ضربة”اوكوس” للحليف الفرنسي والشبح الصيني الغائب الحاضر

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.


اتفاقية أو مبادرة “أوكوس” هي اختصار للبلدان الثلاثة- أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة- باللغة الإنجليزية AUKUS، وتم الإعلان عنها من جانب قادة تلك الدول بتاريخ 15 سبتمبر/أيلول 2021، وهي عبارة عن شراكة دفاعية وأمنية جديدة قالوا إن هدفها “حماية مصالحهم” في المحيطين الهندي والهادي.
وقالت إنها “ستعمل على تعزيز تطوير القدرات المشتركة ومشاركة التكنولوجيا، ما يضمن حماية موظفينا من أي أذى، وتعزيز أهدافنا المشتركة”.
الاتفاقية هي شراكة أمنية ودفاعية بين أميركا وبريطانيا واستراليا، هدفها غير المعلن هو حصار الصين، لكن فرنسا اعتبرت ذلك “طعنة في الظهر”، والسبب صفقة غواصات خسرتها باريس وفازت بها واشنطن ولندن.
غضب فرنسي
الإعلان عن تلك الشراكة قد تسبب في ردود فعل غاضبة جداً من جانب فرنسا، وتحذيرات من “عقلية الحرب الباردة” من جانب الصين، رغم أن موريسون رئيس وزراء أستراليا، وجونسون رئيس وزراء بريطانيا، وبايدن رئيس أميركا لم يذكروا “الصين” في إعلانهم عن “أوكوس”.
أثارت الاتفاقية الأمنية خلافًا دبلوماسيًا حادًا مع فرنسا التي اتهمت المملكة المتحدة بالاختباء في “الحضن الأميركي”، إذ وصف وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ما حدث بأنه “طعنة في الظهر”، ووصف ما أقدم عليه بايدن بأنه تصرف من نوعية تصرفات سلفه في البيت الأبيض دونالد ترامب.
وبالتالي رأت فرنسا في إقصائها من واحدة من أكبر الصفقات العسكرية في العالم “خيانة للثقة” من جانب أستراليا، و”طعنة في الظهر من جانب بايدن والتصرف مثل “ترامب”.
وقال لودريان في تصريحات بثتها إذاعة فرانس إنفو “هذا القرار الجائر الأحادي وغير المتوقع يذكرني كثيراً بما كان يفعله السيد ترامب”. وأضاف “أشعر بالغضب والمرارة، هذا أمر لا يحدث بين الحلفاء”.
واعتبر بيان صادر عن الخارجية الفرنسية أن “هذا قرار مخالف لنصّ وروح التعاون الذي ساد بين فرنسا وأستراليا”، مضيفاً أن “الخيار الأمريكي الذي يؤدّي إلى إقصاء حليف وشريك أوروبي مثل فرنسا من شراكة مزمنة مع أستراليا، في وقت نواجه فيه تحدّيات غير مسبوقة في منطقة المحيطين الهندي والهادي (…) يشير إلى عدم ثبات لا يمكن لفرنسا إلا أن ترصده وتأسف له”.
وقالت الوزارة أيضاً إن “القرار المؤسف يؤكّد فحسب ضرورة إثارة مسألة الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي بصوت عالٍ وواضح. ما من طريقة أخرى جديرة بالثقة للدفاع عن مصالحنا وقيمنا في العالم”.
وهذه الفقرة الأخيرة هي إشارة ضمنية لسعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تأسيس قوة عسكرية خاصة بالاتحاد الأوروبي، بعيداً عن حلف الناتو، وهي الفكرة القديمة التي باتت تتردد كثيراً مؤخراً، ومن الواضح أن باريس الغاضبة بشدة من خسارة عقد الغواصات سوف توظف ما حدث لإعطاء مزيد من الزخم للبدء في تأسيس جناح عسكري للاتحاد الأوروبي.
عند إعلان الولايات المتحدة إنشاء التحالف الأمني الجديد “أوكوس” مع بريطانيا وأستراليا، كان الاتحاد الأوروبي يستعد للكشف عن استراتيجيته لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، لكن الإعلان الثلاثي جعل استراتيجية الأوروبيين بلا أي معنى، وخلطت الأوراق بشدة، تاركة دول القارة في حال من عدم اليقين والحيرة.
وقد أدلى جوزيب بوريل، نائب رئيس المفوضية الأوروبية والممثل الأعلى للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ببيان، جاء فيه: “مركز ثقل العالم من الناحيتين الجغرافية والاقتصادية والجيوسياسية يتحول نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ. إن مستقبل الاتحاد الأوروبي ومستقبل منطقة المحيطين الهندي والهادئ متشابك”.
أما عن السيناريوهات التي طرحت بديلاً من “الفوضى” التي أحدثها تحالف “أوكوس”، فقد برزت خلال الأيام الماضية نقاشات حول الوجهة الأوروبية، التي تمثلها فرنسا، من أجل خلق حال توازن استراتيجي، وكان الحديث يدور حول الصين والهند. لكن في ما يخص الصين، يبدو السيناريو مستبعداً إلى درجة كبيرة، وفق ما يرى مراقبون.
برز سيناريو آخر قد يكون قابلاً للنقاش، هو الهند، إذ أجرى وزير الخارجية الفرنسية، جان إيف لودريان اتصالاً بنظيره الهندي سوبراهمانيام جاي شانكار، ناقشا خلاله التطورات الأخيرة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. لكن البلدين لم يصدرا أية تفاصيل إضافية بشأن الاتصال.
والجدير بالذكركانت الهند جزءاً من الاستراتيجية الفرنسية- الأوروبية لمنطقة المحيطين، وقد سعت فرنسا مبكراً إلى جعلها ركيزة أساسية لها عندما اعتبرت أن أستراليا أصبحت داخل الحلقة الضيقة لهذه الاستراتيجية بعد توقيع عقد الغواصات عام 2016. وشكّلت نيودلهي توجهاً طموحاً لفرنسا، من خلال رؤية بعيدة المدى للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عززها بالزيارة التي أجراها للهند عام 2018 وطرح أن تكون فرنسا بوابة الهند للدخول إلى القارة الأوروبية.
اتفاق أطراف “أوكوس”؟
بحسب بيان نشره الموقع الإلكتروني للحكومة البريطانية، فإن “قادة المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا اتفقوا على إطلاق شراكة دفاعية وأمنية تاريخية”، وأضاف البيان أن هذه الشراكة “ستحمي وتدافع عن مصالحنا المشتركة في المحيطين الهندي والهادي”.
وبحسب البيان، “يعكس التحالف المستوى الفريد من الثقة والتعاون بين البلدان الثلاثة، التي تشارك بالفعل معلومات استخبارية واسعة من خلال تحالف العيون الخمس”، (في إشارة إلى التحالف الاستخباراتي بين دول الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا).
وستكون المبادرة الأولى في إطار التحالف التعاون بشأن توفير غواصات تعمل بالطاقة النووية في المستقبل للبحرية الملكية الأسترالية، وأضاف البيان أن “هذه القدرة ستعزز الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وسيتم نشرها لدعم قيمنا ومصالحنا المشتركة”.
بينما قال بوريس جونسون إن “المملكة المتحدة وأستراليا والولايات المتحدة حلفاء طبيعيون، في حين أننا قد نكون منفصلين جغرافياً إلا أن اهتماماتنا وقيمنا مشتركة”، وأضاف أن “تحالف أوكوس سيقربنا أكثر من أي وقت مضى، ما يخلق شراكة دفاعية جديدة ويقود الوظائف والازدهار. ستصبح هذه الشراكة حيوية بشكل متزايد للدفاع عن مصالحنا في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وبالتالي حماية شعبنا في الوطن”.
لكن وزيرة الخارجية البريطانية الجديدة ليز تروس دافعت عن هذه الاتفاقية بشدة.
قالت تروس إن الاتفاقية -التي ستشهد تعاون المملكة المتحدة والولايات المتحدة لتطوير أسطول جديد من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية للبحرية الأسترالية- أظهرت استعداد بريطانيا للدفاع عن مصالحها، وفق صحيفة “ايفيننج ستاندارد” البريطانية.
وقالت تروس في مقالتها في صحيفة “صنداي تليغراف” إن الاتفاقية، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها معارضة لتزايد الإصرار العسكري الصيني في المنطقة، تؤكد التزام المملكة المتحدة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.. وأوضحت أن بريطانيا ستكون على الدوام “نصيرة” الحرية في جميع أنحاء العالم.. يجب الدفاع عن الحريات، لذلك نحن نبني أيضًا روابط أمنية قوية حول العالم”.
أما الرئيس الاميركي جو بايدن فقد تحدث كثيراً عن “القيم المشتركة التي تجمع البلدان الثلاثة”، واستطرد في الحديث عن “الحروب التي خاضوها معاً في القرن العشرين من الحرب العالمية الأولى للثانية إلى الحروب في الخليج وأفغانستان وغيرها”، واصفاً الاتفاق بأنه “تاريخي ويهدف إلى ضمان الاستقرار في العالم”.
ومن جانبه، تحدث رئيس الوزراء الاسترالي سكوت موريسون في نفس السياق، اذ اعلن عن اتفاقية للحصول على غواصات تعمل بالوقود النووي من جانب واشنطن ولندن، وإلغاء اتفاقية لشراء غواصات فرنسية.
فقد كانت أستراليا قد اختارت مجموعة نافال غروب الفرنسية لصناعة السفن في 2016، لصنع أسطول غواصات جديد بقيمة 40 مليار دولار، ليحل محل غواصات من الطراز كولنز، يبلغ عمرها أكثر من 20 عاماً. وتم توقيع العقد بالفعل في الصيف الماضي، وقبل أسبوعين فقط، جدّد وزيرا الدفاع والخارجية الأستراليان التأكيد على الصفقة.
الشبح الصيني
لكن إذا كانت “أوكوس” قد أشعلت غضب فرنسا بسبب عقد الغواصات الذي فسخته معها أستراليا، فإن الصين لم تتأخر أيضاً في الإعلان عن تنديدها بتلك الاتفاقية العسكرية بين أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا، فيما يتعلق بمنطقتي المحيط الهادي والهندي.
ورغم أنه لم يذكر أي من الزعماء الثلاثة، ولا البيانات الرسمية الصادرة، الصين تصريحاً في أي سياق، فإن بكين هي “الحاضر الغائب” في “أوكوس”، بحسب تحليل لشبكة CNN الأميركية.
فالإعلان عن “أوكوس” هو أحدث الخطوات التي تتخذها الولايات المتحدة لمواجهة الصعود الصيني عسكرياً وتكنولوجياً، وسوف يستضيف بايدن الأسبوع القادم قادة أستراليا واليابان والهند في البيت الأبيض، في قمة “كواد” (الرباعية) التي تجمع الدول الأربع، وهو تجمع آخر يهدف إلى تأكيد “الزعامة الأميركية” في آسيا، وسعى بايدن بالفعل لضم دول آسيوية أخرى للرباعية، وأرسل نائبته كامالا هاريس الشهر الماضي إلى سنغافورة وفيتنام لهذا الغرض.
وكان بايدن قد أجرى اتصالاً هاتفياً بشي جين بينغ، الرئيس الصيني، في الأسبوع الماضي، استمر 90 دقيقة، وهو الاتصال الأول بينهما منذ سبعة أشهر، ولم يطرح الرئيس الأميركي مع بينغ قصة “أوكوس” من الأساس، بحسب مصادر البيت الأبيض.
وتحدثت تقارير عن أن شي “رفض” عرضاً من بايدن للقاء قمة بينهما، لكن الرئيس الأميركي نفى تلك التقارير، بينما قالت مصادر أميركية إن مسؤولي إدارة بايدن ما زالوا يعملون على عقد قمة بين بايدن وشي بشكل شخصي، وإن كانت فرصة عقدها على هامش اجتماع قمة العشرين أواخر أكتوبر/تشرين الأول المقبل لا تزال غير مؤكدة.
وفي ظل ارتفاع حدة التوترات بين القوى العظمى مع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادي، كان بايدن حريصاً- لدى إعلانه عن “أوكوس”، على أن فرنسا لا تزال “شريكاً رئيسياً في منطقة المحيطين الهندي والهادي”.
لكن التأكيد الأبرز على أن الصين هي الهدف الرئيسي من وراء مبادرة أو اتفاقية “أوكوس” يمكن رصده من خلال رد فعل بكين على الإعلان الثلاثي من أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا.
فقد أعلنت وزارة الخارجية الصينية، (16 سبتمبر/أيلول)، أن التعاون بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا حول الغواصات النووية “يضر بالنظام الدولي لحظر انتشار الأسلحة النووية”.
بينما أصدرت السفارة الصينية في واشنطن بياناً قالت فيه إنه على الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا “التخلص من عقلية الحرب الباردة والتحيز الأيديولوجي”.
الخلاصة هنا هي أن “أوكوس” تهدف بالأساس إلى تضييق الخناق على الصين في المحيطين الهندي والهادي، لكن من ناحية أخرى تسببت تلك الاتفاقية في إثارة أزمة حادة بين فرنسا من جهة وبين أستراليا والولايات المتحدة من جهة أخرى، ولا أحد يمكنه توقع تداعيات ذلك الإعلان الذي فاجأ الحلفاء قبل أن يمثل مفاجأة لبكين نفسها.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد