يحكى أنّ مجموعة من الثيرانِ كانت تعملُ في مدينةٍ قديمةٍ أعمالًا شاقةً مختلفةً في الحقولِ (حرث الأرضِ، والسقي في دوارات المياه وحملِ الأثقال). وبدأ بعضُهم يهمسُ في أذنِ بعضِهم الآخر: إلى متى تدومُ معاناتنا ونحنُ قدْ سئِمْنا من العملِ ليلَ نهار؟
وقرروا عقدَ اجتماعٍ طارئ للتداولِ في معاناتِهِم لعلّهم يجدونَ حلًّا.
فعلًا اجتمعوا، وبدأت المقترحات:
الثورُ الأول، وكان هزيلًا: أرى أنْ يزيدوا من علفِنا ويقللوا ساعاتِ العمل.
وقامَ ثورٌ آخرُ يتمنطقُ: نحنُ لن نسكتَ، يجبُ علينا أنْ نكتبَ وثيقة رفضٍ وشجبٍ ونقدِمها لجمعيةِ الرفقِ بالثيران.
صاح ثورٌ ورجلاهُ ترتجفانِ بصوت ضعيف: عودوا لأعمالِكُم، لنْ لنْ لنْ يحدثَ شيءٌ، سيسلخون جلودَكُم.
أخيرًا قامَ ثورٌ ضخمٌ وكانت له قرونٌ طويلةٌ وأسكتَ الجميعَ بخوارِهِ العالي، فهدأت الأصواتُ لتسمع، فقال: عندي حلّها، وأنا دليلُكم وناصِحُكُم فاسمعوا قولي وأطيعوني.
قالوا جميعًا: نعم قُلْها، وأنقذنا.
قال: أنا أعرِف بيتَ شعرٍ يتحدثُ عن الحريةِ والخلاصِ من الظلمِ يقول:
وللحريةِ الحمراءِ بابٌ * بكُلّ يدٍ مُضَرجَةٌ يُدَقُّ
فإذا أردنا خلاصَنا وحريتَنا فما علينا إلاّ أنْ نجدَ بابَ الحريةِ الأحمرِ ونقتحِمَهُ لنستريحَ ونعيشَ في بحبوحةٍ أبديةٍ.
فرحتِ الثيرانُ وعلا خوارُها وضربتِ الأرضَ بحوافرِها وعلا الغبارُ والصياحُ في المكان.
باتتِ الثيرانُ تشحَذُ قرونَها وأظلافَها استعدادًا ليومِ الحريةِ الموعود. وما إن أشرقتْ شمسُ صباحِ ذلك اليومِ حتى اندفعت الثيرانُ بقوةٍ وحماسةٍ منقطعة النظير يتقدمُها القائدُ الأديبُ الثورُ ذو القنين الطويلين وعاثتْ في المدينةِ خرابًا بحثًا عن ذلكَ البابِ الأحمرِ. وبعد جهدٍ كبيرٍ من الهيجانِ والثورةِ وإذا بهم يقفون على بابٍ أحمرٍ في أطرافِ المدينةِ، فتنادوا للهجومِ دفعةً واحدةً. وفعلًا اقتحمت الثيرانُ البابَ وهي تنشد الحريةَ الحريةَ.
ولكن .. ما هذا؟ كان قد تمَّ غلقُ البابِ بإحكامٍ وأحاطَ الجزارون بالثيرانِ وصبّوا جامَ غضبهم عليها حتى ذبحوها عن آخرها وسطَ ذهولِ الثيرانِ وحيرتِها. فالبابُ الأحمرُ لم يكن غيرَ مسلخِ المدينة.
روى أحدُ الناجين مِن مجزرةِ الثيرانِ تلك أنّ الثورَ القائدَ (أبو الحرية الحمراء) ظلّ يجري مرةً ويتظاهرُ بالموتِ مرةً أخرى وسطَ الدماءِ حتى استطاعَ الافلاتَ والهروبَ إلى مدينةِ أخرى لعله يصدّرُ فكرَهُ “الثوري” إلى ثيرانَ جُدُد.
الثوريةُ الغبيةُ تدمرُ البلادَ والعبادَ.
الثورةُ تكونُ عبثًا ودمارًا إنْ لم تكنْ بشرطِها وشروطِها.
نعم للثورة الواعية بقيادتها الواضحة بمشروعها الدقيق ومراحله المدروسة، وكلا وألف كلا، للكذبِ وللمؤامراتِ والانقلاباتِ العسكريةِ وحُكمِ العسكرِ. لأن نتائج الانقلابات العسكرية وحكم الجنرالات لن تهبنا الحرية ولن تمنحنا الإصلاح المزعوم بل ستجعلنا نسبحُ في شلالات الدمِ التي دأب عليها الانقلابيون في العالم الثالث وما عهد انقلاب البعث عنكم ببعيد.
واللهُ مِن وراءِ القصد
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.