المقاتلون الأجانب: هل علينا الاستعداد لظاهرة “العائدين من أوكرانيا”؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

عند اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، بدا لوهلة أن عصر الحرب التقليدية قد عاد من جديد، حيث تجتاح الجيوش النظامية الحدود الدولية وتضم مناطق جغرافية وتعلن السيطرة عليها بقوة الدبابات والصواريخ والطيران الحربي. ولكن سرعان ما تكشف أن الحرب الروسية- الأوكرانية لن تكون حرباً تقليدية بحتة بل تزاوج بين عدة أنماط من الحروب، منها التقليدي النظامي ومنها حرب العصابات ومنها حرب المجموعات المسلحة أو الحرب بالوكالة. ومن أهم الملامح اللافتة التي تبلورت خلال الأيام الأولى للحرب هي إعلان السلطات الأوكرانية استقبالها لعدد كبير من الأجانب الراغبين في التطوع للقتال ضد الروس. بينما أعلنت موسكو هي الأخرى عن استقبال وتنظيم مقاتلين من جنسيات غير روسية للقتال إلى جانب قواتها في أوكرانيا. وهنا يبدو أن ظاهرة المقاتلين الأجانب التي برزت في حروب سابقة منذ حرب أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي ثم في مطلع الألفية، مروراً بحرب الشيشان والبوسنة، وصولاً إلى صفوف داعش في كل من سوريا والعراق، ستكون ملمحاً مميزاً للحرب الجارية الآن في أوكرانيا. فمن هم المقاتلون الأجانب في أوكرانيا ومن أتوا وماذا يريدون؟

فئات المقاتلين الأجانب في أوكرانيا
تتنوع فئة المقاتلين الأجانب المتقاطرين حالياً على الأراضي الأوكرانية من أجل القتال ضد القوات الروسية، بحسب جنسياتهم وتوجهاتهم السياسية وخبراتهم العسكرية السابقة. فالفئة الأكبر، وفقاً للسلطات الأوكرانية، من مزدوجي الجنسية، أي من حاملي الجنسيات الغربية المختلفة ولكنهم من أصول أوكرانية. وهذه الفئة تبلغ، بحسب الأرقام المعلنة، حوالي 66 ألفاً[1]. وبحسب هؤلاء، فإنهم ينتظمون اليوم في قتال الروس كما انتظم آباؤهم أو أجدادهم من قبل لقتال السوفييت في الحروب السابقة. ولذا فالدافع شخصي يعود لأسباب عائلية فضلاً عن الرغبة في الاستقلال الوطني والتأكيد على سيادة أوكرانيا ضد الجارة العملاقة روسيا ذات الأطراف المترامية. وعلى الأغلب، فإن هؤلاء لا يتمتعون بخبرات قتالية استثنائية، فهم كانوا يشتغلون بمهن مدنية بدرجات متفاوتة من التحصيل العلمي والدرجات العلمية ولكنهم يتمتعون بالحماس الكبير لخدمة القضية الوطنية وسيادة أوكرانيا.

أما الفئة الثانية، فتتمثل في الأجانب القادمين من الدول الغربية وهم ليسوا من أصول أوكرانية ولا يتقاسمون مع أوكرانيا أي تاريخ عائلي خلال الحروب السابقة. ولذا فالدافع الأساسي بالنسبة لهؤلاء الرغبة في تمثيل القوى الغربية في القتال الحالي ولكن على أساس فردي[2] بعد قرار حلف الناتو عدم التدخل في الحرب الجارية إلا لو طالت الدول الأعضاء في الحلف. وللمفارقة فإن المقاتلين الأجانب ينحدرون بالأساس من دول حلف الناتو مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا. ومن هؤلاء من يتمتع بخبرات قتالية سابقة سواء كانوا جنوداً سابقين أو متقاعدين شاركوا بالفعل في عمليات عسكرية في مناطق مختلفة من العالم، أو كانوا جنوداً حاليين هربوا من كتائبهم للسفر إلى أوكرانيا. إذ هرب عدد من الجنود البريطانيين من ثكناتهم من أجل السفر للقتال في أوكرانيا، وهو ما استدعى الإعلان السريع عن عدم قانونية هذا الإجراء الذي يعرض الجنود الهاربين للمحاكمات العسكرية حال عودتهم للبلاد[3].

ولكن في المقابل، هناك متطوعون للقتال في أوكرانيا من جنسيات دول كانت سابقاً تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي وبالتالي فهم لا يحملون جنسية أوكرانية وليس لهم أصول أوكرانية ولكنهم يشاركون الشعب الأوكراني الرغبة في التحرر من النفوذ الروسي والالتحاق بالمعسكر الغربي. ويحمل هؤلاء جنسيات متعددة من لاتفيا وليتوانيا واستونيا[4] وفنلندا والتشيك وبيلاروسيا[5] ولكن أيضاً من جمهوريات روسية حالية مثل الشيشان المعارضين للرئيس الشيشاني قاديروف. إذ يعتبر هؤلاء أن نجاح روسيا في تحقيق أهدافها من الحرب على أوكرانيا سينعكس سلباً بشكل تلقائي على سيادة بلادهم وربما يهدد أمنها إذا ما قررت موسكو الاستمرار في التقدم الجغرافي حتى “تبتلع” هذه الدول وتضمها تحت سيادتها أو على أقل تقدير تُنصِب فيها حكومات موالية لها. ويعتبر هؤلاء أن القتال في أوكرانيا في الحرب الجارية اليوم قد يمنع نشوب حرب مماثلة فيما بعد على أرضهم وداخل بلدانهم. يضاف إلى ذلك متطوعون من دول غير غربية وليسوا من الجمهوريات السوفيتية السابقة ولكنهم يتعاطفون مع القضية الأوكرانية ومن هؤلاء متطوعون من إسرائيل وهم على الأرجح يُحسبون ضمن ذوي الأصول الأوكرانية من حاملي الجنسيات الأخرى.

بحسب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فإن عدد الملتحقين للتطوع في القتال ضمن “الكتيبة الدولية” الذي أعدها الجيش الأوكراني خصيصاً لهذه الغاية قد بلغ نحو 16 ألف متقدم، فيما أعلن وزير خارجية أوكرانيا دميتري كوليبا فيما بعد أن العدد قد بلغ عشرين ألفاً[6] من حوالي 52 دولة حول العالم. ولكن هذا العدد لا يشمل من تطوع للالتحاق بالخدمات الطبية أو الناشطين في جمع وإيصال الدعم الغذائي والإغاثي إلى الأراضي الأوكرانية.

ولا شك أن خطاب الرئيس الأوكراني قد ألهب حماسة الكثير من الناس العاديين في الغرب، فالقول بأن أوكرانيا تشارك في الحرب نيابة عن أوروبا والغرب و”العالم المتحضر” والقيم الديمقراطية والحريات قد دغدغ مشاعر الآلاف في الدول الغربية. كما أن الإعلان عن إجراءات التسجيل لتلقي المتطوعين بشكل رسمي من جانب الحكومة الأوكرانية يضفي على الأمر بعض الشرعية في نظر هؤلاء. فتسجيل الرغبة في التطوع يتم بواسطة موقع رسمي أطلقته الحكومة الأوكرانية[7]، يتم فيه تسجيل البيانات والخبرات العسكرية السابقة إن وجدت، ثم المقابلة الشخصية مع الملحق العسكري بالسفارات الأوكرانية والاتفاق على العتاد الحربي الذي يجب توفره مع المتطوع للقتال قبل السفر إلى أوكرانيا، ثم يتم التحضير لعبور هؤلاء من معابر برية مع دول الجوار بالتنسيق مع الجيش الأوكراني.

في هذه الأثناء، ساهمت التصريحات الرسمية لمسئولين في الحكومات الغربية في إذكاء الجدل بشأن هذه المشاركة العسكرية التي تتم على أساس فردي في حرب لم تتكشف أبعادها الكاملة بعد. ففي بلجيكا حاولت الحكومة إثناء مواطنيها عن المشاركة في هذه الحرب، بينما اعتبرت رئيسة الوزراء الدنماركية ميت فريدريكسن أنه لا يصح منع المواطنين الراغبين في القتال في أوكرانيا للدفاع عن أمن أوروبا، فيما شجعت الحكومة اللاتفية مواطنيها الراغبين في القتال للسفر إلى أوكرانيا. ويظل الجدل محتدماً في بريطانيا بعد رصد هروب جنود من معسكراتهم للسفر إلى أوكرانيا، في ظل تصريحات لوزيرة الخارجية البريطانية إليزابيث تراس بتشجيع التسجيل للتطوع في الحرب مع أوكرانيا[8].

الأجانب المقاتلون مع روسيا
في مقابل المتطوعون لقتال الروس، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن كتيبة بقوام 16 ألف مقاتل من الشرق الأوسط ستلتحق بقوات بلاده في أوكرانيا. وترجح التكهنات بأن المقاتلين الأجانب إلى جانب الروس سيكونون بالأساس من سوريا، التي تعسكر فيها القوات الروسية منذ سبتمبر 2015 وتحظى فيها بقواعد عسكرية هامة تطل على المتوسط. ولكن حتى هذه اللحظة من غير المعروف إذا كان رقم 16 ألفاً المذكور هو المستهدف النهائي من جمع المقاتلين الأجانب أم أنهم مجرد الدفعة الأولى للقادمين إلى أوكرانيا. وقد شكك مسئولون في البنتاجون في هذا الرقم وفي مدى جدية روسية في الاستعانة بمقاتلين أجانب من عدمه[9]. ولكن اعتبر آخرون أن موسكو لابد أن تستعين بجهود مقاتلين من سوريا خاصة في المعارك داخل المدن للاستفادة من خبراتهم في إدارة حرب طويلة الأجل داخل المدن. إذ قد تعول موسكو على الدفع بمقاتلين أجانب وخاصة من السوريين في معركتها المرتقبة في كييف، فمعارك السيطرة على العاصمة ستكون شرسة للغاية وخاضعة لمنطق حرب العصابات وقد تفقد فيها موسكو الكثير من الجنود وبالتالي فالدفع بمقاتلين أجانب قد يقلل من حجم الخسائر الرسمية في صفوف الجنود النظاميين[10].

وقد ترددت بالفعل في عدة محافظات سورية معلومات عن رغبة روسيا في تجنيد مقاتلين سوريين للالتحاق بالحرب في أوكرانيا عبر مجموعة فاجنر التي يملكها أحد المقربين من الرئيس الروسي. إذ باشرت فاجنر بالفعل فتح باب التجنيد للسوريين في كل من اللاذقية وحماة ودير الزور وقد وصل عدد المتقدمين لنحو أربعة آلاف[11]. إذ من المتوقع أن يتزايد هذا الرقم في ظل سوء الأوضاع المعيشية للسوريين خاصة في المناطق التي تخضع لسيطرة الحكومة السورية وتتميز بنفوذ كبير للروس، فالالتحاق بالقتال في أوكرانيا قد يكون مصدراً للدخل لمقاتلين سبق أن قاتلوا مع القوات السورية أو تدربوا من قبل على يد القوات الروسية العاملة في سوريا. وبحكم تدهور الوضع الاقتصادي في سوريا، سيكون بطبيعة الحال أجر المقاتل السوري المجند ضمن الحرب الأوكرانية أقل تكلفة على الروس من المقاتلين الروس أنفسهم سواء كانوا من المجندين غير النظاميين أو جنود الجيش الروسي.

أما الرئيس الشيشاني رمضان قديروف فقد أعلن في 25 فبراير الفائت، في عرض عسكري ضم نحو 10 آلاف مقاتل، الدعم التام للرئيس بوتين والمشاركة في القتال إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا. ولكن يعتبر البعض أن المشاركة الشيشانية الداعمة لروسيا ليست من قوات الرئيس الشيشاني قديروف كما ادعى، ولكنها جانباً من الحرس الوطني الذي يتبع روسيا ويتلقى أوامره مباشرة من بوتين، وهو ما يندرج ضمن الدعاية والبروباجاندا، إذ من المعروف عن المقاتلين الشيشان صلابتهم واستبسالهم في القتال، ولذا جاء إعلان قديروف بمثابة تحصيل حاصل ولكنه ينوه إلى صلابة مقاتلي الشيشان ضمن صفوف قوات الحرس الوطني الروسي[12].

ويرى البعض أن الكتلة الأكبر من الشيشان الذين يقاتلوا في أوكرانيا اليوم هم في صف الحكومة الأوكرانية وذلك لسابق العداء الشديد بينهم وبين روسيا. بل إن اشتهار المقاتلين الشيشان بالصلابة والبسالة جاء بالأساس خلال قتالهم ضد الروس فيما سبق، ويعزز من هذا القول وجود كتيبتين من المقاتلين الشيشان يقاتلون إلى جانب أوكرانيا في إقليم دونباس منذ عام 2014[13]، لذا فيبدو أن المقاتلين الشيشان يقاتلون على جانبي خطوط النار أحدهما فريق موالي للسلطة الشيشانية والآخر متمرد عليها.

حتى الآن، لايبدو أن الأمر ينطبق على المقاتلين السوريين المبتعثين إلى أوكرانيا، فتجنيد السوريين يتم فقط إلى جانب القوات الروسية. فيما أن السوريين المعارضين قد يؤيدون أوكرانيا بمختلف الطرق السلمية، ولكن لم تُسجل محاولات للاستفادة من المجموعات المسلحة السورية المعارضة للقتال إلى جانب الحكومة الأوكرانية، ذلك أن أغلب الميليشيات السورية المعارضة هي بالأساس تتركز في شمال غرب سوريا وتدين بالولاء لتركيا، وأنقرة لم تلتحق بشكل مباشرة بأحد طرفي الصراع حتى اللحظة.

مفارقات ومخاطر توافد المقاتلين الأجانب
رغم الحماس الذي تبديه بعض الحكومات الغربية إزاء توافد المقاتلين الأجانب للقتال إلى جانب القوات الأوكرانية، فإن الحضور الأجنبي في الحرب الأوكرانية ينطوي على إشكاليات كثيرة. بدايةً، فإنه من غير المؤكد إذا كان لهؤلاء المقاتلين الأجانب وزن حقيقي في القتال بشكل يحسم الحرب ويؤثر على نتائجها النهائية[14]. ولكن الحضور الأجنبي كفيل بتحميل الحرب الأوكرانية بتعقيدات صراعات أخرى، فالسوريون أو الشيشان القادمون من صراع للقتال في صراع آخر هم محملون بتعقيدات صراعهم الأول. ومن شأن حضورهم على الساحة الأوكرانية لمساندة طرف أن يستقدم خصومهم للقتال في صف الطرف الآخر. ومن جهة ثانية، تتنوع السوابق التاريخية التي شارك فيها أجانب في صراعات مفتوحة سواء على أساس فردي أو من خلال تسهيل بعض الحكومات أو حتى من خلال شبكات الإرهاب العالمية التي نشطت في تجنيد الشباب من الجاليات والمجتمعات المسلمة للقتال على مر السنين. المتحمسون لفكرة تطوع مقاتلين أجانب لدعم حكومة أوكرانيا يشبهون هذا الأمر بتطوع عدد من الأوروبيين للقتال في الحرب الأهلية الإسبانية ضد حكم الجنرال فرانكو بين عاميّ 1936 و1939، ويعتبرون أن المتطوعين للقتال هم من الحالمين بعالم ديمقراطي حر تسوده الحقوق والحريات ويقاتلون ضد الفاشية أو غيرها من العبارات الأيديولوجية التي يصفون بها الاتحاد الروسي.

في حين أن الرافضين لفكرة توافد الأجانب للحرب في أوكرانيا يشبهون هذا التطوع بتطوع المجاهدين للقتال في أفغانستان ضد النفوذ السوفيتي ثم ما لبثوا أن طوروا أجندة أيديولوجية خاصة بهم تحولت لاحقاً لتكون نواة لفكر تنظيم القاعدة الذي انطلق من أفغانستان ليطال أثره العالم ككل عبر الهجمات الإرهابية[15]. ومن ذلك أيضاً تقاطر الشباب المتطرف من أنحاء العالم للالتحاق بصفوف داعش في سوريا والعراق بين عاميّ 2012 و2018 بما يقدر بنحو 40 ألف مقاتل أجنبي. كما أن وجود مقاتلين أجانب في صراع ما من شأنه أن يطيل أمد الصراع إلى ما بعد اتفاق الطرفين الأصليين للصراع على وقف إطلاق النار، إذ عادةً ما يطور المقاتلون الأجانب أجندة مستقلة عن السبب الأصلي للصراع وتتوطد بينهم الأواصر إلى ما يشبه الصلة القبلية ويصبح لهم مصالح يشتركون في الدفاع عنها وفرضها على اتفاقات إنهاء الصراع. بل إن السردية العامة للصراع يمكن أن تختلف، فالصراع لأسباب قومية قد يُعاد توجيهه لأسباب دينية، وهو ما تكرر في الشيشان وسوريا من قبل[16]. ولعل ظهور الرئيس الأوكراني في إطلالاته التلفزيونية لعدة أيام بقميص يحمل رمز الصليب، قبل أن يتراجع عنه، كان ربما نواة لهذا التحول المحتمل في سردية الصراع.

ورغم أن البعض يشكك في هذه المخاطر على أساس أن المتطوعين للقتال وبخاصة إلى جانب الحكومة الأوكرانية هم بالأساس من دعاة الديمقراطية والقيم والحريات الغربية وأتوا بالأساس للدفاع عن حكومة منتخبة ديمقراطياً بإرادة الشعب الأوكراني ضد رغبات توسعية لحكومة غير ديمقراطية ومن غير المحتمل أن ينجرفوا لتبني أية أجندات متطرفة، ولكن المقاتلين يتحولون في الحقيقة خلال القتال لما يمروا به من أهوال وعندما يلتقون بأقران يعتنقون عقائد وأيديولوجيات مختلفة، فإن احتمالية التحول العقائدي تبدو قوية للغاية تحت تأثير الخطر والحرب والتأثر الشديد برفاق السلاح. وهناك من يعتقد أن المقاتلين الأجانب الغربيين الذي يعتبرون اليوم أبعد ما يكونوا عن اليمين المتطرف – إذ يساند اليمين المتطرف الأوروبي بوتين بوجه عام- قد ينزلقون إلى اعتناق بعض مقولات اليمين المتطرف تأثراً بالمقاومة القومية الأوكرانية. كما أنه من غير المؤكد أنه يمكن التحكم بشكل كامل فيمن يُقبل على السفر إلى أوكرانيا، فقد يتسلل بعض مناصري اليمين المتطرف بالفعل من أجل اكتساب خبرة المعارك والقتال، ومن ثم قد يصبح لهذا التيار خبرة قتالية يوظفها في تفعيل دعاياته القومية والعنصرية وفرضها بالقوة على المجتمعات الغربية. إلى جانب ذلك يواجه عادة العائدون من المعارك معضلة “تروما” الحروب التي تستمر لفترة طويلة بعدها وتؤدي إلى النزوع للعنف حتى بعد عودتهم إلى بلدانهم مما يترتب عليه ارتكابهم لجرائم دموية أو حتى انخراطهم في شبكات للجريمة المنظمة بعد عودتهم.

فيما يكشف التعامل بـ”اطمئنان” مع سفر هؤلاء المقاتلين الأجانب إلى أوكرانيا، لأنهم لا يعتنقون الدين الإسلامي، ازدواجية حادة للمعايير والتعامل مع الخطر الإرهابي وكأنه أحادي المصدر فقط، فيما أنه ينشأ عن أيديولوجية متطرفة بصرف النظر عن مرجعيتها العقائدية أو الدينية، وهو ما يفسر سياسات الدول الغربية في تعقب ومنع المقاتلين الأجانب من السفر إلى سوريا، وعدم اتخاذ الإجراءات نفسها بحق من كان يسافر إلى سوريا للقتال مع وحدات الحماية الكردية، أو حتى من يسافر اليوم للقتال في أوكرانيا.

فصحيح أن الأيديولوجيا التكفيرية الإسلاموية شديدة الخطورة مما يستتبع رصد وتعقب من يعتنقها، ولكن أيضاً الرغبة في استخدام السلاح والانخراط في صراع مسلح أمر يدعو للقلق ولابد من تتبعه ورصده لأنه قد يتطور بنسبة كبيرة إلى أيديولوجيات راديكالية تهدد الاستقرار والسلم في المجتمعات التي سيعود إليها بعد انتهاء الحرب. وربما يؤدي ذلك إلي تنامي طموحاتهم السياسية باستخدام العنف وتوسيع نشاطهم السياسي المسلح سواء في المجتمع محل الصراع أو في مجتمعاتهم الأصلية بعد عودتهم.

[1] Luke Harding, “ my plan is there is no plan the foreign fighters flocking to Ukraine”, in the Guardian, 11-3-2022, https://www.theguardian.com/world/2022/mar/11/ukraine-russia-war-foreign-fighters-volunteers
[2] Andrew R.c. Marshall, “For foreign fighters, Ukraine offers purpose, camaraderie and a cause”, Reuters, 8-3-2022
https://www.reuters.com/world/europe/foreign-fighters-ukraine-offers-purpose-camaraderie-cause-2022-03-07/
[3] Luke Harding, op. cit.
[4] Lisa Abend, “Meet the Foreign Fighters risking the lives to defend Ukraine and Europe”, in Time, 7-3-2022, https://time.com/6155670/foreign-fighters-ukraine-europe/
[5] Naureen C. Fink and Colin P. Clarke, “Foreign fighters are heading to Ukraine that’s a moment for worry”, in Politico, 10-3-2022, https://www.politico.com/news/magazine/2022/03/10/foreign-fighters-are-heading-to-ukraine-thats-a-moment-for-worry-00016084
[6] Ibid.
[7] موقع تلقي طلبات المتطوعين للقتال مع أوكرانيا: https://fightforua.org/
[8] Lisa Abend, Op. Cit.
[9] Jeff Seldin, “US sees no Evidence of Syrian or African Mercenaries in Ukraine”, in Voice of America, 11-3-2022, https://www.voanews.com/a/us-sees-no-evidence-of-syrian-african-mercenaries-in-ukraine/6481309.html
[10] Gordon Lubold, Nancy A.Youssef & Alan Cullison, “Russia recruiting Syrians for Urban Combat in Ukraine”, in Wall Street Journal, 6-3-2022, https://www.wsj.com/articles/russia-recruiting-syrians-for-urban-combat-in-ukraine-u-s-officials-say-11646606234
[11] Jeff Seldin, op. Cit.
[12] Luiza Mchedlishvili, “‘We have only one enemy — this is Russia’: the Chechens taking up arms for Ukraine”, in OC Media website, 8-3-2022, https://oc-media.org/features/we-have-only-one-enemy-this-is-russia-the-chechens-taking-up-arms-for-ukraine/
[13] Ibid.
[14] The Economist, “What the Ukraine’s Legion of foreign fighters mean to the war?”, 11-3-2022 https://www.economist.com/the-economist-explains/2022/03/11/what-will-ukraines-legion-of-foreign-fighters-mean-for-the-war
[15] Naureen C. Fink and Colin P. Clarke, op.cit.
[16] Luiza Mchedlishvili, op.cit.

رابحة سيف علام – مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد