خطاب الكراهية في لبنان: من سينال رتبة الأقذر؟!

14

الصحافي علي حمادة مخاطبًا الشيعة: “شو هو الشي المثالي اللي عم تعطوه بالعلم أو بالسياحة أو بالثقافة أو في البسط والسرور.. قاعدين بكل دول الغرب ليه ما بتهاجروا عالصين وعلى روسيا؟ وبرجوازيتكم حلمها انها تكون بـ كان وبموناكو!”

قبل البدء، هذه الكلمات غير موجهّة لشخص قائلها، فحاشا لكلماتنا أن تخاطب الساقطين جهارًا في أدنى المعايير الأخلاقية والوطنية، ولكنّها ردّ على خطاب كراهية، بحسب أدبيات ومفردات العالم “المتحضّر”، على خطاب عنصريّ إلغائي لا يعبّر عن شيء بقدر بؤس الناطقين به، وسقوطهم. هي ردّ للحجر لا إلى حيث جاء، فالرامي أداة، بل إلى الأرض التي فيها صُنع، فاقتضى التنويه.

بات معتادًا أن نسمع خطابات عدوانية موجّهة إلى أهل المقاومة في لبنان. ولعلّ المدعو علي حمادة وجد نفسه في منافسة حامية على نيل مرتبة أقذر ما قيل ويُقال، فهرع إلى “ميكروفون” وصحافية تسأله كي يدلي بما في دلوه من عنصرية وكراهية ورغبة بالإلغاء. دعنا من أكذوبة “حرية الرأي”، فالكلام المثقل بهذا المقدار من الحقد لا يمكن أن يدخل مسمّى الرأي بأي ظرف من الظروف. ودعنا من ادعاءات حمادة ومن مثله حول قدسية الاختلاف وحرية الانتماء وكلّ هذه الشعارات التي أوّل من يسقط عنها المزايدون فيها. المدعو حمادة تعمّد مخاطبة الناس المنتمين إلى خطّ المقاومة بطريقة أرادها فوقية، فجاءت محمّلة بكم هائل من الحقد والحسد، و”ضيقة العين”.

وضع هذا الناطق نفسه في رتبة من يحاكم ويطرح الأسئلة على الجمع الذي سمّاه الشهيد الأسمى، سيّد شهداء محور المقاومة، بأشرف الناس. تمامًا كما قد يخطر ببال كائن مجهريّ تائه في تراب بور أن يسائل الشّمس بأسلوب تشكيكيّ وتقليليّ وتضليليّ، حافلٍ بالاستغباء، ينضح بالكثير ممّا يمكن لذكره أن يُحسب في ميدان القوانين “قدحًا وذمًّا”، ويظل أقلّ من التوصيف المستحقّ.

يشكك الكائن المجهري هذا، عذرًا، يشكّك المدعو حمادة بعلم وثقافة ونمط عيش أشرف الناس. يفترض أنّهم أهل جهل وجاهلية، فيسألهم عمّا قدّموا أو عمّا يستطيعون أصلًا تقديمه في هذه ميادين العلم والثقافة. المشكلة أنّ قليل الشأن يرضي شعوره بالنقص بافتراض أنّ من يعاديهم هم أقلّ منه شأنًا، ولا داعي لتذكير هذا بالنسب العددية التي تضع أهل المقاومة في لبنان في أعلى رتب المتعلّمين والمثقفين وأصحاب العيش الشريف الكريم. فالمسألة لا تُقاس كما تريد نزعات التضليل الكامنة في هؤلاء. ولكن ننصحه بأن يسأل الغرب و”إسرائيل” عن سبب استهداف الكثير من المهندسين وحملة الشهادات العلمية العالية بشكل خاص في الاغتيالات شبه اليومية. وربّما عليه أن يراجع جداول النقابات في البلد كي يدرك مدى الإحراج الذي وضع نفسه فيه إذ ذهب في التضليل إلى حدّ بات من غير الممكن أن يصدّقه، حتى ألدّ أعداء المقاومة. وسنفترض، أنّنا، نحن أهل المقاومة، قوم أميّون لا نعرف عن الثقافة إلّا اسمها وعن العلم إلّا صروحه المخصّصة لمن ليسوا من جلدتنا، هل نُسأل عمّا قدّمنا في هذه البلاد؟ ذرات دمنا في أرضها تغلّف حبّات التراب يا هذا. تقف في النور وفي الدفء وبكل استغباء تسأل الشموس الساطعة عمّا قدّمت؟ ألهذا الدرك وصلت بك وبمن مثلك أزمة الإفلاس الأخلاقيّ قبل السياسيّ، حتى تضع نفسك موضع الجاهل، المرصّع جهله بالحقد وبالحسد؟ ثمَ من قال لهذه الكائنات الملوثة بذرّات الشوفينية الحاقدة أنّ المقاومة طرحت يومًا مشروع تدمير الغرب؟ هل حقًّا بلغ بهم الجهل حدّ اعتبار الدفاع عن النفس والأرض وتحرير عنق بلادنا من التبعية للأنظمة الغربية التي تنهب مقدّراتها وتستعبد من مثلكم فيها هو تدمير للغرب؟ هل يرى هذا الكائن أبعد من أنفه قليلًا أعداد “الغربيين” الذين نظموا تظاهرات واحتجاجات ضدّ أنظمتهم التي تدعم “إسرائيل”؟ بالطبع لا فأنفه محشور في ما يفعل أهل المقاومة وما لا يفعلون، وعقله مستلب لما يراه المنبطح في انبطاحه، فلا أفق ينظره كي يرى الحقائق.

أغلب الظنّ يحتاج هذا، ومن مثله، إلى دورات محوّ أميّة ثقافية، وعلاجات عاجلة وطارئة للمفاهيم التي على ما يبدو بلغت مراحل متقدّمة من السميّة!

وبعد، ما الذي يغيظ هؤلاء في كون بعض الناس من أهل المقاومة يحملون جنسيات أخرى أو يرغبون بذلك؟ ما الضّرر الذي يهدّد نرجسية هؤلاء في أمر شخصيّ جدًا وفي خيارات لا تؤثّر سلبًا ولا إيجابًا على أيّ أحد، اللهم إلّا إذا افترض المنبطح المبهور بالغرب أنّ أهل المقاومة ينافسونه على جنسية أو باسبور. وبذلك ليس عليه أن يقلق، فانتماء بورجوازية أشرف الناس كما فقرائهم، هو للتراب الذي فيه بذلوا دمهم وأعزّ ما لديهم.

هذا الخطاب الاستفهاميّ العنصريّ المغالي في إبداء البغض والكراهية، تضمّن دعوة للناس بأن يتركوا البلاد ويتجهوا شرقًا إلى الصين وروسيا. ونطمئنه، نحن موجودون في كلّ البلاد، في كلّ بقعة أرض مأهولة بالإنسان، نذهب حيث نشاء، حيث يجب، حيث نحتاج. أمّا من هو مثلك، سيظلّ عالقًا في بقعة حقده، يستجدي مموّلًا كي يعمل كمرتزق، وما أكثر المرتزقة في الصحافة! ومن مثلك، عليه أن يحمد الله على وجودنا وحضورنا ألف مرّة في اليوم، فبدوننا لن تجد “ميكروفونًا” يضخّم هزالة صوتك، ولا صحافية تسأله فيجيب! يا هذا، نحن أهل الأرض، موضوعك اليوميّ ومصدر خبزك، لولا ذلك، كنت ستُضطر إلى تأدية خدمات أحقر من تلك التي تؤديها الآن في بلاط السفراء، كي تكسب كفاف يومك!

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.