رئيس الحكومة إذا نطق

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

“عصر تصدير الثورة الإيرانية انتهى”، وقد حسمها رئيس الحكومة اللبنانيّ نواف سلام بشكل مبرم. لذا يُطلب إلى الإخوة في إيران، سلطات وشعبًا، ألّا يتحدثوا بصوتٍ عالٍ حتّى عن إنجازات ثورتهم الإسلامية المباركة وعن قيمها كي لا ينزعج معاليه، ويا حبّذا لو ألغوا هذه الثورة من تاريخهم كي لا تكون أنموذجًا يؤرق حضرته، عساه يتفرّغ لمزاولة أبسط واجباته الوظيفية!

اختار الرئيس سلام لموقفه هذا لحظة تاريخية لا شكّ أنّه عاجز عن تلقّفها؛ فعلى الصعيد المحلّي، ثمّة أولويات ملحّة وجب أن يحسم فيها سلام موقفًا عوض الانشغال بـ”تلطيش” الجمهورية الإسلامية في إيران في سبيل أن يُشهد له عند أميرٍ ما، أو حتّى عند موظّفة دبلوماسية تعمل في نقل التهديدات وتتخصّص في انتهاك كرامات “الحكومة” في البلد. على سبيل المثال، الاغتيالات شبه اليومية، العدوان المتواصل، الأراضي المحتلّة، ملف إعادة الإعمار، وغيرها وغيرها من الملفات الضاغطة والتي يتوجّب فيها أن يصل سلام ليله بنهاره كي يبدو على قدر المسؤولية التي عليه تحمّلها والتي وردت مفصّلة في بيان حكومته الوزاري. ففي الواقع، بدأت تراود الجمهور شكوك حول أن سلام لم يتسنّ له الاطلاع على هذا البيان لانشغاله طبعًا في اجتراح أساليب إساءة إلى الجمهورية الإسلامية، تارّة بمنع طائراتها من الهبوط في مطار بيروت، وليس في مطار ورثه عن أبيه، وطورًا برفض كلّ صيغ المعونات والمساعدات والدعم التي يعرضها الإيراني على لبنان. والمؤسف حقًّا، أن ترى على كرسي مسميّ على السلطة التنفيذية عاجزًا لا يجرؤ على القبول بمساعدة غير مشروطة تنفيذًا لشروط مذلّة وضعها الأميركي عبر مبعوثة تتفنّن في إظهار عدم الاحترام تجاه شخصه ومنصبه، وبكلام أدقّ الإذلال.

يقوم سلام متعمّدًا بالتعبير عن الولاء المطلق لهذه الجهة “الفنانة بالإذلال” عبر تناول الجهة التي تحترم بلده حدّ مساعدته بكلّ شيء مقابل أن يبقى عزيزًا. في هذه اللحظة التاريخية، التي يبدو أن سلام لم يرها، يقوم بما يقوم به، ضاربًا عرض الحائط لا بأبسط مفاهيم السيادة فحسب، بل أيضًا بكرامته الشخصية وحضوره لاحقًا في كتب التاريخ بعد سنوات: ما كان موقف رئيس حكومة لبنان إبان الاعتداءات الأميركية الإسرائيلية على بلده؟ أعلن أن عصر تصدير الثورة الإيرانية! والنّعم!

على المستوى الإقليمي، فشل سلام أيضًا في تلقّف اللحظة إذ اختار التعدّي على إيران ومعاداتها في المرحلة التي يعلن فيها سيّده الأميركي عن رغبة متوهّجة بنجاح ملفّ التفاوض معها، ندًّا لندّ، وفي المرحلة التي تحاول فيها السعودية صياغة تقارب مع الجمهورية على مستويات مختلفة. هل يفعل سلام ذلك عن جهل وعجز عن اختيار المواقيت المناسبة، أم يحاول التعاطي بملَكية أكثر من الملك في مقاربة موضوع العلاقة مع إيران؟ أغلب الظنّ أن سلام يتحرّك مأمورًا ولا يملك أن يختار ما سيقول ومتى، ولذلك يضعه من يتقربون من إيران في “بوز مدفع” التعرّض لها، فيما هم فوق الطاولة وتحتها يحاولون ترتيب الأمور في المنطقة بالتفاعل الإيجابي معها.

قد يقول قائل إنّ سلام لم يتمرّس بعد بالعمل السياسي وإنّه يتحرّك بناء على معطيات لحظوية من دون تفكّر وتفكير في ما هو أبعد قليلًا من الأنف، إلّا أن الأمر أبعد من ذلك إذ لم تشهد رئاسة الحكومة اللبنانية تاريخيًا ركاكة بهذا القدر وبهذا الوضوح. والرجل الذي يحاول الظهور بمظهر الحاسم، منذ البداية يتخّذ المواقف الغريبة والخارجة عن أيّ سياق منطقي، فيُضحك الجمهور مرة ويثير عجبه مرات.

أمّا بعد، يا أيّها الرئيس، قد يُعذرُ الجاهل بالتاريخ وبالسياقات المنطقية وباللحظات المفصلية في العالم إن أخطأ أو أساء التقدير، على أن يكون مستوى مسؤولياته والواجبات المفروضة عليه لا يتخطّى “لجنة بناية” في حيّ قديم منسيّ، أمّا أن يكون رئيس حكومة، فالجهل، إن سلّمنا جدلًا به وهو أهون الأمرَين، يوجب عليه أن يتعلّم ويستشير قبل النطق، لأن بعض المنطوق قد يبقى مذمّة لناطقه جيلًا بعد جيل.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد