متغيران يحتاجان لثابت واحد حتى ينكفئا

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

لا يمكن للمرء أن يمر مرور الكرام على حدثين خطرين تعرض لهما حزب الله في بحر أسبوع واحد، الحدث الأول هو عملية القتل غيلة بمنطقة خلدة والثاني ما حدث في منطقة حاصبيا. قد يتم استسهال هذين الحدثين واعتبارهما تصريف رؤى سياسية معادية للمقاومة بلبنان، ومحاولة جر حزب الله إلى حرب طائفية تضعف كيانه الجغرافي الداخلي، خصوصًا بعد فشل محاولة إسقاط النظام السياسي السوري وتثبيت مناطق نزاع مع حزب الله على أساس طائفي في المنطقة الحدودية اللبنانية – السورية.
لكن القارئ لكرونولوجيا الأحداث الكبرى والمتوسطة تجعله يعيد النظر في تقييمه لهذين الحدثين.

في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها جمهورية لبنان، كانت العين حقيقة على حزب الله لمعاينة كيفية تدبيره لأزمة بناء الثقة مع محيطه الاجتماعي والسياسي، وآلية تعامله مع الاحتقان الداخلي والمطالبة بكثير من الحزم في معالجة أزمة الفساد. إلا أنه وفي نفس الآن كانت هناك عملية كي وعي هادئة تبنى على مستويين، المستوى الأول جعل حزب الله جزءًا من المشكلة وأنه على مستوى التدبير السياسي لا يختلف كثيرًا عن باقي الفرقاء السياسيين. من هنا يتم الحديث عن “كلن يعني كلن” و”زمن المحاسبة “، والمستوى الثاني هو رفع منسوب الاحتقان الطائفي داخل نفس البيئة الاجتماعية لحلفائه، بشكل يجعل من حرية حركته الميدانية – بالمعنى القتالي نتحدث ـ تضيق وقد تختنق.
إلا أن ذلك فشل جزئيًا لاعتبار بسيط لكن هام جدًّا، وهو إقحام “مفهوم البصيرة” التي شكلت إسمنت بناء القرار القتالي عند حزب الله إلى ساحة “العمل السياسي “، وإن كان هذا الأمر يحتاج إلى مجهود معرفي أكبر وبناء ثقافة سياسية في هذا الاتجاه لاختلاف المتلقي واقعًا، لأن البصيرة الاستراتيجية والتي رسخت لدى حزب الله منذ تسعينيات القرن المنصرم كانت متأتية من جهة الانضباط الحزبي وسيلان المعرفة الاستراتيجية داخل جسمه من أعلى الهرم إلى قواعده، ولهذا بالضبط لم نعاين انفلاتًا سلوكيًا من قبل رجالاته ولو في أحلك الظروف، في حين أنه في مفروض الحال يسعى إلى تمريرها داخل بيئة اجتماعية أوسع غير متجانسة فعليًا، وليس ثمة سيلان معرفي متماسك.

من هنا المعضلة الأساس التي يلزم الاشتغال عليها، وهي بناء الثقافة السياسية المقاومة في قلب بيئة اجتماعية غير متجانسة وتجاوز مطرقة الواقعية، لأن الأخيرة تعيش حركة جدلية بين الرؤية والواقع، وأنه بمجرد تغيير معالم الواقع يتغير السلوك السياسي نحو الأرقى أو نحو الأرذل. البصيرة على أهميتها هي ارتقاء ذهني لكائن عاقل واعٍ بما يقع أمامه، لكنها ليست معطى بيولوجيًا يصل إليه الجميع، دون الأخذ بعين الاعتبار سوء النية والعمل بأجندات مخالفة. إنها تنمية سياسية أساسية، فمشروع ” قيصر ” لم يكن الغرض منه وحسب خنق محور المقاومة في بيئته الحيوية، بقدر ما كان يرمي إلى تفعيل مقولة “اعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله” بمعنى أن المقاومة الإسلامية وجود سياسي قتالي مقبول بشرط أن لا يؤثر على العمق الاقتصادي والاجتماعي للبلد، وغالبًا ما تم تمرير هكذا تصريحات وخصوصًا بعد عدوان 2006، والتركيز على الضرر الذي تكبده قطاع السياحة وغيره من الأنشطة الاقتصادية الخدماتية.

هذه الثنائية على حزب الله أن ينهيها معرفيًا وسياسيًا ضمن مقولة “ما لله هو حتمًا لقيصر”، بمعنى أن المجهود القتالي لحزب الله يؤثر بشكل إيجابي على العمق الاقتصادي والاجتماعي للبلد، لكن باستثمار سياسي أكثر فعالية ومراجعة السلوك السياسي بشكل جذري.
المتغيران الاثنان ليسا بالأمر الهين لكن جعل “البصيرة السياسية” مكملة لـ”البصيرة الاستراتيجية” كفيلة بتحويلهما إلى “حدث” مؤسف لن يتكرر، إذ في غياب البصيرة السياسية بما هي محمول معرفي مكمل وكاشف للبصيرة الاستراتيجية، قد ندخل مرحلة دراماتيكية خطيرة، تأكل من الصبر كما تأكل النار الحطب.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد