إذا كانت الولايات المتحدة تضع في أولوياتها احتواء إيران وعزلها على الصعيد الدولي، من خلال “سياسة العصا والجزرة”، فإن #الصين، في المقابل، تعد العدة لدمج #ايران في النظام العالمي، من خلال جعلها شريكاً أساسياً في مبادراتها الإقليمية في سياق استراتيجي أوسع غالباً ما يحمل عناوين ظرفية أكثر إلحاحاً وفق صيغة “النفط مقابل الاستثمارات”. تأسيساً على ذلك، يرى الباحث المتخصص في السياسة الخارجية الصينية، في معهد “راند” للبحوث الاستراتيجية، سكوت هارولد، أن القادة الصينيين يقدّرون أهمية العلاقة مع إيران باعتبارها دولة واقعة خارج نطاق النفوذ الجيوسياسي للولايات المتحدة. فمبادرة الرئيس الصيني تشي جينينغ، المعروفة بـ “الحزام والطريق”، تشكل أداة ضرورية لإنشاء سلسلة من مشاريع البنى التحتية من طرق وممرات بحرية تمتد من آسيا إلى القارتين الافريقية والأوروبية، وهي تحمل بعدين، الأول اقتصادي يتركز حول تعزيز التجارة الصينية، وربط الصين بالأسواق العالمية، أما الثاني، فيتركز حول تعزيز العلاقات السياسية مع الدول التي تضمها المبادرة. فمن منظور القيادة الصينية، تعد إيران ضلعاً رئيسياً في “الخطة الصينية الكبرى”، البالغة قيمتها تريليون دولار، نظراً إلى موقعها الجغرافي المميز باعتبارها الجسر البري الوحيد المتاح بين دول آسيا الوسطى، المجاورة للصين، والخليج ودول القوقاز، وهي أقاليم ثلاثة تطمح “الجمهورية الشيوعية” إلى ممارسة دور سياسي واقتصادي مهيمن فيها، فضلاً عن دور إيران الذي لا يمكن الاستغناء عنه في أي ترتيبات أمنية إقليمية، أو تحالفات أمنية مستقبلية بسبب الاستقرار السياسي الذي تتمتع به قياساً بالدول المجاورة لها، غير المستقرة سياسياً وأمنياً.
وبالنظر إلى أنّه لدى آسيا الوسطى ثلاثة منافذ نحو الأسواق العالمية، أحدها يمر عبر روسيا، فيما يمر الباقيان عبر الصين، وإيران، فإن التنفيذ الناجح لخطة “الحزام والطريق”، ضمن مدة تتراوح بين 10 و15 سنة، سوف يمنحها سيطرة فعلية على اثنين من تلك المنافذ. وفي هذا السياق، تقود كازاخستان، وهي أحد أهم حلفاء الصين، الجهود لتعزيز الروابط الإقليمية بين دول آسيا الوسطى وإيران. ففي أواخر العام 2014، افتتحت آستانا بالتعاون مع إيران وتركمانستان، خط سكة حديد بطول 575 ميلًا بين الدول الثلاث. وبعدها بعامين، وصلت أول شحنة بضائع قادمة من الصين إلى إيران عبر خط السكك الحديدية الرابط بينها وبين كازاخستان وتركمانستان. ومع نجاح الصين في دفع عجلة التعاون الاقتصادي بينها، وبين دول إيران، مروراً بآسيا الوسطى، ما ساعدها في تجاوز روسيا لتصبح أكبر شريك تجاري لها، فهي باتت تضع نُصب أعينها دفع علاقاتها مع تلك الدول، على الصعيدين الأمني والعسكري.
وبدافع القلق وهشاشة الوضع الأمني والسياسي داخل بلدان آسيا الوسطى، والخشية من تبعات انكشاف إيران أمام الهجمة الغربية في حال عزلها، وعدم إدماجها في فضاء النفوذ الصيني، عكفت #بكين مؤخراً على تفعيل سبل الاستفادة من بنية تحتية مؤسساتية رعت القيادة الصينية ظروف نشأتها وتطورها على مر العقود الماضية، على غرار “منظمة شنغهاي للتعاون”، (SCO)، وهي منظمة إقليمية ذات طابع أمني، تقودها الصين، وروسيا وتضم دولاً عدة أبرزها الهند، وباكستان، وإيران، ومعظم دول آسيا الوسطى. من هنا، لا يبدو مستغرباً، ارتباط بكين وطهران بسلسلة من الاتفاقيات الدفاعية، منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي. ورغم العلاقات التجارية الوثيقة بين الصين، وخصوم إيران الخليجيين، وفي طليعتهم السعودية، إلا أن البعد الأمني لتلك العلاقات مغيّب إلى حد كبير، ويكاد ينحصر في إطار التعاون في مجال “مكافحة الإرهاب”، في حين تعوّل الصين على إغراء الإيرانيين من خلال بناء روابط أمنية وثيقة بديلة عن الغرب، باعتبار إيران دولة قومية متجذّرة في الشرق الأوسط، تتمتع بمقدرات عسكرية واقتصادية وازنة.
في المقابل، يبدو أن إيران تنطلق من تجربتها المريرة مع العزلة الغربية، المكلفة دبلوماسياً واقتصادياً، للمشاركة في تحالفات إقليمية ودولية ذات طابع أمني، أو اقتصادي، وإطلاق ورشة التكامل الاقتصادي الإقليمي بعيداً عن الاملاءات الأميركية. كذلك، تعقد طهران الآمال على المساعدة الصينية لتطوير ميناء تشابهار على شواطئها الجنوبية الشرقية، بوصفه أحد أهم المنافذ التجارية نحو بلدان آسيا الوسطى، وبهدف جعله منافساً لميناء دبي، وإن كان الأمر لا يخلو من عقبات بسبب استثمار الهند، وهي ند شرس للصين في جنوب آسيا، في الميناء الإيراني المذكور، إلى جانب ما يُشاع جول وجود نية لدى اليابان أيضاً، في حال رفع العقوبات الغربية عنها، لطرح نفسها كأحد المستثمرين فيه، من دون نسيان الإشارة إلى تركيز الصين على تطوير ميناء غوادار الباكستاني، المجاور والمنافس لتشابهار.
وإلى جانب اتفاقية “الشراكة الاستراتيجية الشاملة” والتي اشتملت على موافقة الصينيين على ضخ استثمارات داخل إيران بنحو 400 مليار دولار، خصوصاً في قطاع الطاقة والبتروكيماويات، تتشارك كل من بكين وطهران الاهتمامات إزاء عدد من الأزمات، وفي طليعتها الأزمة السورية، بحيث تتقارب حساباتهما حيالها لا لا سيما أن مشروع إعادة إعمار سوريا بعد الحرب يمثل جزءاً لا يتجزأ من بنود خطة “الحزام والطريق” في الشرق الأوسط. وبحسب محللين أميركيين، فإن الخطة التي أطلقها الرئيس الصيني عام 2013، أو ما يُطلق عليها “طريق الحرير”، إلى جانب المبادرات الصينية الأخرى على غرار “البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية”، تأتي في سياق “الاستراتيجية الصينية الكبرى” الرامية إلى زعزعة الأركان الاقتصادية للنظام العالمي الذي تهيمن عليه واشنطن، لصالح نظام تريده الصين “أكثر عدلاً”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.