د. فؤاد خشيش – خاص الناشر |
كثرت التعليقات والتصريحات المضادة بين موسكو وواشنطن حول معنى اللقاء المرتقب بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والاميركي جو بايدن. وكان الجانبان قد استبقا اللقاء بسلسلة من التصريحات والقرارات التي تشي بعدم “الوفاق” حول رغبتهما في الحد من المزيد من التدهور في العلاقات بين البلدين.
فقد أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أمله في أن يتصرف الرئيس الأميركي بايدن بشكل أقل اندفاعا من سلفه دونالد ترامب، الذي وصفه بالموهوب والاستثنائي، في حديث لشبكة إن بي سي الأميركية.
وقال بوتين قبل أول اجتماع له في جنيف مع الرئيس الأميركي في نهاية رحلته الخارجية الأولى، إن بايدن “رجل محترف” أمضى حياته في السياسة التي كانت لها مزايا وعيوب.
وتجاهل الرئيس الروسي التعليق على وصف بايدن له بأنه “قاتل”، ورفض أيضا الوصف الذي يطلقونه عليه بأنه “مفتول العضلات كما في هوليوود”، لكنه سخر في الفترة الماضية من الاتهامات بـ”القتل” و”خواء الروح” التي وجّهها إليه نظيره الأميركي. ورأى بوتين في تصريحات سابقة أن بايدن يحاول إسقاط ما في نفسه على آخرين، متمنيًا أن يكون نظيره الأميركي في صحة جيدة. وقال بوتين: “إننا عادة ما نرى ما بأنفسنا في الآخرين، ونظنّ أنهم على ما نحن عليه، وعندئذ نطلق أحكامنا عليهم”.
وأضاف: “تماما كما قال بايدن، كلانا يعرف الآخر جيدا. بماذا يمكنني أن أردّ عليه؟ حريّ بي أن أقول: ‘أتمنى لك صحة جيدة’. أقولها ولا أضمر أية سخرية”.
وقال إن العلاقات بين موسكو وواشنطن “تدهورت إلى أدنى مستوياتها في السنوات الأخيرة”، إلا أنه يتوقع أن يتمكن من العمل مع بايدن. وكان الرئيس الروسي قد حدد “خطوطه الحمراء” بشأن مواجهة محاولات توسع حلف الناتو، وعملية نشر قوات عسكرية في الخاصرة الروسية في كل من أوكرانيا وجورجيا.
الى جانب ما أصدرته الحكومة الروسية خلال الأيام الماضية من قرار يقضي بحظر تحركات الدبلوماسيين الأميركيين لأكثر من 25 ميلا بعيدا عن مقار عملهم، فإننا نكون امام تشدد متعمد من الجانب الروسي في مواجهة القيود التي كانت بادرت بها الولايات المتحدة تجاه عدد من المؤسسات الإعلامية الروسية ومنها “روسيا اليوم”، ووكالة “سبوتنيك”، ما يعيد الى الاذهان ما كانت عليه علاقات البلدين قبل توقيع “اعلان نهاية الحرب الباردة” بين الرئيسين ميخائيل غورباتشوف وجورج بوش الاب في مالطة في ديسمبر 1989.
بدوره اكد الرئيس بايدن في لقائه مع جنوده قبيل رحلته الى أوروبا ان “أميركا عادت”، بما يعني ان كلًّا من الزعيمين يخاطب الاخر من موقع القوة، وإن حاول كل منهما الظهور على النقيض من ذلك. ويخطط بايدن لإثارة مجموعة من الشكاوى الأميركية تجاه روسيا، بما في ذلك “التدخل” الروسي المزعوم في الانتخابات الرئاسية وعمليات القرصنة.
ولم تكن الدعوة الى اللقاء مفاجئة. فقد صدرت عن الرئيس الأميركي بايدن في أعقاب سلسلة من الانتقادات والعقوبات على روسيا بما فيها دعوة السفير الاميركي للتشاور وطرد عدد من الديبلوماسيين وردت موسكو على ذلك بدعوة سفيرها للتشاور ايضاً وردت على عمليات الطرد بعمليات طرد ايضا، ما يشي بتدهور العلاقات والعودة الى فترة الحرب الباردة وهذا ما تسعى اليه واشنطن لكن حتى اللحظة لم يلحظ ما يخفف من وطأة التوتر الى حين انعقاد اللقاء وما ستسفر عنه المباحثات بين الرئيسين. ورغم كل ذلك فقد وافق الرئيس بوتين، وإن أبدى في البداية قدرا من التحفظات.
لا شك ان الاوضاع في اوكرانيا والمناطق الشرقية في لوغانسك ودونيتسك الجمهوريتين الانفصاليتين غير المعترف بهما بالاضافة الى الاوضاع في جمهورية بيلاروس ومصير المعارض الروسي المسجون أليكسي نافالني والهجمات الإلكترونية ستكون حاضرة على مائدة الحوار. كما سيعرض بايدن على الأرجح خلال القمة العديد من الشكاوى الأميركية حيال فلاديمير بوتين نفسه في كيفية تعاطيه مع الامور، بما في ذلك الشكوك في تدخل روسي في الانتخابات الأميركية، ومن هنا يُتوقّع أن تكون المناقشات بين الرئيسين صعبة.
من الغريب ان يتفق الرئيسان على القمة دون جدول اعمال واضح حتى اللحظة حول “مناقشة مجموعة كاملة من القضايا التي تواجه كلا البلدين”، وذلك ما أعقبته سلسلة من التصريحات التي تحمل المعنى ونقيضه. ومن هنا لا بد من الاشارة الى معارضة واشنطن استكمال بناء خطوط نقل الغاز الى أوروبا “التيار الشمالي -2″، وهو المشروع الذي طالما وقفت الإدارة الامريكية السابقة ضده.
بوتين لم يتوقف عن الادلاء بمختلف التصريحات والأحاديث التليفزيونية ومنها ما أدلى به الى قناة “ان بي سي” الاميركية وكشف فيه عما يمكن ان يمضي اليه في علاقاته مع الولايات المتحدة، في توقيت مواكب لتصعيد السلطات الرسمية حدة خطابها الرسمي الذي يعكس إحساس الكرملين بتحقيق الكثير من التفوق العسكري على الولايات المتحدة.
وفي حديثه الى برنامج “موسكو. الكرملين. بوتين” حدد بوتين الكثير من الخطوط الحمراء التي قال ان موسكو لن تسمح لأي كائن كان بتجاوزها.
وإذ أعاد الى الاذهان ما سبق ووعدت به قيادات الولايات المتحدة الاميركية والناتو الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف أشار بوتين الى خطورة نشر الصواريخ الاميركية في كل من بولندا ورومانيا ما يوفر فرصة وصولها الى قلب روسيا بما فيه موسكو في غضون 15 دقيقة. وأضاف ان محاولات انضمام أوكرانيا الى الناتو يعني ضمنا تقليص هذه المدة في حالة نصب هذه الصواريخ في خاركوف او دنيبروبيتروفسك الاوكرانيتين الى سبع – عشر دقائق، وهو ما لن تسمح به موسكو،
وتلك هي الأسلحة التي تقول المصادر الروسية ان الجانب الأميركي يريد ضمها الى اية اتفاقات او معاهدات مقبلة مع الجانب الروسي بشأن الحد من التسلح، ستتفلت على مغاربها ويعود العالم لحبس انفاسه
السؤال الذي يطرح هل من الممكن ان يتوصل الطرفان الى توافق ما من اجل تخفيف التوتر ام ان الامور ستزداد سوءاً وتعود الامور الى ايام الحرب الباردة. لننتظر ونرَ.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.