محور المقاومة وأحداث تونس من منظور تبديل قواعد اللعبة الأميركية في المتوسط

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

رغم فشل “الربيع العربي” في تحقيق أهدافه الاستراتيجية، إلا أن تداعياته أثبتت بكل أسف أنه حقق نجاحات على مستويين، الأول فكري، يتعلق بتزييف الوعي وفساد التحليلات وانحرافات البوصلة، والثاني سياسي، يتعلق باستقطابات حادة وتشرذم للقوى السياسية واستبدال للصراعات مع العدو بصراعات بينية.

ولعل أحدث ما جرى على الساحة العربية من قرارات للرئيس التونسي “قيس سعيد”، كانت كاشفة لحجم الفجوة بين التحديات التي يفرضها المشروع الاستعماري، وبين الاستجابة والتعاطي الشعبي والنخبوي مع الحدث، بما يؤكد نجاح مؤامرات الغرب، على الأقل في المستويين الفكري والسياسي المذكورين.

وهنا نحاول إلقاء الضوء على الحدث من زاوية أخرى، ونحاول أن تكون واسعة جغرافيًا وتاريخيًا، حيث لا يتعلق الحدث بتونس وحدها دون النظر لمحيطها الليبي والمغاربي والمتوسطي بشكل عام، كما لا يتعلق بلحظة زمنية منفصلة عما قبلها من أحداث وخطط بديلة.

كما سنحاول قراءة الحدث في سياق الصراع الدولي وانعكاساته الإقليمية، لنخلص منه إلى علاقة ما يحدث بمحور المقاومة وملامح المستقبل القريب، وذلك عبر هذه النقاط العشرة، محاولين الاختصار بقدر الإمكان بما لا يسمح بالإخلال:

1-ملاحقة اميركا لروسيا والصين في الجبهات المختلفة:
هناك أصوات أمريكية تعتبر أن الروس خرقوا اتفاقيات يالطا في عام 1945م، ومالطا في عام 1989م وهي تمثل تفاهمات بين روسيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، حيث تنص على عدم وجود الروس في شمال إفريقيا، وبالتالي فإن ما يحدث الآن وما يقوم به الروس في ليبيا يعد محاولة لإعادة رسم خرائط النفوذ والمصالح في منطقة تعني الكثير لأميركا.

ورغم الانسحابات الشكلية لأميركا، فإنها لن تترك المنطقة لسبب بسيط، وهو أن انسحاباتها تهدف لمواجهة روسيا والصين، وبالتالي لن تنسحب من مناطق تترك بها فراغا لهما، وهو ما يعني استمرار بصمات أميركا إما بالأصالة أو بالوكالة الأوروبية والإقليمية عبر التوابع والذيول العربية، ناهيك عن أمن العدو الإسرائيلي وارتباطه بأميركا.

2- اهتمام اميركا بالمتوسط:
لم يُغفل الفكر الإستراتيجي الأمريكي الأهمية الجيوستراتيجية لحوض البحر الأبيض المتوسط. ويعتبر الأمن المتوسطي من أهم ما يشغل الولايات المتحدة الأميركية لأنه يمس مباشرة مصالحها وأمنها القومي كقوة عظمى في العالم. وتعتبر الولايات المتحدة الأميركية سواحل شمال إفريقيا عبارة عن امتداد لسواحل أوروبا الأطلسية، ولإفريقيا المتوسطية، لذلك فهم يرون أن المنطقة بمواصفاتها الإستراتيجية يجب أن تكون تحت نفوذهم ولا يجب أن تكون تحت مراقبة قوة معادية لهم
3-اهتمام خاص بتونس:

موقع تونس الاستراتيجي يفرض نفسه على أيّ قوة عالمية تفكر في تعزيز مواقعها في منطقة البحر المتوسط وشمال أفريقيا، فيقع ما بين شبه جزيرة قليبية التونسية وجزيرة صقلية مضيق الرأس الطيب أو مضيق صقلية كما يسميه البعض، ويبلغ طول المضيق حوالي 120كم، وهو يتحكم في حركة عبور السفن ما بين حوض شرق البحر المتوسط، وحوضه الغربي، وغير بعيد عنه، توجد مدينة بنزرت التونسية، وهي ذات موقع استراتيجي مهمّ، فقد كانت بنزرت قاعدة عسكرية هامة خلال فترة الحماية الفرنسية من عام 1881م حتى عام 1955م، وتوجد بها قاعدة بحرية إستراتيجية.

4- اتفاقية التعاون العسكري مع تونس ودلالاتها:
في الوقت الذي زار فيه وزير الخارجية الأميركي السابق بومبيو اليونان في 28 سبتمبر عام 2020م، في ظل تصاعد التوتر بين تركيا واليونان، وصرح في مؤتمر صحفي بقوله إن بلاده تعمل مع أثينا من أجل تطوير كتيبة الإسناد البحري الأميركي بما يساهم في التصدي للدور الروسي وأنشطة موسكو الخبيثة، بدأ وزير الدفاع الأميركي وقتها جولة مغاربية من تونس، في سبتمبر لهذه السّنة 2020م، حيث وصل مارك اسبر إلى تونس، والتقى الرئيس التونسي قيس سعيد، وأعلن اسبر عن توقيع اتفاق للتعاون العسكري لمدة عشر سنوات، مؤكدا على أهمية التقارب مع تونس كشريك من أجل مواجهة تأزم الوضع في ليبيا.

وتعتبر واشنطن تونس حليفا مهما منذ عام 2015م دون أن تكون عضوا في حلف شمال الأطلسي وتقدم لها دعما مع تزايد الوضع تأزما في ليبيا.

5-المناورات ورسائل تأكيد التحالفات:
قادت الولايات المتحدة الأميركية مناورات عسكرية ضخمة في المغرب، وشاركت في مناورات “الأسد الأفريقي 2021” تسع دول إضافة إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وهذه الدول هي الولايات المتحدة الأميركية والمغرب وكندا وبريطانيا وهولندا وإيطاليا والبرازيل، إضافة إلى السنغال وتونس.

كما انطلقت مناورات “نسيم البحر” الاستفزازية لروسيا من 28 يونيو، إلى 10 يوليو المقبل، وعرفت مشاركة اربع دول عربية وهي المغرب، الامارات، مصر، تونس، الا ان تونس سارعت بنفي نيتها المشاركة رغم نشر جميع المواقع ووسائل الاعلام مشاركته، وبعد اختتام المناورات اعادت وسائل الاعلام تأكيد خبر مشاركتها!

6-الرعاية الأميركية والتنفيذ الأوروبي كصيغة عمل جديدة:
رصد موقع دويتشه فيله الألماني التنسيق الأميركي الأوروبي، حيث قال في تقرير له في بداية تسلم بايدن الرئاسة، إن من المتوقع أن يتواصل اهتمام واشنطن الاستراتيجي بمنطقة شمال إفريقيا، في ظل إعلان الرئيس المنتخب بايدن عن تكليف لشخصيتين لهما خبرة طويلة بمنطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية، بأهم منصبين في الدبلوماسية الأميركية، وهما أنطوني بلينكن مستشار الأمن القومي السابق في عهد إدارة الرئيس أوباما، بوزارة الخارجية، وليندا توماس غرينفيلد بمهمة السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، التي تولت في عهد إدارة الرئيس أوباما مهمة مساعدة وزير الخارجية لشؤون أفريقيا.

بيد أن إعادة ترتيب أجندة السياسة الأميركية في المنطقة، يتوقع أن يرافقها تنسيق مع القوى الأوروبية، بخلاف ما كان عليه الحال في ظل إدارة الرئيس ترامب، كما يرى انطوني دووركين كبير خبراء مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي في دراسة نشرت على موقع المركز الذي يوجد مقره بلندن، وبالتالي فإن الاستمرارية التي يرجح أن تطبع السياسة الأميركية في المنطقة المغاربية ستكون نقطة اتفاق مع الأوروبيين، لكن مهمة دعم الاصلاحات اللازمة لتحقيق الاستقرار في دول المنطقة ستكون مهمة أوروبية.

7-الجزائر ومحاولات الاستقطاب:
ورصد التقرير المشار إليه أيضًا أن محاور التنسيق الأوروبي الأميركي المتوقعة، تشمل دعم خطة السلام الأممية في الصحراء ودعوة الأطراف (المغرب وجبهة البيساريو والجزائر وموريتانيا) إلى الحوار من أجل التوصل إلى “حل سياسي عادل ودائم ومقبول من كل الأطراف”.

وقد أكدت الأحداث صحة ما جاء بالتقرير، حيث وجه محمد السادس ملك المغرب، في خطابه السنوي احتفالا بذكرى جلوسه على العرش، دعوة إلى الجارة الجزائر لتفعيل الحوار من أجل تطوير العلاقات المشتركة بين البلدين!

8-سياسة الاحتواء والفارق بين بايدن وترامب:

سياسة الاحتواء الأميركية، هي سياسة قديمة وأصيلة، توصل جورج كينان لها من خلال رسالة مطولة وصف فيها أهداف القوة في السياسة الخارجية السوفياتية، وسعت الولايات المتحدة الأميركية من خلال سياسة الاحتواء التي اقترحها كينان إلى الحد من التوسع السوفياتي وتطويقه والعمل على تأمين الدعم للأنظمة الرأسمالية والسياسية الموالية لسياسة الولايات المتحدة الأميركية من خلال المساعدات بمختلف أشكالها لا سيما الاقتصادية منها والسعي إلى “إبقاء الاتحاد السوفياتي ضمن الحدود العسكرية التي رسمت في نهاية الحرب العالمية الثانية.”

ويبدو أن ترامب انضم إلى المنتقدين لهذه السياسة رغم ظهور ملامحها في بعض سياساته، ولكنه بدا أقرب لآراء المنتقدين مثل والتر ليبمان الذي انتقدها لما اعتبره انها افضت إلى إفراط واستنزاف موارد أميركا واعتبرها لا تخدم سياستها.
ومثل ونسون تشرشل، الذي اعتبر أنه من خلال المفاوضات يستطيع الغرب الوصول إلى أهدافه بشكل أسرع والتمكن من الحسم.

أما بايدن فقد أعاد الاعتبار لسياسة الاحتواء بشكل حرفي وهو ما ينعكس على احيائه لدور الناتو وممارساته في المحيط الروسي والصيني وفي تعاطيه مع ايران ومحيطها الحيوي.

9-تقرير اسرائيلي كاشف لتغيير قواعد اللعبة:
نشر موقع Jewish News Syndicate مقالا للكاتب Eran Lerman يتناول فيه أهمية أن تقوم إدارة بايدن بوضع التوترات في شرق المتوسط من ضمن أولويات سياستها الخارجية وتعديل سلوك تركيا فى الإقليم. وهو ما يعني قبل ذكر بعض مما ورد بالتقرير، أن هناك تغييرًا لقواعد اللعبة بالاستغناء عن أطراف الربيع العربي وتبديل مراكزها، والإطاحة بتركيا من المتوسط، وهو يفسر تقارب بايدن مع الانظمة المعادية لتركيا والتي أطاحت بالتنظيمات التي تشكل نفوذا تركيا مثل تنظيم الاخوان.

ومما ورد بالتقرير، أن من مصلحة “إسرائيل”) وشركائها فى التحالف الإقليمى تنبيه الإدارة والكونجرس إلى أهمية وجود مسار متماسك لسياسات الولايات المتحدة تجاه شرق المتوسط، وإلا ستتفاقم التوترات التي كانت موجودة بالفعل فى الإقليم والتى تهدد المصالح الأميركية، والتى نتجت فى الأساس عن السياسات الأميركية المتذبذبة تجاه تركيا وتعاطفها مع المشروع العثماني الجديد لأردوغان، مضيفًا أن القواعد يجب أن تتغير وعلى المستوى الاستراتيجى، يجب على أميركا التخلص من خريطة ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة التركية الليبية وخوض مفاوضات مفتوحة مع اليونان ومصر تهدف إلى الوصول إلى حل وسط يخدم الجميع، بما فيهم “إسرائيل”، وقال: “ما يجب على إسرائيل أن تسعى إليه هو لفت انتباه الإدارة الأميركية الجديدة واقتراح طريقة عملية لتمكين تركيا من تغيير مسارها وبالتالي تأخذ مكانها المناسب في تحالف إقليمى تحت قيادة الولايات المتحدة. ويمكن لحلفاء الولايات المتحدة في الخليج أن يساعدوا فى تقديم حوافز إيجابية لهذا النوع من الانتقال”.

10-الخلاصة وعلاقة ما يحدث بمحور المقاومة:
لا ينفصل عمل أميركا في غرب المتوسط عن عملها في شرقه، وهو ما يعني أن إدارة بايدن ستستمر في سياسة الاحتواء بمحاصرة ما ترى أنه نفوذ روسي وصيني وإيراني، أي ستستمر في حصار محور المقاومة أيضًا، وستحاول فعل ما هو ممكن لحفظ مصالح العدو الاسرائيلي في الغاز المتوسطي عبر رعاية انظمة موالية لها عن طريق وسطاء إقليميين غير تركيا التي انتهى دورها بنهاية حقبة الربيع العربي والتي لا تلقى قبولا أوربيا وخاصة فرنسيا، وبالتالي نحن مقبلون على الدخول في حقبة جديدة تلعب بها تركيا أدوارًا اخرى في مناطق أخرى. وهذا يعني أن مستقبل التفاهمات غامض واحتمالات التصعيد أكبر من أي وقت مضى.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد