قُتِلَ. وُجدَ مقتولًا. عُثِر عليه جثّةً هامدة. جملٌ تبدأ بفعل ماضٍ للمجهول، والفعل الماضي يدلُّ على أن قُضي الأمر ويظلّ فاعله مجهولًا إلى أن تشي به جملة لاحقة، أو ينكشف من خبرٍ سبق. وإلى أن يصبح معلومًا، يمكن للمتلقّي تقدير الفاعل بناء على معطيات سابقة تمكّنه من تخيّل بعض سماته.
لا نتحدّث هنا عن تحقيق جنائي ليس من اختصاصنا ولا من ضمن نطاق عملنا. نتحدّث عن فعل وقع، فاعله حتى اللّحظة مجهول بالاسم.
لا. ليس درسًا في القواعد، بل في قراءة الأخبار اللبنانية. وإذا سلّمنا جدلًا أن من سمّى اسم من افترض أنّه القاتل مأثوم بالاتهام السياسي والتسرّع، فإن من سارع إلى حسم الحدث بتصويره فعل انتحار ليس مأثومًا فقط بالتسرّع وبالتبرئة السياسية، بل أيضًا بالشبهة والسعي إلى تجهيل الفاعل أبدًا والتستّر على جريمة. والتستّر جرم يعاقب عليه القانون إذ يشكّل فعلًا أكثر فظاعة من الاتهام السياسي، إذا صحّت تسمية الاتهامات المنطقية بالسياسية.
طالعنا بالأمس لائحة أسماء غير مكتملة بعد قدّمتها القوات اللبنانية لتخبرنا أنها بصدد مقاضاة حامليها بسبب اتهامهم إيّاها بجريمة قتل المغدور ايلي لحود. علمًا أنّ كلّ الذين وجّهوا أصابع الاتهام إلى القوات في الجريمة المذكورة معذورون موضوعيًا، للأسباب التالية:
عادة ارتكاب الجرائم داخل الكنائس مرتبطة بأذهان جميع اللبنانيين بالتراث القواتي المشهود، وكنيسة سيّدة النجاة تشهد.
عادة قتل الخصوم سواء من داخل النسيج “المسيحي” أو من خارجه هي أيضًا عادة تمرّس فيها القواتيّون حتى ارتبط فعل الإلغاء بالقتل بهم، ويشهد على ذلك سلسلة الجرائم التي ارتكبها جعجع. (يرجى مراجعة المتصفح غوغل والبحث عن الكلمتين التاليتين: جرائم جعجع) ولعلّ الأسماء التالية، على سبيل المثال لا الحصر، تشهد: رشيد كرامي، طوني فرنجية وزوجته وابنته، داني شمعون وزوجته وأطفاله، المونسنيور ألبير خريش أمين سر البطريركية المارونية، موريس فاخوري، إيلي عازار… وتطول لائحة الشهود!
عادة القتل غدرًا موثّقة باسم القوات وجعجعها، وطالعوا حكايات المجازر من صبرا وشاتيلا إلى الطيونة.
انزعاج القواتيين من الناشط السياسي ورئيس حركة قاوم الخلوق والشّهم والآدمي إيلي لحود والذي تمّ التعبير عنه دائمًا على منصات التواصل وبشكل خاص بعد كلّ ظهور إعلامي للمغدور، وحتى بعد مقتله. (تغريدات الشماتة لم تُمحَ بعد)
بالنظر إلى هذه المعطيات الموثّقة، لا يُلام الذين اتّهموا القوات بجريمة قتل لحود، كردّ فعل أوليّ على الخبر المفجع، ولا سيّما بعد ترويج قواتيّ مريب لفرضية انتحار لحود، بل وتأكيدها بشكل مشبوه يستبق أي تحقيقات ويتنافى مع المنطق القانوني الذي لا يعتبر القتيل منتحرًا إلّا بعد الاطلاع على التقرير الطبيّ الذي يؤكد ذلك ما عدا بحال كان انتحارًا مشهودًا أو موثّقًا. وبالتالي، قبل سؤال أو مقاضاة الذين اتّهموا القوات بجريمة القتل ضمن سياق منطقي، أليس من الأوجب مساءلة الذين حسموا أن لحود انتحر؟ أليس من الخطر على سياق التحقيق أن يُروّج لفرضية غير مؤكدة تتيح للمرتكب النجاة بفعلته؟ أليس من المنطقي فهم الدوافع والأهداف التي جعلت الكثيرين يستعجلون إقفال القضية عبر الترويج بأنها انتحار؟ أليس في ذلك تضليلًا للرأي العام ولمجرى التحقيق؟ وألا يضرّ ذلك بحق جميع الذين عرفوا لحود بفهم ملابسات رحيله؟ طيب، أليس التضليل بالترويج لفرضية غير مثبتة أشد ضررًا من الاستعجال باتهام قد تثبته التحقيقات وقد تثبت عكسه؟ ومن هنا، ما سرّ التحسّس القواتيّ الغريب من الاتهام ومحاولة ترهيب الناس بالدعاوى القضائية؟ ممّ يخاف جعجع الآن حتى يبلغ به الأمر الإعلان عن عزمه مقاضاة وملاحقة لائحة أسماء مفتوحة؟ يبدو أنّ الارتباك في معراب دفعه إلى اتخاذ خطوة غير محسوبة بالسياسة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.