البلديات اللبنانية صناديق جباية.. كيف تتحول إلى محرّك تنمية مستدامة؟
في ظلّ غياب الدولة المركزية وتراجع قدرتها على التمويل والدعم، تجد البلديات في لبنان نفسها أمام تحدٍّ وجودي:
هل تبقى في دائرة الجباية والتحصيل لتغطية النفقات التشغيلية المحدودة، أم تنتقل إلى مرحلة جديدة، تتبنى فيها منهج الاستثمار والإنتاج، وتتحول إلى محركات تنمية محلية مستدامة؟
الواقع الراهن: بلديات بلا موارد ولا رؤية
تعيش معظم البلديات اللبنانية أزمة مركبة:
شحّ في الموارد المالية بسبب توقف التحويلات من الصندوق البلدي المستقل.
ضعف في الجباية المحلية بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة.
غياب الكفاءات الإدارية المتخصصة في مجالات التخطيط والاقتصاد.
اعتماد شبه كامل على المساعدات والمبادرات الفردية.
هذه العوامل جعلت البلديات تدور في حلقة مغلقة من التحصيل والإنفاق، من دون أي قدرة على خلق موارد جديدة أو الاستثمار في الأصول التي تمتلكها.
من الجباية إلى الإنتاج: التحول المطلوب
لم يعد ممكنًا أن تبقى البلديات مجرد أجهزة لتحصيل الرسوم أو تنفيذ أعمال خدمية بسيطة. المرحلة المقبلة تتطلب تحولًا بنيويًا في العقلية والوظيفة:
من إدارة الخدمات إلى إدارة الموارد.
من إنفاق الموازنة إلى إنتاج القيمة.
من انتظار التمويل إلى خلق الشراكات والاستثمارات.
هذا التحول لا يعني خصخصة العمل البلدي، بل تفعيل دوره الاقتصادي عبر تأسيس شركات أو صناديق استثمارية محلية، على غرار التجربة السورية السابقة في شركة دمشق الشام القابضة.
البلديات الزراعية والريفية: الفرصة الكبرى
في القرى والبلدات الزراعية، تملك البلديات كنزًا حقيقيًا لم يُستثمر بعد:
الأراضي البلدية الواسعة.
اليد العاملة المحلية.
الموارد الطبيعية والمياه.
إمكانية إقامة مشاريع زراعية، وصناعات غذائية صغيرة، وسياحة بيئية.
هذه المشاريع يمكن أن تُدار بشراكة ذكية مع القطاع الخاص والجمعيات التعاونية، لتتحول البلديات إلى مراكز إنتاج غذائي محلي، وتؤمّن فرص عمل وتخفف الهجرة.
الحلول والخطوات العملية
- تحديث القوانين البلدية بما يسمح بتأسيس شركات استثمارية تابعة للبلديات، تعمل وفق قواعد الشفافية والمساءلة.
- إجراء جرد شامل للأصول البلدية (أراضٍ، مبانٍ، مرافق) وتحويلها إلى أصول منتجة.
- تأسيس صناديق تنمية محلية بالشراكة مع المغتربين والجمعيات الأهلية.
- إطلاق مشاريع مستدامة في إدارة النفايات، الزراعة، والوقود الحيوي (حبيبات الخشب للتدفئة)، معالجة مخلفات مسالخ اللحوم وتحويلها الى بروتين علفي.
- بناء قدرات إدارية جديدة عبر تدريب رؤساء البلديات والموظفين على مفاهيم الإدارة الاقتصادية والحوكمة.
الأفق: نحو بلدية منتجة ومستقلة
الأفق الحقيقي للتنمية المحلية في لبنان يكمن في تحويل البلديات من أجهزة تابعة إلى مؤسسات مستقلة مالياً ومنتجة اقتصادياً. فكل بلدية يمكن أن تكون نواة صغيرة لدولة منتجة، إذا ما أُديرت مواردها بعقلية اقتصادية حديثة، وانفتحت على شراكات تنموية فاعلة. البلدية التي تزرع وتنتج وتستثمر، لا تحتاج أن تنتظر الدولة، لأنها تصنع نموذجها بنفسها وتعيد بناء الثقة بين المواطن والإدارة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.