أعدّ مفتعلو الأزمة وأدواتهم كلّ ما يمكنهم إعداده من أجل التعرّض لحزب الله. لقد جنّدهم المحاصِر لخدمته وأعطاهم تعليماته حتى قبل أن تبدأ مفاعيل الحصار بالضغط على معيشة الناس.
وإن كان الاتهام السياسي الموجّه ضد حزب الله يبدأ عادة في لحظة أيّ حدث أمني، فإنه يسبق الأحداث الاجتماعية والاقتصادية ويجهّز لها.
قبل بدء استفحال الأزمة واشتداد مظاهرها، كانت أبواق عوكر تستبيح كلّ ما يمتّ إلى بيئة حزب الله الاجتماعية والثقافية بِصلة. من “بيقبضوا بالدولار” إلى “بيهربوا المحروقات” وبينهما كلّ ما يمكن لعقل سافل فاقد للأخلاق أن يرمي به الآخرين ولا سيّما الطاهرين.
ما رأيكم لو نقوم بجولة على ما فعله حزب الله حيال الأزمة في لبنان، على سبيل الإنصاف والنطق بالحق، وإن كان أهل هذا الحزب يترفّعون عن الدخول في أيّ حديث عمّا يفعلون، فهؤلاء الذين وهبوا أيّامهم وأعمارهم كصدقة سرّ، يستصغرون البذل ذا الطابع الماديّ، ويستحون من ذكره أو الإشارة إليه.. لكنّ أخلاقهم هذه جعلت صغار العقول وأصحاب القلوب العمياء تستهدفهم بالافتراء وبالأكاذيب، وحين يُرد على هذه البشاعة بكلمة حق، يصرخ المفتري الكاذب: “عم تربحونا جميلة”.
منذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها الدولار بالتحرّك صعودًا بفعل فاعل واجهته رياض سلامة كرجل أميركا الأول في لبنان وخلفيته كلّ المنظومة التي تديرها عوكر والخاضعة للتعليمة الأميركية ولو على حساب دم الناس و”شقا” أعمارهم، بدأ حزب الله بالتحرك أفقيًا بين الناس، لتقديم كلّ مساعدة ممكنة.. فكان الذين “بيقبضوا دولار” في صفوف الحزب أوّل المنتبهين إلى سوء الحال المحيط بهم، وسارعوا إلى إنشاء صندوق يضعون فيه من مالهم الحلال ليتم شراء وتوزيع ما تيسّر من المواد الغذائية والطبية وغيرها.. عدا عن قيام كلّ فرد منهم بتقاسم ما يتقاضاه مع قريب أو صديق أو جار، وبنسبة تكفل التقليل من أثر الأزمة.
استمر الدولار بالصعود. ومع الارتفاع الهائل في أسعار كل السّلع، جاهد هؤلاء الذين اعتادت بيوتهم أصلًا على الاستمرار بالقليل القليل ليبقوا مع الناس الذين انخفضت قدرتهم الشرائية إلى مستويات غير مسبوقة، فكانت “بطاقة السجّاد” التي تتيح لحاملها، لأي فئة انتمى، أن يشتري المواد الأساسية الضرورية من مخازن جُهزّت لهذا الغرض.
قامت قيامة الحاقدين. ومن عجز منهم عن انتقاد فكرة البطاقة، طالب بأن تكون هذه المخازن مفتوحة حتى للتجار والمحتكرين كي يشتروا منها البضائع بأسعار رخيصة ثمّ يبيعونها في السوق بأسعار عالية. استمر المشروع رغم العقبات، ورغم عدم امكانية توسيعه لتستفيد منه شريحة أكبر من المستفيدين الحاليين.
وحين استفحلت أزمة الدواء بمساهمة كبيرة من الوكالات الحصرية وبعض تجار الأزمات الذين أخفوا الأدوية في المخازن ريثما يتم رفع الدعم عنها بنيّة بيعها لاحقًا بأسعار مضاعفة، كان الدواء الإيراني الذي أدخله الحزب وأهله سلاحًا بوجه الاحتكار القاتل. وأيضًا هبّت منظومة استثمار وجع الناس ضدّ الدواء الإيراني المشهود له عالميًا، لكنّ أولوية الحق بالعلاج وبالشفاء كانت المحرّك الأساسي لعمل الحزب، دون التفات لمن يرمون القافلة بحجارة حقدهم.
وبعد، اشتدت الأزمة، طوابير لإذلال الناس عند محطات الوقود، غياب للكهرباء حتى تلك التي تأتي من الاشتراك في المولدات الخاصة. وبين التخزين الذي بدأت تتكشف كوارثه والذي بدأت تُكشف مواضعه بجهود الجيش، وبين السوق السوداء التي يعتاش التجار فيها على دم الناس وماء وجوههم، أراد المحاصِر عبر أدواته أن يحيل حياتنا جميعًا إلى جحيم يجعل الضعفاء منّا يزحفون نحوه خاضعين مستسلمين، لكن الحزب وبعد تمنّع الدولة اللبنانية بأوامر أميركية واضحة عن استيراد المحروقات من الجمهورية الإسلامية في إيران وبالليرة اللبنانية، اتفق مع الإخوة الإيرانيين، السند العظيم، على استقدام المازوت والمحروقات على متن البواخر والتي أعلن السيّد حسن نصر الله اليوم عن جهوزية ابحار السفينة الاولى منها باتجاه لبنان.
كلّ هذا، ويرفض أبناء حزب الله الخوض في جدالات حول ما فعلوه وما يفعله الحزب للناس.. بل ويطالب أهله باستيعاب كلّ ما يقال وبعدم الانجرار إلى الردّ على الافتراءات بمثلها.. بهذه الأخلاق يواجه الحزب الأزمة، بهذه الأخلاق المقترنة بالأفعال الطاهرة يجتهد أهل هذا الحزب للتخفيف من مفاعيل الأزمة، ولكن في البلاد قوم لو أسقاهم هذا الحزب عسلًا مصفىً لأبغضوه.. قوم لا يستحون.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.