التركيبة الفاسدة أقوى من انفجار العصر

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

الإحباط والحنين إلى الماضي وانعدام الثقة والاستياء، هذه بعض المصطلحات التي تصف الشعور الذي خلفه الزلزال السياسي- الاقتصادي الذي ضرب لبنان، والذي كانت بداياته مع وباء كورونا مرورًا بثالث اكبر انفجار في التاريخ واعني انفجار المرفأ وصولًا الى الحصار الاقتصادي، وما تبعه من انهيار مالي وخدماتي يختلط فيه الاداء الداخلي الفاسد مع التدخل الخارجي المتآمر.

فبعد مرور أكثر من عام على الانفجار الكبير واستفحال الازمة الاقتصادية لا يزال التخبط سيد المواقف على ضوء عجز القوى الفاعلة، سلبًا وايجابًا، عن القيام بخطوات عملية اساسية لتغيير الواقع او على الاقل البدء بالتغيير، فحتى يومنا هذا لم يمتلك اي من تلك القوى القدرة على معرفة كل العناصر المطلوبة لتقييم حجم الكارثة، وتحديد موقع المركز الرئيسي الذي ادى بنا للانحدار نحو قاع جهنم، بشكل دقيق.

إن الفرضيات، المرتبطة بالعلاقة بين الأزمة السياسية وازمة النظام من جهة والأزمة الاقتصادية من جهة ثانية، يمكن ان تكون حقيقية، لكنها ليست شاملة.

إذا كانت العلاقة بين هذين المصطلحين تلقائية، كما يقال أحيانًا، فإن عودة التعافي الاقتصادي والعودة إلى الاستقرار (النسبي) امرًا دونه عقبات جمة وفي مقدمة تلك العقبات، تبرز محاولات التركيبة السياسية التقليدية التأقلم مع الواقع الحالي والتخطيط للتطبيع مع مرحلة ما بعد الزلازل.

وها نحن وكلما ابتعدنا عن الحدث الكارثي، نجد انفسنا قد غرقنا في روتين الحياة اليومية وكأن شيئًا لم يكن وكأن الحياة الطبيعية قد عادت بالغعل، دون أن يلاحظ أحد، وقبل كل شيء دون التحولات المطلوبة التي حلمت وتحلم بها الغالبية الساحقة من الشعب اللبناني، فالكل يعرف وعنده علم اليقين أن نظام المحاصصة والطائفية المعتمدة لن يسمح بالتغيير الشامل او حتى بالتغيير المرحلي، المبني على قاعدة التناوب والتداول السلمي للسلطة الذي يؤمن الغطاء الأضمن للاستقرار والتقدم. لكن اذا القينا نظرة على الأخبار اليومية يمكننا العثور على جميع أنواع المواقف، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، التي يطلقها الفاعلون التقليديون الذين كان ينبغي لهم، بدل اطلاق العنان لتصريحاتهم الطوباوية والاستهلاكية، أن يدعموا التغيير الشامل للنظام وبناء نظام جديد وعصري يحاكي حاجات المجتمع بكل اشكاله وعناوينه ومفرداته، لكننا للاسف نحن امام سلطة ومعارضة يشتركان في خاصية واحدة، كلاهما تائه ومشت بشكل خطير إن لم نقل أكثر من ذلك.

وهذا الامر لا يتوقف على الاضداد والخصوم بل دق ايضًا باب المتحالفين وأبطال التبادل الانتخابي، الذين يكشفون من وقت لآخر وعند الحاجة، عن نزعة طائفية ومناطقية مقلقة تقود الى تفكيك الأوصال والانفجار في الداخل ومن الداخل.

يبدو أن اللاعبين التقليديين الراسخين في المواقع الرسمية والشعبية قد اقتربوا من فقدان الطاقة اللازمة للاستمرارية والقدرة على التمسك بكراسيهم. فمن المثير للاهتمام أن نلاحظ كيف أن الأشخاص والقوى البديلين الذين، وفقًا لما كان متوقعًا ووفقًا لتاريخهم الناصع والمنتج في الساحات الاخرى التي ابدعوا فيها لا سيما ساحات المواجهة الاستراتيجية، كان ينبغي لهم أن يظهروا على الساحة السياسية ليحلوا محل القديم، لكن حتى الان، يمكننا القول إنهم لم يقوموا بالنقلة المطلوبة ان لم نقل إنهم فشلوا في القيام بذلك.

في الواقع، غالبًا ما يظهرون رغبة صريحة في عدم الرغبة في القيام بدور المنقذ والمحاسب والمغير، ولا يهتمون في تحمل هذا العبء على الإطلاق بل يتهربون منه.

وعلى الرغم من أنهم لا يتخلون عن خرق الكثير من الاصول والقواعد القانونية ويستمرون، وبشكل ممنهج، في اختراق أطراف النظام، لكنهم يتجنبون الاقتراب من قلبه، وفي نفس الوقت يعملون على ان يبقوا متجذرين في محيطه، حيث تبرز قوتهم خصوصًا في أعقاب كل حدث كبير كالزلزال الاخير.
على رغم حجم الكارثة وعظمة الاحداث والاقتراب من حافة الانهيار الشامل، يبدو أن احتمال إعادة الترتيب الشامل للنظام، حتى هذه اللحظة، بعيد المنال.

إذا كان هناك، أو عندما يكون هناك بالفعل نية وامكانية لاعادة بناء نظام جديد، فسوف يتطلب الأمر بناءً على قاعدة التحول، وليس مجرد تجميل للنظام نفسه. لكن في أي اتجاه يكون هذا التحول؟ لا أحد يعلم. وعلى رغم الحاجة الى هذا التحول والانتقال الى نظام جديد بكليته وبقدر ما يستحق هذا الانتقال من عمل، فإن السمة المشتركة للفاعلين الذين يمثلون تيارات التجديد، بكل ما تعنيه كلمة تمثيل من معنى فني وسياسي، هي المماطلة ومحاولة كسب الوقت بانتظار انقلاب موازين ما في مكان ما. وإن ما تقوم به بعض الأحزاب التقليدية من تمثيلية الانتقال الى معسكر المعارضة المدنية ما هو الا علامة واضحة على نفاقها. يقدمون أنفسهم على أنهم ليسوا بأحزاب وليسوا بحركات، وفي نفس الوقت وفي مناسبات متعددة، يصرحون ويقدمون أنفسهم على أنهم أحزاب لكن مختلفة عن الأحزاب المعتادة. ومشكلة هذا النوع من المتسيسين “كسبة السياسة”، هي بالتأكيد مشكلة وجودية لأنهم، وإذا أحسنا الظن، إذا لم يحاولوا القيام بهذا الدور التمثيلي بالمعنى الفني للكلمة لا بالمعنى السياسي، فلن يحصلوا على اصوات “الناخبين” ولا على رضى “الدافعين”.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد