حلويات على جثث الفلسطينيين: احتفال قانوني بالجريمة
في قاعة الكنيست، “معبد السياسة الصهيونية”، المكان اللي يُصاغ فيه الاحتلال بلغة القانون، وتُلبَس فيه الجرائم ثوب “الشرعية”، ومع تصفيق الأعضاء، قُدِّمت حلويات كأنها تذكار لانتصارٍ احتُسب على رقاب بشر. مشهد لا يقل وحشية عن الجريمة نفسها: وزير الأمن القومي يوزع كعكات، وأصوات الفرح تتعالى، بينما يُسنُّ الكنيست قانونًا يُقرّ الإعدام كأداةٍ رسمية ضدّ أسرى ومحتجزين يُصنّفون كـ«مهدّدين». هذا ليس مشهدًا هزليًا، بل لحظة تجلٍّ مؤسّسي لشرعنة القتل.
هذا القانون لا يزعم حماية الأمن بقدر ما يمنح الدولة غطاءً لتصفية أي صوت مقاوم، ولإعلان الإعدام سيفًا قانونيًا يقطع كلّ بصيص أمل في أي مفاوضة أو صفقة تبادل. إنهم دائماً لا يقتلون باسم القانون فحسب بل يحوّلون القانون نفسه إلى آلةِ قتلٍ منظّمَة. من يصدرون هذا القانون يصلبون العدالة على مذبح السياسة.
التبرير الرسمي بـ«الردع» هو قناعٌ رفيع لشرعنة القمع. أما الحقيقة فهي أبسط وأقسى: هذا تشريعٌ يوسّع دائرة الاستهداف، ويعفي القتلة المنظّمين من المساءلة. من ينهب الأرض ويقتل ويُسهِم في تشريد المدنيين يُتركون دون محاسبة، بينما يُحوّل الأسرى والمحتجزون إلى محكومين بالإعدام قبل أن يُحاكموا بعدالة.
توزيع الحلوى في قاعة الكنيست ليس فعلًا مُستقلاً، بل رسالةٌ سياسية مضمّخة بالدم: نحتفل بالقمع، ونحوّل الفظاعة إلى مناسبة. ومن يصف ذلك بـ«الردع» يغيّب الضمائر كي ينتقل المجتمع تدريجيًا من حياة مدنية إلى ثقافةٍ تجعل القتل قانونًا روتينيًا.
قانونهم وحشي يقتل الأمل قبل أن يقتل الأجساد، يضرب أي أفقٍ لتبادل أو تفاهم، ويحوّل أي محاولة لإنقاذ أسرى أو للتوسّط إلى ترفٍ مستحيل. الدولة التي تصدر مثل هذه القوانين لا تعمل على الأمن بل على تصعيد العنف وإضفاء طابعٍ قانوني على الإبادة الرمزية.
ومن سيُحاسَب؟ لا أحد. مؤسساتها تمنح نفسها حصانةً أخلاقية وقانونية. ومن يبكي على «الاستقرار» بينما يطبّق حكم الإعدام كأداةٍ انتقامية؟ من يتفوّهون بخطاب «السيادة» وهم يمدّون يد القانون لتبرير القتل؟ هذا ليس صراعًا قانونيًا باردًا، بل إعلان عن فقدان الإنسانية كمبدأٍ وجذرٍ لأي شرعية.
إنها دعوةٌ إلى العالم، ليس لمجرد الإدانة الكلاميّة، بل لمحاسبة فعلية: عقوبات حقيقية، مقاطعات، ومحاكمات لمرتكبي جرائمٍ تُشرّعها دساتير مؤقتة. لأن الصمت الدولي عن مثل هذا التحوّل إلى دولةٍ تصدر قوانين إعدامٍ سياسية يعني أن العدالة تُستبدَل بالمكافأة على الإفلات من العقاب.
وفي ختام هذا المشهد المريع، يبقى السؤال المركّب: هل سيبقى القانون مجرد أداةٍ للقمع تُشترى بتصفيقات وحلوى، أم أن العدالة ستنتفض لتقول كلمتها الأخيرة؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.