لا يحتاج الإعلام الصهيوني إلى صفعة بحجم الاستيقاظ على خبر الطوفان كي نشهد تخبّطه المعتاد في التغطيات الإخبارية وفي تحاليله المتناقضة للمشهد على الأرض، فهو في أكثر الأوقات هدوءًا، يُرى مترنّحًا لا يرسو على برّ في نقل خبر: يؤكّد ثم ينفي، يعلن ثم يمحو إعلانه، يهدّد ثم يتباكى.. فكيف به الآن وكلّ كيانه يهتز منذ صباح السبت في زلزال مدمّر بلغ درجة الـ ١١٠٠ على مقياس تعداد “فطائس الصهيونية” ولم يزل الزلزال كما العد مستمرًا.
بصراحة، لا يُحسد الإعلام الصهيوني المدجج بكل أسلحة القتال المنظّم والذي لطالما تصرّف كجيش موازٍ على حاله. فالمشهد بالنسبة إليه لا يُربك فقط. هو مشهد قاتل بكل المقاييس: عدد أسرى وقتلى غير مسبوق في تاريخ الكيان، محاور قتالية مفتوحة، حالة هلع صادمة في الشارع الصهيوني، جيش مربك وقيادات متناحرة ما زادها الإرباك إلّا جنوحًا نحو الهستيريا.
في العادة، يحاول الإعلام الصهيوني، كرأس حربة في الحرب النفسية ضدّنا، التسويق لوهم تفوّقه في كلّ أحواله، وفي سبيل هذا هو يتورّط في الكثير من الأحيان بانكشاف أكاذيبه، تمامًا كما يفعل اعلامنا المحليّ المتصهين، إلّا أنّه منذ بدء طوفان الأقصى، غرق تمامًا تحت سيل الهزيمة الهدّار، صارت أكاذيبه تبلغ مراتب “الجدبنة” بكل سماتها: تارّة يجنح إلى المكابرة ويتجاهل النزيف المشهود الذي يشهده الكيان، فيهدّد ويتوعّد ويعد بإعادة الأسرى – وكأنّه أصلًا يمتلك خيارًا كهذا – وطورًا ينهار أمام هول المشاهد فيصبح هو ونحن على كيانه. تارة ينقل التهديدات التي يصرّح بها بعض الواهمين المكابرين من قيادات كيانه، وطورًا يرتمي على الأرض ويبدأ بالعويل ناعيًا قتلاه، الذين تنكّر لحقيقة سقوطهم قبل خبر أو خبرين! تارّة يتخّذ دور المهدِّد للجبهة الشمالية واعدًا المقاومة في لبنان بالأهوال وطورًا يتباكى مطالبًا كلّ من يمرّ بشارعه بمنع حزب الله من الدخول على خط المعركة وفتح الجبهة الشمالية. يفعل كل هذا بانسياب سلس بين الشيء ونقيضه.
ويمكن القول بضمير مرتاح، إن الخط الاعلامي الموازي له في لبنان، لنقل ظلّه الناطق بالعربية، بقي أكثر تماسكًا بحيث حافظ على رباطة جأشه في الترويج لرغبات الكيان الصهيوني وفي تلميع صورة الجيش المهزوم، في محاولة لإخفاء قرص الشمس الساطع بخبر عاجل على mtv مثلًا يؤكد أن الجيش الاسرائيلي لم يزل قويًّا وأنّه قادر على استعادة ما خسر!
بالعودة إلى الأصيل، فالوكيل يحتاج إلى مجلدات توصّف خياناته المتلاحقة، تظهر تخبّطات الاعلام الصهيوني بشكل هائل وفاضح حين يتعلّق الأمر بالجبهة مع لبنان. يصبح الأمر كوميديًا بامتياز. على سبيل المثال: يبثّ خبرًا عن “حدث أمني” في الجليل، ثمَّ يسارع إلى النفيّ.. أو يقول برشقة صواريخ من لبنان ثم يستعجل البتَّ بأنّها ليست من حزب الله، قبل أن يتبيّن أصلًا إن كان هناك فعلًا رشقة صواريخ! يستعجل كي لا يضع كيانه في موقف المفضوح بعجزه المتنامي، ظنًّا منه أنه سيستطيع بعد الان لملمة فضائحه.
عيننا على إعلام العدو في هذه الأيام ليس من باب “اعرف عدوّك” فقد صرنا نعرفه جيدًا، وليس لمتابعة أخبار هزائمه فهي ساطعة بحيث لا تحتاج إلى تغطيات تكشفها.. عيننا عليه الآن لأنّه مرآة الكيان، المتكسرة بتصدّعه، والعاكسة لحقيقة اقترابه من النهاية.. هذه النهاية، نحبّ أن نراها، بل أن نكحّل أعيننا بمرآها، من كل زوايا المشهد، ولعل الإعلام الصهيوني الآن وهو يغرق في طوفان الأقصى ويتخبّط لافظًا آخر أنفاسه، هو أصدق صورة عن قرب زوال إسرائيل وأكثرها وضوحًا..
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.