حياة مروة – خاص الناشر |
منذ عقود عدة، وخلال نشأته نجح حزب الله بتقديم نفسه نموذجًا راعيًا لأمن أبناء بيئته خاصة ووطنه عامة، عبر سرديات واضحة تتجلى بالدفاع عن مظلومية طائفته تاريخيًّا، وعن كرامته الوطنية، حيث بدا مدافعا شرسًا عن الكرامة الوطنية في وجه أي احتلال أو عدوان صهيوني أو إرهابي. وكان للبعد العقائدي دور بارز في خطاباته التي انتهجها على مرّ تلك العقود، تزامنًا مع كلّ الأحداث التي رافقت نشأته، وفي ظل المتغيرات الإقليمية والأمنية التي كانت تعصف بالمنطقة، الأمر الذي أدى إلى التزام جمهوره به وتضاعف أسهم الدعم المعنوي لديه خصوصًا بعد تحرير الـ ٢٠٠٠ وحرب تموز ٢٠٠٦.
وإذا أردنا الخوض في مفاصل هذه العلاقة نرى أن ركيزتها الثابتة نابعة من أيديولوجيا مقدسة تكمن في الحفاظ على التماسك الديني والعقائدي الذي ترجم بالقوّة الوازنة، وهذه القوّة كما بدت واضحة، نجحت في رسم معادلات الردع لعقود عدّة في ظل التحديات الصعبة، وفي خضم حروبٍ متكرّرة وشرسة تشهدها المنطقة، حيث بدت شرعية المقاومة واضحة مع الغياب الجدي لدور الدولة والردع الرسمي لأي احتلال. وبعد الحرب الطاحنة التي شهدها لبنان منذ شهور عدّة والتي لا تزال مستمرة عبر الخروقات الواضحة لـ”إسرائيل” منذ وقف إطلاق النار، وفي ظل الضعف العسكري والخلاف في القرار السياسي الموحد حول إستراتيجية دفاع قومي تحمي الأرض من همجية الاحتلال.
إن إيمان البيئة الحاضنة لحزب الله بأن سلاح المقاومة هو الذي يحفظها ويدافع عنها يجعلها لا ترضى بأي مساومة على سلاح الحزب، خصوصًا أن الدولة يلزمها مسار طويل ومعقّد للإصلاح مع غياب واضح لقدرة الجيش على مواجهة العدو، وانهيار اقتصادي واضح يغرقنا في دوامة الحاجة إلى دعم خارجي.
لقد أصبح البلد اليوم رهن خيارين: إما نزع السلاح أو إعادة الاعمار، ما يجعل البعض يعتقد أن السلاح تحول إلى عبء لا أداة دعم وحماية، وطبعًا هذه السردية هي لأعداء المقاومة والمرتهنين للوصاية الخارجية الذين يروجون لها بشكل علني وصريح، على عكس ما يعتقده شعب المقاومة، حتّى وإن تململ بعضهم من الوضع الاقتصادي الراهن وعدم بدء ورشة إعادة الإعمار. لكن حتى المتململين لا اعتراض لديهم على استمرار وجود سلاح المقاومة ولا يرضون بنزعه أو تسليمه للدولة، وإذا أردنا العودة بالزمن إلى الحرب السابقة التي شهدها لبنان عام ٢٠٠٦ يمكننا أخذ العبرة كنموذج حي لما جرى في ذلك الوقت حيث لم تؤثر كل أدوات الضغط الخارجية والداخلية على خيار التمسك لدى هذه البيئة بمقاومتها في ظل القرار ١٧٠١ الذي كان يطالها من ناحية، والضغط الداخلي المتمثل بالقوى المعارضة لهذه البيئة والتي اعتبرت أن حزب الله قد جرها إلى حرب كان السبب في اندلاعها من ناحية أخرى. وعليه فإن كل تلك الضغوطات وحجم الدمار الهائل الذي لحق بالبنى التحتية لم يثنِ هذه البيئة عن خيار التمسك بمعادلة الردع التي حققها حزب الله في تلك الحقبة.
وكمثال آخر حي في ظل الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان عام ٢٠١٩ ونجمت عنها سلسلة الانهيارات المتتالية على كافة الصعد فقد كان لحزب الله النصيب الأكبر عبر الضغط الأمريكي عليه من خلال العقوبات المتتالية والعزل المالي بهدف “تجفيف منابع المال”، ومحاصرة البيئة الحاضنة للمقاومة، لتدفع ثمن الولاء لحزب الله، واللعب على وتر الوضع المعيشي الصعب الذي دفع ببعض المؤيدين للانخراط بصفوف الثورة لكن سرعان ما انسحبوا حين ادركوا أن الهدف هو نزع سلاح حزب الله والقضاء عليه بتفكيك مشروعه تحت مظلة المطالب المعيشية المحقة، وبالتالي فشلت هذه التجربة كحد أدنى من سلب هذه البيئة خيار الانكفاء عنه وظل مناصرو الحزب وبيئته يمدانه بالشرعية على الرغم من كل تلك الادعاءات. وعليه بناء على ما تقدم فإن السؤال الذي يطرح نفسه إلى متى ستظل هذه الوسائل تحاول اللعب على وتر المشروعية؟ وما مدى قدرة البيئة على تخطي هذه العوائق في ظل كل ما يمر به البلد من استنزاف متفجر؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.