عندما تحصل تحركات شعبية في أي دولة تختفي زعامات، وعندما تظهر تكون إطلالاتها محدودة في العدد والدقائق، تطلق تصريحات شعبوية تنأى بنفسها عن المسؤولية وتشعر للحظة أنها ستنضم للتحركات، متبنية المطالب التي رُفعت.
لكن عندما نعود الى بداية التحركات في لبنان منذ السابع عشر من تشرين الأول عام 2019 نجد أن إطلالات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تكثفت بالعدد إذا أحصينا وراقبنا الفارق الزمني بين خطاب وآخر ومدة الخطاب التي لا تقل عن ساعة ونصف، هذا إن تحدثنا بالشكل، أما إذا تحدثنا عن المضمون فنجد أن السِمة التي تميّزت بها الخطابات، الوضوح والشفافية في توصيف الأزمة وإيجاد حلول لها، قصيرة وطويلة الأمد..
برع السيد نصر الله بتقسيم خطاباته كعادته وإيصال مجموع الرسائل للهدف المعني إن كان للخارج أم للداخل أم للشعب. وإذا أخذنا القسم المتعلق بالداخل اللبناني نرى أنه أخذ حيزًا كبيرًا من خطاباته في بداية الأزمة أكثر من الخطابات الأخيرة التي تركزت بأغلبها على الحصار الخارجي.. وكما قسّم الخطاب قسّم الشق المتعلق بالداخل حيث طرح حلولًا آنية لتخفيف معاناة الشعب الى حين تُثمر الحلول الجذرية التي تتطلب وقتًا.
ففي الحلول الآنية اتخذ حزب الله أكثر من إجراء للتخفيف عن شعبه كبطاقة السجاد بوجه غلاء الأسعار، وحتى القرض الحسن بات ملجأ آمنًا لأموال الناس بعد أن فُقدت الأموال من المصارف. كما تحدث السيد عن التكافل الاجتماعي الذي اعتادت عليه تحديدًا بيئة المقاومة التي عايشت الحروب الإسرائيلية. وأخيرًا وليس آخرًا جاء بالدواء الإيراني بعدما فُقد الدواء من السوق اللبناني نتيجة الاحتكار وبالمحروقات الإيرانية كاسرًا الحصار الأميركي والاحتكار الداخلي.
وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوة اعتبر السيد نصر الله أنها ستكون ضمن مسار هدفه تخفيف معاناة الشعب اللبناني، إلا أنها خطوة ممكن أن تفتح بابًا للتعاون في المستقبل خاصة بعد عروض لحل أزمة الكهرباء في لبنان واستقدام شركة إيرانية للتنقيب عن النفط.
أما في الحلول الجذرية للأزمة ورغم ان السيد نصر الله تحدث عن وجود خطة اقتصادية لدى حزب الله لم يكشف عنها لأنها ستُحارَب من اليوم الأول دون أن تُقرأ من قوى داخلية وخارجية، فـقرر الحزب العمل على تنفيذ خطته دون أن يُعلن عنها كي لا يُحكَم عليها بالإعدام نتيجة الحقد والاستعداء الخارجي.
ركز السيد نصر الله في كلامه كثيراً على الانتقال من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد المُنتج. ومن هنا بدأ يكثر حديثه عن إحياء القطاعين الزراعي والصناعي لمواجهة الانهيار والجوع حتى وصل به الأمر الى إعلان يوم 7-7-2020 “يوم الجهاد الزراعي والصناعي” كيوم لا يقل أهمية أبدًا عن أيام ودور المقاومة العسكرية لتحرير الأرض من العدو الإسرائيلي ولمواجهة الإرهاب التكفيري، قائلًا: نحن كحزب الله ندعو اللبنانيين إلى خوض معركة إحياء القطاعين الزراعي والصناعي، إلى نهضة زراعية وصناعية كشرط ضروري للصّمود ومواجهة الجوع والبقاء على قيد الحياة بكرامة. نحن اتخذنا قرارًا ونقول: هذه اليوم معركة لبنان التي سنحضر فيها بقوّة، كل حزب الله على نفس الطريقة السابقة، ليس فقط جهازًا معيّنًا أو وحدة معيّنة أو مؤسّسة معيّنة، أنا اليوم أريد أن أُعلن أننا اتخذنا قرار وضع كل ما لدينا من قدرات بشرية ومادية وعلاقات وصداقات وتحالفات ستكون في قلب هذه المواجهة وفي قلب هذا التحدي وفي قلب هذه المعركة ونريد أن نتعاون مع الجميع من منطلق حيث يجب أن نكون سنكون.
من هنا انطلق السيد نصر الله للقول إن الإنتاج الزراعي والصناعي يحتاج إلى أسواق، وإن طريقنا إلى الأسواق العربية هي سوريا، ولا يُمكننا أن نُصدّر من دون سوريا. اقتراح يُدعِّم موقفه بضرورة التوجّه شرقًا على قاعدة تعدد الخيارات (شرق وغرب) والتعامل مع سوريا وإيران والعراق وروسيا والصين، لافتًا الى أننا عندما نسير بهذا المسار لن يعود لبنان بحاجة الى مساعدات ولا الى سياسة القروض التي انتهجتها الحكومات السابقة.
خطوات إذا تم انتهاجها لا تشكِّل نقلة نوعية في سياسات البلد الاقتصادية فقط، إنما سنكون أمام مرحلة جديدة أدخلت حزب الله الى الحياة الاقتصادية من باب المنقذ كما كان المنقذ عسكرياً وأمنياً.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.