تحت بند الحرية وحقوق الإنسان قامت الولايات المتحدة الأميركية بخطواتٍ دعمت فيها مثليي الجنس ومن شابههم. هذه الخطوات بدأت منذ عهد الرئيس أوباما. وبالرجوع إلى العام 2011م نجد أنّها بدأت بمذكرة أرسلها أوباما إلى الإدارات والوكالات الأميركية تقضي بحماية حقوق المثليين، من داخل وخارج البلاد، وذلك عبر الحماية تارةً، أو من خلال تأمين اللجوء لمن هو خارج الحدود الأميركية، بل والاستجابة للتصدّي لأي انتهاك في حقّ هؤلاء “الناس الجدد”!
دائمًا ما يكون للولايات المتحدة مبررات لأفعالها في الخارج، سواء أكانت تلك الأفعال على شكل حروب أو حتّى غيرها، فقالت مثلًا عندما دخلت العراق: “صدام حسين استخدم أسلحة الدمار الشامل، وتحدّى قرارات الأمم المتحدة”. جاء ذلك الغزو بعدما قامت أميركا بدعم صدام في حربه على الجمهورية الإسلامية الفتية للحدّ الذي وصل الدعم بجيشه إلى مرتبة قريبة من مراتب أقوى جيوش العالم، إلا أنّها ولمّا خلصت إلى نتيجة تقول بعبء صدام، وضرورة التخلّص من أثره وآثار دعمها له، وضعت خطّة متكاملة لغزو العراق، مرفقةً إياها بأهداف ومبررات تسهّل لها ذلك، وهذا ما حصل في العام 2003م.
ما أريد قوله، هو أنّ الولايات المتحدة إنّما تقوم بالترويج لفعل ما، أو حدثٍ معيّن، خدمةً لمصالحها، وتلبيةً للمنفعة التي يمكن أن يدرّها هذ الشيء على إدارتها. وما موضوع الدعم للشذّاذ اليوم إلا من هذا القبيل، وهذا الدعم لا يتوقّف على وقفة تضامنية هنا أو تصريحٍ فيه لغة شاعرية هناك، بل فيه الإجراءات التي تشعرك أنّنا في حربٍ بين عالمين، الأوّل ينوي تلويث الفطرة عبر إقحام شذاذ الجنس إلى دائرة الإنسان الطبيعي والسويّ، والثاني يسعى لرفض الأمر عبر الإصرار على تمييز أولئك المتحوّلين عن الطبيعة الإنسانية، على أنّهم ليسوا أناسًا نستطيع التأقلم معهم.
يرافق هذا الدعم الذي تقدّمه الولايات المتحدة للشذّاذ، حملة إعلامية هائلة، ويُذكر أنّها ليست وليدة الحاضر، إنّما كان يروّج للشذوذ منذ سنين، وهذا ليس بخفيّ، ولو أنّ الفارق الوحيد بين اليوم والأمس هو أن الترويج سابقًا كان يستعمل على العقل الباطني للإنسان، وبطرقٍ مشفّرة، وغير مباشرة، بينما اليوم بات الأمر مختلف إذ إنّ الترويج أصبح موجّهًا، ومباشرًا.
خطوات مباشرة وعلنية قامت بها الولايات المتحدة الأميركية:
- الترحيب بجيسيك ستيرن كمبعوثة خاصة لتعزيز حقوق الإنسان للـ”مثليين” وثنائيي الجنس والمتحولين جنسيًا.
- في 30 يونيو 2021م أعلن الوزير بلينكين عن السياسة المحدّثة لوزارة الخارجية التي تسمح للمواطنين الأميركيين بالإقرار عن أنفسهم على جنسهم دون الحاجة إلى وثائق طبية.
- في 31 مارس 2022م أعلن الوزير نفسه أيضًا، عن إمكانية المواطن الأميركي الحصول على جواز سفر غير محدد الهوية الجنسية، أو محدد بهوية غير (ذكر – أنثى).
- إصدار قرار بأن الأطفال المتولدين من أبوين، أحدهما أميركي الجنسية، سيكونون أميركيي الجنسية.
- دعوة وزارة الخارجية الأميركية بلدان العالم لإلغاء القوانين التي تجرّم الأفراد الشاذّين جنسيًّا.
- في يونيو 2021م عقدت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي جلسة استماع خاصة بقضايا حقوق “المثليين”، وتحدث في تلك الجلسة “سكوت باسبي” نائب مساعد وزير الخارجية بالإنابة، عن التزام الوزارة التام بحماية حقوق الإنسان للـ”مثليين” من خلال مساعدة الخارج، وكانت الشهادة من “باسبي” في سياق تسليط الضوء على الحاجة إلى الدعم لزيادة الرؤية “المثلية” في العالم، بل ولتمكينهم أيضًا عبر دعم مجتمعاتهم ومنظماتهم في مختلف أنحاء العالم.
- التقى مكتب الديموقراطية وحقوق الإنسان والعمل (DRL) بالعديد من المنظمات الدولية لمناقشة التعاون المحتمل في مكافحة التمييز ضد “مجتمع الميم” في النصف الغربي من الكرة الأرضية.
- تقوم السفارات الأميركية بنشاط في الجهود المبذولة لدعم برامج حماية الشواذ والترويج له، وتسعى لتعزيزه في البلدان التي اعترفت به، وتسارع إلى إدانة أي رفض له.
- قامت مؤسسة تمويل التنمية (DFC) وهي بنك التنمية الأميركي بالتأكيد على أهمية عدم التمييز الجنسي لشركائها.
وغيرها كثير من الإجراءات التي قامت بها مؤسسات وإدارات أميركية من قبيل وزارة التجارة والأمن والدفاع والعدل والصحة والتي لا يتّسع المقام لذكرها هنا.
الهدف من كل هذا الضجيج الذي تثيره أميركا حول قضية الشواذ:
بعد الكثير من منجزات الحكومة الأميركية لتنفيذ مذكرة جو بايدن الخاصة بموضوع الشذوذ الجنسي حول العالم، يمكن اعتبار أنّ الرئيس الأميركي وفى بوعوده لحماية حقوق “الأقليات الجنسية”، الوعود التي كانت من أولوياته وعلى رأس قائمة أعماله.
وكان بايدن في أول خطاب له حول السياسة الخارجية، قد طلب من وكالاته إعداد خطط عمل خلال ستة أشهر، وأن تكون قضية الشذوذ على رأس هذه الخطط لتنفيذها مباشرة. وتعد هذه القضية من المفارقات بين حكومة بايدن وترامب، إذ إنّ الأخير لم يكن يدعم الشذوذ، حتى أنّ وزير خارجيته مايك بومبيو المعروف بتشدّده قام بإجراءات ضدّ الشذّاذ، ومنع رفع علمهم على سفارات الولايات المتحدة الأميركية في الخارج.
أمّا عن أهداف ذلك، فيقول د. عبد الوهاب المسيري في كتابه “قضية المرأة بين التحرير والتمركز حول الأنثى”: “الدفاع الشرس عن الشذوذ الجنسي هو في جوهره ليس دعوة للتسامح أو لتفهّم وضع الشواذ جنسيًا (كما يتراءى للبعض)، بل هو دعوة لتطبيع الشذوذ الجنسي، أي جعله أمرًا طبيعيًا عاديًا، الأمر الذي يشكّل هجومًا على طبيعة الإنسان الاجتماعية وعلى إنسانيتنا المشتركة كمرجعية نهائية، وكمعيار ثابت يمكن الوقوف على أرضه لإصدار أحكام إنسانية، ولتحديد ما هو إنساني وما هو غير إنساني، أي أنّ الشذوذ الجنسي لم يعد مجرّد تعبير عن مزاج أو انحراف شخصي، إنّما تحوّل إلى أيديولوجية تهدف إلى إلغاء ثنائية إنسانية أساسية هي ثنائية الذكر/الأنثى التي يستند إليها العمران الإنساني والمعيارية الإنسانية”.
إذًا، فترويج الشذوذ هو حربٌ أيضًا، وإحدى أدوات أميركا في الفترة الحالية، وهو ليس حربًا على نظام دولة ما،أو غزو لمدينة في أقصى الأرض، وإنّما هو حربٌ على نظام الإنسان، وفطرته. يهدف هذا الأمر إلى نشر الفساد الأخلاقي بين الناس تحت قيم وعناوين برّاقة كالحرية والحقوق، وعن ذلك يعبّر الإمام الخامنئي دام ظلّه في خطابه أمام أعضاء مجلس الخبراء عام 2016م : “أنتم اليوم تشاهدون دولًا تشرّع الشذوذ الجنسي، ولا تشرّعه فحسب، بل وتصرخ بشدّة في وجه من يعترض عليه. فهل يوجد فساد أكثر من هذا؟! ولن تقف عند هذا الحدّ أيضًا؛ ففي المستقبل الذي لا نعلم متى سيحين، سيصل الأمر إلى الزواج بالمحارم، وإلى ممارسات أكثر حساسية. فعالم الفساد الأخلاقي (الغرب) يسير بهذا الاتجاه”.
وبطبيعة الحال فإنّ هذا الفساد، الذي تعدّدت مصاديقه قبل الشذوذ الجنسي، سنرى مصاديق جديدة له لاحقًا. يقول القائد الخامنئي أنّ الغرب سيروّج عمّا قريب لزواج المحارم ربّما، كخطوة جديدة ضمن سلسلة نشره للفساد في العالم، وهذا ليس بعيد، إذ إنّه بدأ بنشر حبل واحد من حباله في البداية على شكل “بطّانيات محملة بمرض الجدري أرسلها للسكّان الأصليين في الأرض الأميركية”، ثمّ مع مرور الزمن كانت تنفلت حبائله مع الحروب والمجازر حتى الترويج للإلحاد والإباحية، واليوم للشذوذ، ولاحقًا لما يهواه ويخدم مصالحه.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.