د. محمد حسين سبيتي – خاص الناشر |
في ذكرى القادة الشهداء، يرسم المجد حروفه مع كلّ أذان، وتنهل الذكرى من معين أمجادها ما لا يخطر على قلب بشر، كيف لا، ونحن نستحضر أمجاد أبطال أمّة، ونستلهم من جهادهم نصرًا ونجاة، ومن شهادتهم روح حياة؟
هؤلاء، رسموا دروب أمة، أيقنوا أنّهم عابرون، وسيعبر معهم كلّ سالك، كلّ قلب مجاهد أسرج في نواته مداد حبّ الحسين عليه السلام، فلم تعرف مساراته سوى نبض سيّد الشهداء، مسارات نهج الأولياء، نهج قادة هم شهداء أمة.
في ذكراهم، تتأهّب الأرض لتستقبل من أحياها، تتألق السماء زينةً بكواكب شهداء حضنوا ثناياها فازدانت ألقًا وبهاء، وتتهيّب الأرواح في محضر الأنس لتنسج عبير الحضور فوّاحًا بين العالمين، وتتطاير في أروقة عروجهم نسمات عبيرها قدسي، لا يستشعر بها إلاّ عابر عشق في مسار شهادة.
السيد عباس الموسوي
قادةٌ شهداء وشهداءٌ قادة، أنموذج الخير والنور والقداسة، سيّدهم السيد عباس، سيد قافلة العروج إلى الخلود، إلى دار السلام، إلى حيث الأنوار الأبديّة. خطَّ مسير جهاده على واحة ولائية، وأبرق إلى كلِّ المجاهدين رسائل عشقٍ فدائية، ثائرٌ لم يأبه بألوان الدنيا، جمع في عينيه موجًا وبحرًا، وأبحر في بحور الجهاد باحثًا عن قبلة النصر، مسجّلًا في عين الشمس شعاعًا مستدام النور، وفي عين الجهاد غفوة شهادة.
الشيخ راغب حرب
وعن تاريخ وذكرى، وعن ثورةٍ في أرضٍ عاملية، قادها شيخٌ رَغِب في لقاء الله بلهفة مودّع، مودِعًا في نفوس مريديه عصارة عشقٍ لجهاد، وبأسًا لا نظير له، وروح حياة من وحي شهادة. قال مقولته ولم يلتفت يمينًا ولا يسارًا “دم الشهيد إذا سقط فبيد الله يسقط”، فكانت قلادة كلّ مجاهد، ومن روحِ فحواها انطلقوا أفواجًا أفواجًا، رايتهم منارة ومعلَم، ونشيدهم نرغب في لقياك، في أرضك ومثواك، نلتفّ بعباءتك، فهي دليلنا والكساء، ونهتدي بمداد عمامتك، فهي فخرنا والولاء.
الحاج عماد مغنية
وعن تاريخ وذكرى، عن عماد كلّ مجاهد، عن أيقونة البطولة، وهبَ النصر نصرًا، وعرج في معراج الرضى، مختصرًا تاريخ مقاومة، ومعتمرًا رضوانها، ومستشهدًا بقربانها. اغتنى بما أوحته له السماء، وارتوى بماء مَعين، فخطا في مسلك العارفين، مدركًا ومتداركًا، ملهمًا ومؤنسًا، ليخطّ بإشارة يديه مسار جهادٍ لأمّة النصر، ومدارًا عتاده من وحي الأثير، ليقتفي أثره كل مستبصرٍ لوحي شهادة.
لا عجب في عماد مقاومة أنّه عمادها، فكان أنموذجها وعنوان جهادها، والرائد في شجاعته ونبراس قوّتها، وعزيزها، وشمسها وقمرها، فكيف لا، والشمسُ خجلت من ضياء جبينه، حين انبرى بعنفوانه على أرضٍ ارتضى أن يرويها بدمه، فأنبتت سبع سنابل، في كلّ سنبلة بذور جهاد وحصاد نصر وشهادة.
وعن تاريخ وذكرى، عن أرضٍ من بلادي ارتوت من دماء قادة، عن صفحات ناصعة لا تاريخ يسجّلها، ولا ذكرى تحويها، عن سجلٍّ لا تطويه أحداث، بل روايتهم أصل الرواية، ومن حروف أسمائهم تُصنع كلّ بداية ونهاية، ليسجل المجد في ناصيته تاريخ شهادة وانتصار وأجمل حكاية. هؤلاء لا قدرة لي على وصفهم، عاطفتي تأسرني، ودمعتي تكسرني، فقد مرّوا من هنا، ورقدوا هناك، وأنا ما بين مرورهم وجنانهم أحار في شجوني، فمن بينهم أهلي واخواني.
نعم، هم مسكني، ومأواي، وملجئي، والوِرْد والحجاب، والفخر والسؤدد والأصالة، هم شهداء بلادي انتصروا ونصروا، وما استكانوا، اعتصموا بحبلٍ متين، امتدّ من أصالة بلاد عامليّة، تسلّموا من شهدائها راية الإقدام والنصر، عفّروا جبينهم بتراب ومطر من مسكن رياض رفاق الدرب، فأسكنوا نفوسهم عزائم أهل اليقين، فسطّروا البطولات في كلّ حدب وصوب، إلى ما بعد أرض الشام، والسلام.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.