في إطار تكثيف المساعي الأميركية لفرملة الاندفاعة السعودية تجاه الصين، بعد “اتفاق بكين الثلاثي”، بخاصة في شقها الدبلوماسي والاقتصادي، جاءت زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إلى السعودية، مطلع الشهر الجاري. وقبل أن تحط طائرة المسؤول الأميركية على أراضي المملكة، سرّب الإعلام الغربية، أبرز البنود المدرجة على جدول أعمال الزيارة. ومن بين تلك التسريبات، ما أورده موقع “أكسيوس” حول نيّة سوليفان البحث مع المسؤولين السعوديين، مبادرة أميركية جديدة في مجال البنية التحتية، تشمل ربط دول الخليج بالهند بحرًا عبر عدة موانئ، وبراً عبر شبكة من الطرق والسكك الحديدية.
في العمق، انصبّت التسريبات الغربية، نقلًا عن مصادر أميركية و”إسرائيلية”، على فكرة أنّ المحادثات التي أجراها، مستشار الأمن القومي الأميركي، مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تمّت بحضور مستشاري الأمن القومي لكل من الإمارات والهند، كإشارة ضمنية إلى رغبة واشنطن بضم السعودية إلى منتدى ما يُعرف بـ “I2U2″، ذلك أنّ فكرة المشروع الطموح طُرِحت للمرة الأولى خلال محادثات على مدى الـ 18 شهرًا الماضية بين دول المنتدى، وهو يضم الدولتين المذكورتين إلى جانب الولايات المتحدة و”إسرائيل”. خلفيات المشروع، والذي هو أشبه بـ”نسخة مؤمركة” عن مبادرة “الحزام والطريق”، تستهدف طرح بديل لها، لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي في الشرق الأوسط.
من هنا، لا يبدو مستغربًا القول إن الهند والولايات المتحدة مستعدتان لبذل جهودهما المشتركة لمواجهة الصين في منطقة ما وراء المحيطين الهندي والهادئ، وتحديدًا في الشرق الأوسط، لا سيما أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تنظر إلى الربط الإقليمي بين الهند، وبلدان الخليج باعتباره إحدى وسائل تحقيق التوازن مع الصينيين. وفي هذا الصدد، ألمحت مجلة “فورين بوليسي”، إلى أنّ مشاركة الهند في مشروع إقليمي تنموي مصغّر، قياسًا بـ”مبادرة الحزام والطريق”، تأتي بدافع الرد على بصمة الصين المتنامية في الشرق الأوسط، الذي يكتسي أهمية متزايدة بالنسبة لحكومة ناراندرا مودي، بالنظر إلى وجود ملايين من العمالة الهندية هناك، فضلًا عن المصالح التجارية الكبيرة لبلاده مع دول المنطقة، باعتبارها إحدى أكبر الشركاء التجاريين لنيودلهي خلال الأعوام الأخيرة. وتشير المجلة الأميركية إلى أن الهند ترمي إلى توظيف نجاحها في بناء أكبر شبكة سكك حديدية على مستوى بلدان آسيا، والاستفادة أيضًا من سجلها الحافل في إنشاء مشروعات تصدير الطاقة الكهربائية، لتعزيز سمعتها ودورها كجهة منفّذة واعدة على صعيد البنى التحتية.
على هذا، ينظر المسؤولون الهنود إلى المبادرة الجديدة بعين الأمل، على طريق تعميق بصمة بلادهم في مشروعات البنى التحتية على مستوى الشرق الأوسط في مواجهة “الحزام والطريق”، وفق المجلة. وفي المحصلة، يبرز مشروع الربط الإقليمي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة، في إطار منتدى I2U2، بالتعاون مع الرياض، مدى استفادة الهند من “اتفاقيات أبراهام”، لمد نفوذها الدبلوماسي والتجاري في الشرق الأوسط، علمًا أن التجمع الرباعي تأسس بعد موجة “التطبيع” العربي “الإسرائيلي” خلال عهد الإدارة الأميركية السابقة.
وانطلاقًا من أنّ السعودية تعد أحد الشركاء غير الرسميين في منتدى I2U2، لأسباب تتعلق بتحفظها عن التطبيع مع “إسرائيل” حتى اللحظة، ربطًا بشروط تطلبها من “حليفتها الكبرى” في مقابل هذا التطبيع، يتكشف “طريق الحرير” الأميركي عن هدف آخر مستتر، يتصل بمخطط تطبيعي سياسي ودبلوماسي بين الرياض وتل أبيب، من البوابة التجارية والاستثمارية. الحركة الدبلوماسية الأميركية المكوكية خلال الأسابيع الماضية، على خط الرياض- تل أبيب، عكستها زيارة سوليفان الأخيرة إلى العاصمة السعودية، وقبلها بنحو شهر زيارة قام بها مدير الاستخبارات المركزية الأميركية ويليام بيرنز إلى المملكة. وخلال الأسبوع الجاري، أجرى المدير العام لوزارة الخارجية “الإسرائيلية”، رونين ليفي سلسلة لقاءات في واشنطن مع كبار مسؤولي إدارة بايدن، حيث بحث في آفاق الدفع بمسار التطبيع بين “إسرائيل” والسعودية، ودول افريقية كالسودان.
ومن جملة من التقاهم ليفي خلال اجتماعاته في البيت الأبيض والكونغرس ووزارة الخارجية، المنسق الرئاسي الأميركي الخاص بالطاقة، عاموس هوكشتاين، ومنسق البيت الأبيض للشؤون الأمنية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، بريت ماكغورك، اللذان عادا للتو من لقاء مع رئيس الحكومة “الإسرائيلية” بنيامين نتنياهو لإطلاعه على جو مباحثاتهما في الرياض ضمن الوفد المرافق لسوليفان بشأن مشروع ربط الهند بدول الخليج، وصولًا إلى الساحل الفلسطيني المحتل. وفي هذا الإطار، كشف مصدر دبلوماسي “إسرائيلي” لموقع “المونيتور” أنّ زيارة ليفي إلى الولايات المتحدة تندرج ضمن الاتصالات المستمرة بين الإدارة الأميركية و”إسرائيل” بشأن مساعيهما توسيع مسار “أبراهام”.
هذا، وتنقل تقارير غربية عن مصادر أميركية رفيعة، قولها إنّ الرئيس بايدن بصدد التخطيط “لإطلاق جهود دبلوماسية نوعية خلال الأشهر السبعة المقبلة للدفع قدماً باتفاق سلام” بين الرياض وتل أبيب. وتلفت المصادر عينها، لموقع “أكسيوس” إلى أن البيت الأبيض يود أن يتم حسم أمر توقيع مثل هذا الاتفاق قبل نهاية العام، أي قبل أن تطغى الحملة الانتخابية الرئاسية المرتقبة على أجندة الرئيس جو بايدن السياسية، على ما عداها من اعتبارات. وتتابع المصادر أنّ ولي العهد السعودي “غير مهتم حاليًا بالانخراط في خطوات تدريجية نحو تعزيز العلاقات مع إسرائيل، لكنه مهتم بالعمل مع إدارة بايدن على التفاهم بشأن سلة شاملة تشمل، التطبيع (مع إسرائيل)، إلى جانب ترسيخ تعاون أمني أكثر متانة بين السعودية والولايات المتحدة”.
ما سبق، يتقاطع مع ما خلص إليه موقع “المونيتور”، نقلًا عن مصادر دبلوماسية “إسرائيلية”، بأن “مفتاح الاتفاق الإسرائيلي السعودي متوفر لدى واشنطن، ذلك أنه، وخلافًا لما يفترضه كثيرون، يأخذ مكانه على طاولة مكتب الرئيس بايدن، وليس قابعًا في ثنايا درج جانبي داخله”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.