محمد شمس الدين – الناشر |
تناقش الدوائر السياسية في الدول “المعنية” بمتابعة المفاوضات بشأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والأزمات الناشئة عنه، العديد من المقترحات التي فرضها خطاب الحكومة الإسرائيلية وسقف الأهداف التي وضعتها وبدأت على إثرها عمليتها البرية التدميربة لكامل القطاع المحاصر.
أولى هذه الأهداف كان بإعلان تل أبيب عن نيتها “اقتلاع” حركة حماس وتصفية وجودها العسكري والسياسي واستبدال سلطتها بسلطة “فلسطينية” تكون على اتفاق معها وتعمل على حل المشاكل والنزاعات مع الدولة العبرية خارج إطار النشاط المسلح ولو كان بمستوى “القضية الفلسطينة” التي اعتبرت “إسرائيل” أنها وضعتها في غياهب النسيان على الأقل على المستوى العربي بعد اجتياحها للبنان عام 1982 وخروج منظمة التحرير منه والتي كانت تتخذه “مقرًا وممرًا” للعمل “الفدائي” على طريق تحرير فلسطين.
ما طرحته “إسرائيل” لجهة “تصفية حماس” كفصيل مقاومة فلسطينية مسلحة، يعيد خلط الأوراق حول الحلول المطروحة للقضية الفلسطينية التي أعادتها حماس إلى صدارة القضايا العربية والعالمية كأهم قضية على الإطلاق تتعلق بمصير شعب حرم من أرضه بطرده منها عنوة واحتلالها تحت شعارات كاذبة وأساطير مختلقة، الأمر الذي يفتح مجددًا باب الصراع مع “إسرائيل” على مصراعيه بعدما استعاد الفلسطينيون زمام المبادرة حول قضيتهم “بأنفسهم”، وليس عبر الداعمين والمساندين وذلك من خلال ما أسمتها حماس عملية “طوفان الأقصى”، وهو الهجوم العسكري غير المسبوق بتاريخ الصراع الذي يعود إلى أكثر من سبعين عامًا.
أعادت حركة حماس القضية المركزية للعرب والمسلمين وحتى أحرار العالم الى الواجهة “بقوة السلاح” الذي عملت “إسرائيل” على ضربه منذ قيام “الثورة الفلسطينية” التي قادها ياسر عرفات إلى حين وفاته بظروف غامضة وهو إذ عاد إلى جزء من فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة) نتيجة “مفاوضات أوسلو”، معلنًا في حينه قيام الدولة الفلسطينة وعاصمتها القدس، إلا أن الطريق التي سلكها وكان سيستمر بها مغايرة تمامًا لما جرت عليه الأمور بعده، فهو قد نجح في إعادة الفلسطينيين الى فلسطين منتزعًا هذا الحق بطرق مختلفة، لا لتحجيم الصراع مع العدو وإنما لقناعته بأن مقارعة العدو من الداخل ستكون أجدى وإن سلكت سبيلًا أقل عنفًا.
بعد تجربة مريرة جال فيها “أبو عمار” على بلدان عدة في المنطقة وخارجها، وجد أن العودة الى فلسطين بأي شكل من الأشكال هي انتصار “بالنقاط” على عدو يستحيل أن تنتصر عليه دفعة واحدة فيما العالم القريب والبعيد يقف في ظهره. هذه العودة ولو أنها جاءت ضمن ضوابط صارمة من قبل الاحتلال، إلا أنها شكلت العمود الفقري للمقاومة الجارية حاليًا ضد الاحتلال في قطاع غزة.
هذه القناعة التي تتمحور حول القتال من الداخل هي التي تشكل عقيدة حركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى ولو دمرت كل فلسطين وليس قطاع غزة وحسب ومهما بلغ حجم التضحيات البشرية من شهداء وجرحى ومعوقين، إلا أن عقارب الساعة بالنسبة لهم لن تعود إلى الوراء ولن يتم التخلي عن مساحة الوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية حيث هي القاعدة الأساس لأي مشروع تحرير لكامل التراب الفلسطيني، وما جولة الحرب التي حصلت، استمرت أو انحسرت، وما نتج عنها حتى الآن من مفاعيل وتداعيات يؤكد على أن لا مكان “لحل الدولتين” كمشروع سياسي يمكن تبنيه.
مجريات حرب غزة تشي بأن الفلسطينيين لن يخطئوا مرة أخرى بترك أرضهم أو التخلي عن سلاحهم الذي يشكل السبيل الوحيد لتحرير بلادهم، لذلك فإن كل ما يطرح من مشاريع لوقف الحرب، إن لجهة إحلال قوات مراقبة دولية كمرحلة انتقالية إلى حين البت بحل النزاع، أو تمكين سلطة أخرى غير المقاومة الفلسطينية المسلحة لإدارة القطاع أو ما هو أوسع من ذلك، لن يجد له آذانًا صاغية.
الفلسطينيون عمومًا باتوا يدركون أن حجم التضحيات الذي قدم حتى الآن لا يسمح بقبول أي حل وهم يُعبّرون عن خيار المقاومة المسلحة كسبيل وحيد لتحرير بلادهم، مسقطين بذلك سبل أخرى تنتهجها جهات فلسطينية تراهن “إسرائيل” عليها، في حين أن الحرب الأخيرة أسقطت شرعيتها.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.