرد لمجرّد انتمائه لجماعة من البشر والسعي لتنفيذ مصالحه على حساب تهميش جماعات أخرى تنتمي لعرق أو مكان آخر.
كان من الضروري التعريف بالمصطلحيْن لأنّه غالبًا يستخدم مصطلح القومية لتبرير العنصرية.

تميّزنا بقوميّة غريبة في لبنان، كلٌّ لديه انتماء للبنان على طريقته، فكانت قوميةً عشائرية -المقصود بالعشائر هنا الطوائف- فالطائفة هي مجرد وسيلة تفرقة وجدناها الأبرز للتفرقة بيننا، ولو لم يكن لبنان مقسّمًا طائفيًا كنا قد وجدنا وسيلة أخرى للتفرقة بيننا كما برعنا منذ قيام دولة لبنان الكبير.

في لبنان جدليّة قديمة جديدة تتكرّر مع كل جيل ألا وهي الوجود الفلسطيني في لبنان. هم الفلسطينيون الذين تهجروا إلى لبنان بعد احتلال أراضيهم وغصبها من قبل الكيان الإسرائيلي الصهيوني، كانت ذروتها عام 1948 بعد النكبة الفلسطينية. ثلاثٌ وسبعون سنة قضاها أغلب الفلسطينيين في لبنان حيثُ اعتبروا أنفسهم بين أهلهم وناسهم. قبل سايكس-بيكو كانت بلادًا واحدة يزور فيها اللبناني فلسطين والفلسطيني لبنان، ولم يكن قد نضج بعد شعور أهل هذه البلاد بأنهم منفصلون عن بعضهم بعضًا، فكانت قضيةً فلسطينية لبنانية سورية أردنية مصرية عراقية سعودية عربية اعتبرها العرب تخصّهم شخصيًا وليس فقط الفلسطينيين أنفسهم.
ولن نخوض في التاريخ الذي كتب عنه الكثير وليس مخفيًّا عن أحد.

اعتُبر الفلسطينيون ضيوفًا في لبنان حتى تحرير أراضيهم، ما أدى لمصطلح “ضمان حق العودة” الذي يعني أن لا يستوطن الفلسطينيون لبنان ويعتبرونه وطنًا بديلًا لهم بل السعي لعودتهم لأراضيهم المحتلّة. مصطلح سياسيٌّ بمثابة دسّ السمّ في العسل، فبات مصطلحًا يستخدم لتبرير العنصرية التي يريد العديد من اللبنانيين التصرف بها مع الفلسطيني الذي يعتبرونه عدوًا محتملًا يريد استيطان لبنان والتسبّب بتغيير ديموغرافيّ يصبح المسلمون فيه أكثرية (هذا الشعور زاد في الحرب الأهلية وحقبة عرفات).
من هذا الباب حُرم الفلسطيني من تملّك الأراضي والعقارات ومزاولة العديد من المهن، فبات الوجود الفلسطيني -المسلم- محصورًا بغالبيته في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين كعين الحلوة وصبرا وشاتيلا والمية ومية وغيرها.

انتشر خبرٌ منذ بضعة أيام لوزير العمل الحالي مصطفى بيرم يسمح فيه للفلسطينيين ومكتومي القيد والأفراد من أم لبنانية (أغلبهم سوريون وفلسطينيون) بمزاولة عدد من المهن كانوا قد حرموا منها سابقًا، فسارع العديد من اللبنانيين والفلسطينيين لمباركة هذا القرار الذي يُعدّ من أبسط حقوق الناس، ولو أنه جاء متأخرًا. انقضت بضع ساعات وبدأ الهجوم المضاد السياسي والشعبي من بعض الأحزاب التي ارتكز خطابها منذ الحرب وحتى اليوم على العنصرية والطائفية. بيان استنكار من حزب الكتائب متمثلًا برئيسه سامي الجميّل الثوريّ المنتفض على الفساد والطائفية، فتغريدات وبيانات من التيار الوطني الحرّ متمثلًا برئيسه جبران باسيل الذي برع منذ قدومه بمنافسة باقي الأحزاب اليمينية بالخطابات الطائفية والعنصرية تجاه السوريين والفلسطينيين تارةً ومسلمي لبنان تارةً أخرى، إمّا باعتبارهم بيئة حاضنة للإرهاب في مناطق يرتكز فيها سنّة لبنان، وإما باعتبارهم خارجين عن القانون متهربين من الضرائب، ويعني بذلك مناطق يرتكز فيها شيعة لبنان. ثم صدرت بيانات استنكار من نواب القوات اللبنانية الذين منذ نشوئهم كانوا السبّاقين إلى التحذير من الخطر “الفلسطيني” في لبنان، هذا إن لم نرد أن نستذكر أيًّا من ذكريات الحرب وما حصل من اقتتال ومجازر وغيرها.

رأى مستنكرو هذا القرار توطينًا ضمنيًا للفلسطيني في لبنان وفرصةً ممتازةً للاستثمار فيه سياسيًا لتحصيل تأييد شعبي قبل الانتخابات لتقوية مواقعهم ورفع سقف خطاباتهم التي بمعظمها ترتكز على خطاب الكراهية والخوف عوضَ البرامج الانتخابية والمشاريع المستقبلية والرؤى.

إنسانيًا
الفلسطيني في لبنان هو إنسان، منه الطيّب ومنه الخبيث ومنه الذكي ومنه الأحمق كسائر البشر. ولسنا بوارد تقديس أي شخص لمجرد انتمائه لجماعة ما. من اللبنانيين كذلك أذكياء وحمقى وطيّبون وخبثاء. هم بشر، لديهم حقوق وواجبات، وينبغي معاملتهم على هذا الأساس، وليس تهميشهم واستغلالهم إمّا لخطابات عنصرية وإمّا لاستخدامهم كمرتزقة، بل معاملتهم بإنسانية بعيدًا عن الإفراط والتفريط.

اقتصاديًا
الفلسطيني في لبنان يعمل وتبقى أمواله في لبنان، لن تذهب لأي مكان آخر. هذا شخص ولد جدّه في لبنان وليس لديه أي مكان آخر يذهب إليه، ولا يعرف بلدًا سوى لبنان. مرّ وقتٌ كان عدد العمال الأجانب كالفيليبيين والبنغلاديشيين والهنود والباكستانييين والسريلانكيين وغيرهم أكثر من الفلسطينيين في لبنان، وكانوا يرسلون أموالهم من العملة الأجنبية للخارج ولا يصرفونها في الداخل.

اجتماعيًا
الفلسطيني خلق في لبنان، هو وأهله وأجداده، ولا يعرفون أرضًا غير لبنان. وهم ما زالوا يتعرّضون فيه للعنصرية لذنبٍ لم يقترفوه؛ فهذا حكم تنميطيّ وصموا به لمجرّد انتمائهم لنفس الجماعة. هم أشخاص كسائر العرب، إخوة للّبنانيين، يمتلكون نفس الأهداف ولا يريدون الشرّ للبنان بل يريدون الخير، فبخراب لبنان خرابهم، وبازدهار لبنان ازدهارهم، تحرير فلسطين هدفهم وهو أيضًا هدف اللبنانيين (بسوادهم الأعظم).

عجبًا ممّن يحاضر بحقوق الإنسان ويرفع شعار “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق” كلّما شعر أنّه قد يرحّل من البلد الذي يعمل فيه وهو يريد منع الفلسطينيين من العمل. عجبًا ممّن يريد أن يُعامل معاملةَ الملوك خارج بلده ويُريد أن يُعامِل من هو ضيفٌ عنده معاملة العبيد.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد