شهر ونصف وأكثر مر على إجراء الانتخابات التشريعية في العراق ولا تزال النتائج رهن الفرز اليدوي، ولم تصدر بعد النتائج النهائية التي تحسم الجدل القائم بين من زوّر ومن خسر وبين من ينتظر الخيط الأبيض من الخيط الأسود ليعلن الصيام أو الكلام.
الكلام اليوم في العراق تتصدره بلاسخارت. وقد يخيل للقارىء للوهلة الأولى أنه اسم أو استعارة للدلالة الهزلية على الوضع العراقي، وهو الأسلوب الذي يعتمده الشعب العراقي كنظيره اللبناني للتعبير عن الأزمة عبر الدعابة، لأن الواقع صعب لدرجة أن لا يقدر مواطنو الدولتين أن يتجرعوا مراراته دون بعض المنكهات والضحك عند المصيبة وعليها بدلًا من الندب لأن البكاء لا يرد الميت.
خصصت هذين البلدين تحديدًا لأن المراقب يلحظ بالتأكيد مدى التشابه والتشابك في الأحداث بينهما بدءًا من ١٧ تشرين من العام ٢٠١٩ وصولًا إلى اليوم؛ فالأزمات ولّادة في لبنان والعراق لدرجة قد تُنسي إحداهما لتذكّر الأخرى.
بالعودة وبلا سخريات إلى جانين بلاسخارت، وهي الممثلة الأممية الخاصة في العراق، وتحديدًا إلى الدور الذي تصدت له مؤخرًا في العراق لتقف طرفًا في الصراع بدلًا من أن تكون هي الحكَم.
اختارت بلاسخارت أن تلعب دورًا مشابهًا لدور السفير السعودي السابق في العراق السبهان عبر التصريحات والتدخلات السافرة في الشأن العراقي، ما يشبه إلى حد ما السلوك الذي ينتهك القوانين الدبلوماسية والذي تمارسه السفيرة الأميركية دوروثي شيا في لبنان، دون مراعاة الأعراف الدبلوماسية في عدم التدخل في شؤون البلد المضيف.
الفرز اليدوي الذي ألزم به القضاء العراقي مفوضية الانتخابات في العراق بعد قبول الطعون المقدمة في الانتخابات، والتي غيرت إلى الآن نتائج ثمانية مقاعد نيابية وأثبتت الخلل في النتائج إن لم نقل التزوير، هذا الفرز جعل بلاسخارت تهاجم الأحزاب السياسية التي لم تقبل نتائج الانتخابات والتي تقف خلف الطعون والمتمثلة بالإطار التنسيقي المكون من الحشد الشعبي والمالكي والحكيم وقوى سياسية أخرى، معتبرة أنه تهديد لأمن وسلم العراق، مطالبة بقبول النتائج والاستمرار في العملية السياسية الجديدة، متحدثة عن ترهيب وضغط لتغيير نتائج الانتخابات.
هذه المعركة السياسية التي تقف بلاسخارت في طرف منها لمواجهة طرف تدعو للسؤال بجدية عن خلفية هذه التصريحات لممثلة أممية، مهمتها أن تدقق في نزاهة الانتخابات ودعم المعتصمين السلميين في التأكد من صحة نتائج الانتخابات، إضافة إلى إدانة العنف الذي تعرض له المعتصمون وأسفر عن سقوط شهداء وجرحى.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى لم تلحظ المسؤولة الأممية القمع الذي يتعرض له المتظاهرون من الطلاب الأكراد في السليمانية وأربيل والتنديد بديكتاتورية الأحزاب الكردية الحاكمة ومنع إعطاء الطلاب حقوقهم المشروعة أو الحرية في التعبير عن مواقفهم السياسية تجاه حكام الإقليم.
ليست بلاسخارت وحدها في الصمت تجاه القمع الذي تمارسه سلطة إقليم كردستان على الطلاب، بل يشاركها الصمت قادة الحراك التشريني، بل ويتقدمون عليها في التحريض على إخوانهم المتظاهرين بأنهم يهددون أمن الإقليم، مع أن السياق يفترض دعمهم لأي حراك يواجه السلطة الفاسدة، على ضوء أن الأحزاب الكردية مشاركة في العملية السياسية في العراق ولها نصيبٌ وافر من الفساد.
في المقلب الآخر يقف السيد مقتدى الصدر ليحمل لواء المطالبة بحل كافة الأشكال المسلحة ما خلا الجيش العراقي والقوى الأمنية، ليلاقيه رد القائد العسكري في كتائب حزب الله أبو علي العسكري داعيًا إياه لحل سرايا السلام على مبدأ أقدمْ وسنقدم، ولتحل البشمركة أيضًا لأنها سلطة خارج الشرعية.
أعلن السيد مقتدى حل لواء اليوم الموعود (المجمد سابقًا)، ليعلن العسكري بتغريدة حل سرايا الدفاع الشعبي التابعة لكتائب حزب الله وإلحاقها بالحشد الشعبي.
يخرج الصدر مناورًا بالدعوة إلى حل البشمركة ردًّا على سؤال في مقابلة تلفزيونية ليظهر بمظهر المحافظ على شرعية الدولة ويؤكد أن سرايا السلام تحل عندما تحل كل الفصائل المسلحة الأخرى. بغض النظر عن جدية هذه الدعوة وتوقيتها، إلا أن الحديث عن حل الفصيل المسلح لدى الصدر جاء ليؤكد أزمة الثقة بين الأطراف السياسية، فكيف يمكن أن تشكل حكومة توافقية في ظل انعدام الثقة بين الأحزاب والقوى السياسية المشاركة بالعملية السياسية؟!
وفي آخر المستجدات حول تشكيل الحكومة وفرصها في التأليف، أعلن الصدر أنه غير مقتنع بحكومة توافقية، ولن يشارك بحكومة من هذا النوع، ما يعني أنه يسعى منفردًا إلى التشكيل مع كتلة الحلبوسي وبارزاني.
في ظل هذا المشهد السياسي المعقد، صوّب أبو آلاء الوائلي قائد كتائب سيد الشهداء في قلب المرمى متجاهلًا كل الدعوات لحل الفصائل ليذكّر قوات الاحتلال الأميركي بالموعد النهائي للانسحاب من العراق في ٣١ كانون الأول، معلنًا عن فتح باب التطوع في السرايا استعدادًا لمواجهة الاحتلال الأميركي بحال مخالفة قرار البرلمان العراقي في التصديق على قانون مطالبة القوات الأميركية بالرحيل من الأراضي العراقية.
قد يكون هذا أحد الأسباب في الرغبة الأميركية في إجراء تغيرات في القوى السياسية المشكلة للبرلمان العراقي الذي صوت على قانون مغادرة القوات الأميركية من العراق، والعمل الدؤوب لإجراء تحديث على البرلمان عقابًا له على جرأته.
لا يبدو أن القوات الأميركية تنوي الانسحاب من العراق، وهو ما أكده البنتاغون، بأن القوات باقية بعد تاريخ الحادي والثلاثين من هذا العام، التاريخ الذي حدده البرلمان العراقي كمهلة نهائية لسحب القوات الأمريكية من العراق.
في هذا السياق نفهم الضربات الأخيرة على مواقع لقواعد أميركية في شرق سوريا وعلى محاذاة حدود العراق وبعض العمليات ضد أرتال للجيش الأميركي في العراق، وليس آخرها
القاعدة الأميركية في مطار خراب الجير بريف الحسكة السوري والتي تعرضت لهجوم بالقذائف الصاروخية، ونقلت التقارير قولها إن خمسة صواريخ استهدفت المطار العسكري، الذي تتخذه القوات الأميركية قاعدة لها. وأضافت أنه فور استهداف القاعدة، شهدت المنطقة تحليقًا مكثفًا للطائرات المروحية والحربية التابعة للقوات الأميركية.
بين الرهان الأميركي على التغيير في توجه البرلمان العراقي الجديد على ضوء النتائج الأولى للانتخابات، وعلى الدور الذي تقوم به بلاسخارت في هذا الإطار ودور الإعلام الموجه ضد الحشد وفصائل المقاومة من جهة، وبين الدور القضائي في حسم جدل نتائج الانتخابات والمحافظة على الأغلبية في البرلمان لصالح الحشد والفصائل والقوى الداعمة والرافضة للاحتلال، ومع ضربات المقاومة والتحشيد لدور مقاوم فعال في حال عدم الانسحاب، يبقى تأليف الحكومة وتطور الأحداث السياسية والميدانية رهن التوقعات في العراق.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.