سلاح حزب الله بين الوهم والردع: الصمت الإستراتيجي الذي يُرعب “إسرائيل”

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

د. أكرم شمص – خاص الناشر

في اللحظة التي ما زالت فيها فلسطين تُقصف، ولبنان مهدّدًا، وسورية مُحاصرة، تطفو على السطح مجددًا دعوات “تسليم السلاح” و”دمج المقاومة في الدولة”، وكأن العدوّ قد أصبح حمامة سلام، وكأنّنا نعيش في سويسرا لا على خطوط التماس مع أخطر كيان استعماري في العالم.

هذه الدعوات، وإن لبست ثوب الإصلاح والسيادة، إلا أنها في جوهرها لا تنفصل عن مشروع إخضاع الشعوب، وتجريدها من أدوات الدفاع عن نفسها، وإعادتها إلى موقع المستَجدِي أمام عدوٍ لم يُخفِ يومًا أطماعه ولا مجازره. فكيف نُسلّم السلاح في ظل احتلال قائم، وعدوّ يتربص، وسلطات دولية صمّاء عن حقوقنا، وساحات ملتهبة لا تعرف الاستقرار؟

إن سلاح المقاومة ليس بندقية بيد مقاتل فقط، بل هو رمزية لقضية وهوية وثقة بين الأرض وأهلها. تسليمه في هذه الظروف لا يُعدّ قرارًا سياسيًا، بل خطيئة وجودية تفتح أبواب الهيمنة مجددًا وتُنهي مفاعيل الردع التي بُنيت بالدم والتضحيات.

صمت الحزب.. إستراتيجية لا ارتباك
يشتد الجدل في الداخل اللبناني وتتعالى الأصوات الدولية المطالبة بنزع سلاح حزب الله، وتتكشف ملامح واقع مغاير لما يُروّج في بعض وسائل الإعلام والدوائر الدبلوماسية. فالسلاح الذي تصفه المقاومة بـ”السلاح المقدس”، لا يزال في موقعه الإستراتيجي ضمن معادلة الردع، غير مطروح للتسليم، إلا وفق شروط سيادية واضحة، أبرزها: انسحاب الاحتلال من النقاط الخمسة جنوب لبنان، ووقف الخروقات الجوية، وتحرير الأسرى، وتفعيل إستراتيجية دفاعية شاملة تُسلّح الجيش وتحمي الوطن.

في هذا السياق، يؤكد مسؤولون في حزب الله أن ما يُثار حول “مناقشة مستقبل السلاح” لا يعني القبول بتفكيكه، بل الدخول في حوار وطني تحت سقف السيادة لمقاربة ملف الدفاع عن لبنان، في ظل العدوان المستمر والتوسع الصهيوني المتجدد. ويُذكّر بعضُ المسؤولين في الحزب بوصية الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله، أن اليد التي تمتد إلى سلاح المقاومة ستُقطع. والمقاومة لا تُقاس بقوتها فقط، بل بوعي جمهورها. ولجمهور المقاومة، قال المسؤولون في حزب الله بوضوح: “كل ما تسمعونه هوبرات، لا تتأثروا بها… لا توجد قوة تستطيع نزع السلاح”. إنها رسالة طمأنة للداخل، وتحذير للخارج، بأن اليد التي مدّت إلينا السلاح هي يد الله، ولا يمكن أن تُقصَف أو تُلْوى، ولا تسليم للسلاح إلا إذا تحقق الانسحاب الكامل، ووقف العدوان، واستُعيدت السيادة بلا قيد ولا شرط.

ويرى مراقبون أن حزب الله يعتمد اليوم ما يُوصف بـ”الصمت الإستراتيجي”، وهو صمت يربك العدوّ أكثر من أي تصريح. ففي حين تسعى “تل أبيب” وبعض القوى الغربية لتضييق الخناق إعلاميًا وسياسيًا، يُبقي الحزب أوراقه العسكرية والسياسية قيد الحفظ، دون تراجع أو إعلان نوايا.

هذا الصمت لم يكن يومًا دليلًا على تراجع، بل كان دومًا سلاحًا إضافيًا في معركة الوعي والإرباك، وورقة ضغط موجهة نحو العدوّ الصهيوني وبعض أبواقه في الداخل اللبناني، ممّن يروّجون سيناريوهات افتراضية حول “نزع السلاح”، رغم أن الواقع ينسفها من الأساس.

لا تسليم خارج إستراتيجية دفاعية
كل من يتحدث عن تسليم سلاح حزب الله دون ربطه بسياق الإستراتيجية الدفاعية، يتجاهل أن لبنان ما زال بلدًا محتلًا ومنتهك السيادة، وأن هناك خمس نقاط حدودية ما زالت تحت الاحتلال الصهيوني، من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا إلى الجزء اللبناني من الغجر. كما أن الأجواء اللبنانية تُستباح يوميًا بطائرات العدو، دون أي ردع دولي أو حماية حقيقية من الجيش اللبناني.

فكيف يُطلَب من المقاومة تسليم سلاحها، والعدو ما زال يتمركز خلف التلال، ويتسلّل في السماء، ويعتقل الأسرى اللبنانيين في سجونه؟

كيف نناقش “النزع” ( كلمة في الحقيقة لا وجود لها في قاموس المقاومات عبر التاريخ) بينما لم يتحقق أي من الشروط الوطنية التي تضمن الحد الأدنى من السيادة والاستقلال؟

إنّ الحديث عن السلاح لا يبدأ من تفكيكه، بل من بناء إستراتيجية دفاعية تبدأ بتسليح الجيش اللبناني، وتأمين قدراته التقنية والعسكرية، لتكون له اليد العليا في حماية الحدود والدفاع عن الأرض، جنبًا إلى جنب مع معادلة الجيش والشعب والمقاومة.

ثلاث فرضيات.. وسيناريوهات بلا أرضية
في المقابل، تتداول بعض الأوساط السياسية والإعلامية ثلاثة سيناريوهات محتملة لمصير السلاح:

  1. حوار مع الدولة يُفضي إلى تسليم تدريجي.
  2. فرض خارجي يُقايض بين المساعدات ونزع السلاح.
  3. عدوان واسع النطاق من جهة البقاع بقيادة العدوّ الصهيوني لتفكيك ترسانة الحزب بالقوّة.

إلا أن جميع هذه السيناريوهات، وفق المعطيات الواقعية، تبقى رهينة الأمنيات والتحليلات الرغبوية، ولا تنسجم مع الموقف الرسمي للمقاومة ولا مع الوقائع الميدانية والعقائدية التي تحكم مسار حزب الله.

مقاومة باقية في وجه حلم مكسور
منذ انطلاقتها، أكدت المقاومة أن سلاحها ليس بندقية بيد مقاتل فحسب، بل هو هوية وطنية، وتجسيد لإرادة شعب اختار المواجهة بدل الخنوع، وأن حزب الله، الذي التزم بدماء الشهداء، ووفى لقياداته من السيد الشهيد عباس الموسوي إلى السيد الشهيد حسن نصر الله، لا يُمكن أن يفرّط بالسلاح الذي حفظ لبنان، وردع العدو، وحرّر الأرض. ومن يراهن على تحوّل هذا السلاح إلى ملف إداري، أو بند في خطة حكومية، يقرأ الواقع بعين العدو. وإن ما يُحاك ضدّ المقاومة لا يمكن فصله عن المشروع الصهيوني الأكبر، الذي قال زعماء العدوّ الصهيوني عنه بوضوح: “نحن بانتظار تسليم سلاح حزب الله، لتحقيق حلم الكيان الغاصب من النيل إلى الفرات”. هذا الحلم لم يكن شعارًا شعبيًا عابرًا، بل هو عقيدة توسعية دفينة، تُجدَّد في كلّ لحظة ضعف داخلية عربية، وتُنفَّذ عبر التطبيع، والحصار، والفتن الطائفية، وخلق البدائل الناعمة عن القوّة الصلبة. ومن هنا يصبح من البديهي أن التمسك بهذا السلاح هو الخيار الوحيد لحماية لبنان من السقوط في فخ الاستسلام الإقليمي الشامل.

الخلاصة
رغم ما تعرّض له حزب الله من استنزاف جزئي وخسائر بشرية في صفوفه، إلا أنّه لا يزال في مرحلة إعادة تموضع وبناء لا تراجع، يراجع فيها بنيته القيادية والميدانية دون أن يمسّ بعقيدته المقاومة. وفي وجه الضغوط السياسية والدبلوماسية، يتبنى الحزب صمتًا إستراتيجيًا مدروسًا، يرعب العدوّ أكثر من صواريخه، ويدفع الخصوم إلى تخيّل سيناريوهات غير واقعية عن مستقبل سلاحه. فالمقاومة اليوم ما زالت على جهوزيتها، وسلاحها ليس مطروحًا للتسليم، بل مرتبط بتحقيق الشروط الوطنية السيادية، وفي مقدمتها تحرير الأرض، ووقف العدوان، وبناء جيش قادر. إنّ الحديث عن نزع هذا السلاح دون استكمال هذه الشروط، ليس سوى حلم مؤجل لبعض مراكز النفوذ الغربية، يقابله واقع ثابت: المقاومة باقية، وسلاحها حاضر، وصمتها أقوى من كلّ الضغوط.

الحقيقة كما يقول الواقع لا الروايات: سلاح حزب الله ما زال فاعلًا، والقدرة الصاروخية ما زالت قائمة، والقرار بيد قيادة تدرك أين تضع النار ومتى تشعلها.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد