التهديد الخاوي: الخطاب الصهيوني قبل وبعد عملية “يوم الأربعين”

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

مقدمة

توعّد الكيان المؤقّت لبنان وحزب الله بعد الاعتداء على الضاحية الجنوبية واغتيال القائد الجهادي السيد فؤاد شكر، بعدما أعلن سماحة الأمين العام لحزب الله حتمية الرد. هدفت التصريحات الإسرائيلية إلى الردع في التصعيد من جهة، والتحضير لتدفيع الأثمان من جهة أخرى، باعتبار أنّ هذه الرسائل قد تكبح رد حزب الله، أو تمنع الرد. حملت السردية العبرية مفردات في التهديد والوعيد وإظهار القوة والقدرة لدى الكيان على توجيه ضربة مؤلمة (انظر جدول 1). على الرغم من التهديد ورسائل الردع، شنّ حزب الله هجومًا على الكيان المؤقت، صباح الأحد بتاريخ 25 آب 2024، وأطلق على الهجوم اسم عملية “يوم الأربعين” لتزامنها مع يوم أربعين الإمام الحسين عليه السلام. تتطرق هذه الورقة لأسباب فشل الردع الإسرائيلي بناء على البيانات الإسرائيلية والعربية ما قبل العملية وبعدها، إضافة إلى مجموعة من الرسائل الإعلامية العربية واللبنانية، ذات الاتجاه السلبي لصالح العدو الإسرائيلي.

أولًا: رسائل الردع الإسرائيلي لحزب الله

تشير الإطلالة على التصريحات العبرية قبل العملية إلى تنوّع اتجاهات رسائل الردع لدى العدو الصهيوني في مواجهة لبنان (انظر جدول 1):

الاتجاه الأول: رسائل نفسية معنوية وهدفها نشر الخوف والرعب لدى المقاومة والبيئة الحاضنة، وذلك عبر:

  1. الإعلان عن نيّة توسعة الحرب وضرورة القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق والانتقال إلى مرحلة الهجوم ورفع مستوى تدفيع الأثمان.
  2. إعلان الاستعداد والجهوزية للحرب مع حزب الله، بل والإعلان عن جهوزية الخطط وانتهاء مراحل التخطيط بانتظار التنفيذ.
  3. المطالبة بشنّ هجمات استباقية ووقائية إضافة إلى نقل صورة إجماع داخلي في مؤسسات الكيان المؤقت بشأن ذلك في محاولة لإرباك حركة المقاومة في لبنان.

الاتجاه الثاني: رسائل عسكرية تحدّد أهداف الردع ضد حزب الله في: 

  1. أ) تغيير الوضع في شمال فلسطين وإعادة سكان المستعمرات المحاذية لحدود لبنان الجنوبية الذين هربوا بفعل ضربات حزب الله، وما فرضته من حزام أمني داخل الكيان المؤقّت
  2.  ب) توجيه ضربة مؤلمة وتدفيع لبنان ثمن باهظ مماثل لما تشهده غزة.

جدول 1: التصريحات الإسرائيلية قبل عملية “يوم الأربعين”

التاريخنوع التحركالإجراءاتالتصنيفالسرد والتحليل
7/31/2024حركة الوكلاءالتنسيقتصريحاتالمتحدث باسم جيش العدوّ دانيال هاغاري: ” إسرائيل لا تريد حرباً مع حزب الله، لكننا مستعدون لها.. لدينا دفاع جوي جيد جداً، لكنه ليس محكماً، لذلك نطلب من الجمهور أن يكون في حالة جهوزية.
8/2/2024حركة الوكلاءالتنسيقتصريحاترئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) السابق، آموس يدلين: “الهجوم في بيروت بعث برسالة واضحة مفادها أن إسرائيل تغير اتجاهها بالتعامل، وطريقة رد فعل حزب الله ستؤثر على استمرار التصعيد.. إسرائيل مطالبة بالاستعداد استخباراتيا وعمليا وتكون بأعلى جهوزية دفاعيا وهجوميا، ولرد مؤلم على لبنان، وعسكريا ووطنيا لتصعيد واسع وحرب شاملة. من المؤكد أنه لن يكون هناك مفر من حرب شاملة مع لبنان، لكن من الضروري أن يتم فتحها بطريقة مخططة، بدلا من الطريقة والتوقيت الذي يفرض على إسرائيل”.
8/5/2024حركة الوكلاءالتنسيقتصريحاتالمتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية: سنتخذ أي إجراءات استباقية إذا اضطررنا إلى ذلك من أجل حماية شعبنا.
8/6/2024حركة الوكلاءالتنسيقتصريحاتقائد القيادة الشمالية الجنرال أوري غوردين: “أريدكم أن تعرفوا أن خططنا الهجومية جاهزة أمامنا، ونحن مستعدون لها في جميع الأنظمة.. ونحن مصممون على تغيير الوضع هنا في الشمال، وإعادة سكاننا إلى ديارهم”.
8/8/2024حركة الوكلاءالتنسيقتصريحاتوزير الحرب يوآف غالانت: “الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قد يجر نصر الله لبنان إلى دفع أثمان باهظة جداً. إنهم لا يتخيلون ما يمكن أن يحدث، وأعتقد أنهم إذا التقطوا صورة لغزة فسوف يفهمون.. وإذا لزم الأمر سنوسع العمليات ونفعل ما هو ضروري. قدرتكم في هذا الوقت هنا تتركز على النشاط العملياتي في الدفاع، لكننا نجهز كلا الأمرين للهجوم أيضا”.
8/8/2024حركة الوكلاءالتنسيقتصريحاتعضو الكنيست حانوخ ميلبيتسكي (الليكود): لا مفر من عملية عسكرية واسعة النطاق في لبنان، وأنا أؤيد قيام إسرائيل بضربة استباقية
8/15/2024حركة الوكلاءالتنسيقتصريحاتوزير المالية بتسلئيل سموتريتش: “يجب خوض حرب ضد حزب الله اللبناني وإنشاء حزام أمني داخل أراضيه”.
8/20/2024حركة الوكلاءالتنسيقتصريحاتزعيم حركة “معسكر الدولة” بيني غانتس: “هناك حاجة إلى إجراء عملية وقائية في الشمال، نحن ندرك التهديد الملموس، وعلينا أن نتحرك، “.
8/22/2024حركة الوكلاءالتنسيقتصريحاتوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بعد استهداف حزب الله مستوطنة كتسرين بهضبة الجولان السورية المحتلة: “عليك أن تهاجم، وعليك أيضا أن تقوم بحملة، هذه هي الفرصة التي يجب ألا نفوتها”.

ثانيًا: عوامل فشل الردع الإسرائيلي

 يكشف الاتجاه الثاني في رسائل الردع الإسرائيلي لحزب الله ما قبل عملية “يوم الأربعين” وقوع المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية في خلل المبالغة بالتوقعات بشأن المستوى العالي للرد الإسرائيلي ونتائجه على رد حزب الله، وهو ما تشير إليه التصريحات الإسرائيلية ما بعد العملية (انظر جدول 2).  وتفيد التصريحات التي صدرت بعد وقت من العملية وفي اليوم التالي لها وجود بعض العوامل التي أدت الفشل في ردع حزب الله.

جدول 2: التصريحات الإسرائيلية ما بعد عملية “يوم الأربعين”

التاريخنوع التحركالإجراءاتالتصنيفالسرد والتحليل
8/25/2024حركة الوكلاءالتنسيقتصريحاتزعيم معسكر الدولة بني غانتس: يجب زيادة الضغوط العسكرية والسياسية لإبعاد حزب الله عن الحدود وإعادة سكان المستوطنات الشمالية لمنازلهم.
8/25/2024حركة الوكلاءالتنسيقتصريحاتنائب رئيس “الكنيست” وعضو “الكنيست” موشيه كينلي توربي: ما تقوله الحكومة عن “هجوم استباقي” هو نوع آخر من المراوحة وهذا مؤسف جداً
8/25/2024حركة الوكلاءالتنسيقتصريحاترئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي: “نحن عازمون على تغيير الواقع الأمني في المنطقة الشمالية، ليستطيع سكان المنطقة الشمالية العودة إلى ديارهم بأمان”.
8/25/2024حركة الوكلاءالتنسيقتصريحاتوزير الجيش الإسرائيلي “يؤآف غالانت” لـ نصر الله: “لقد أفقدنا توازن حزب الله وأحبطنا هجومه – نحن مصممون على إزالة أي تهديد، في أي ساحة وفي أي وقت”.
8/26/2024حركة الوكلاءالتنسيقتصريحاتأفيغدور ليبرمان: وللأسف اختار رئيس الوزراء ووزير الجيش الرد الأقل أهمية. من طبيعة الرد، من الواضح أنهم تخلوا عن أمرين حاسمين: خيار استعادة الأمن من خلال الجيش الصهيوني، مما يعني أنه سيكون لدينا اتفاق سياسي على غرار الاتفاق التافه والتخلي عن الشمال.. لقد خطط حزب الله لتدمير البنية التحتية الأمنية الأكثر حساسية في الكيان، وحقيقة أنهم لم ينجحوا لا يعفيهم من المسؤولية. عليك أن تهاجم حسب نوايا العدو، وليس حسب النتائج. لا يوجد مكان لكل هذا التخويف من التصعيد الشديد
8/26/2024حركة الوكلاءالتنسيقتصريحاتعضو الكنيست موشيه سعادة: “ليست هذه هي الطريقة التي تفوز بها، من واجبنا إيذاء إيران. هذا يقودنا إلى التعادل”.. يتصدع ردع الكيان بسبب حدث الأمس، الدولة تواجه نوعًا من التهديد الوجودي. ولهذا السبب يجب عليها أن تحل هذه المشكلة المعقدة. نحن في وضع التعادل، وهذه ليست الطريقة التي نفوز به، واجبنا هو إيذاء إيران”.. يجب على دولة إسرائيل أن تهاجم إيران. أعتقد أن هذا سيزيل التهديد الوجودي للكيان
8/26/2024حركة الوكلاءالتنسيقتصريحاترئيس الاستخبارات العسكرية للعدو السابق عاموس يادلين: ” بالأمس، لم تكن حربا وقائية. ولا حتى ضربة أمامية. يتعلق الأمر بتعطيل وإحباط هجوم حزب الله الانتقامي.. يشير النجاح العملياتي الذي تم تحقيقه يوم أمس، وكذلك الاحتواء السريع ليوم المعركة، إلى وجود مجال أكبر لعمل الجيش في حماية سكان شمال البلاد من هجمات حزب الله. . إن الكيان يقف عند منعطف استراتيجي، حيث سيتعين عليها أن تدرس مشهد الحرب بنظرة شاملة، وتقرر نقل مركز الثقل إلى الشمال، والاستعداد للحرب مع حزب الله

ويمكن إجمال عوامل الفشل وفق التصريحات أعلاه بالنقاط التالية:

  1. حاجة الكيان المؤقت إلى “زيادة الضغوط العسكرية والسياسية، ما يفنّد السردية المسبقة حول الجهوزية والقدرة.
  2. اعتماد حكومة الكيان على “المراوحة” وفقدان القدرة على الإمساك بالمبادرة.
  3. عدم اعتراف الخصم بإنجازات ونقاط قوة الطرف الآخر والاستمرار بالمبالغة بالثقة في القدرة على تحقيق إنجاز؛ ما ينمّ عن ضعف مصداقية في التقييم لدى الكيان المؤقت، حتى إن كان من باب الحرب النفسية، لأن الاعتراف بقوة الطرف الآخر يدفع باتجاه التعامل بجدية مع التهديدات التي يشكلها.
  4. وجود حالة من التخويف من التصعيد الشديد داخل الكيان وفق تصريح زعيم المعارضة، ليبرمان. وهوما يراه غير منطقي، لما يرجح عنه قرار بقاء الاستنزاف في الشمال على حساب التصعيد، ولو المؤقت.
  5. عدم وحدة رؤية مؤسسات الكيان حول طبيعة معالجة التهديدات.

ثالثًا: توزيع الدور مع الكيان المؤقت في بناء الردع الإسرائيلي

 لم ينحصر صدور رسائل الردع لحزب الله في وسائل الإعلام الإسرائيلي، فقد ساهم “بعض الإعلام العربي واللبناني” والجهات السياسية والمدنية بنشر الدعاية السلبية منذ العدوان على الضاحية واغتيال القائد السيد شكر. شارك بعض السياسيين ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي في نشر مجموعة من الرسائل التي تخدم الكيان المؤقت عن قصد و/أو غير قصد، في سياق ردع الحزب عن الرد وبناء الردع الإسرائيلي ضده. ويمكن تحديد مسار هذه الدعايات بالسياسات والأهداف التالية:

  1. تخويف بيئة المقاومة من الثمن الموجع القادم، اعتقادًا أنها تضغط على حزب الله.
  2. توهين قوة العمل الأمني لدى حزب الله ووجود “اختراق” داخل هيكلية الحزب. (وجود عملاء وأخبار متداولة مسبقًا)
  3. استثمار الأزمة الاقتصادية اللبنانية في زيادة مؤشرات الخوف لدى بيئة المقاومة من الرد وتداعياته والدفع بها بعيدًا عن قاعدة المقاومة.
  4. التهويل العسكري بالتعزيزات الأميركية وقوة السلاح الجوي الإسرائيلي والتفوق الاستخباراتي لخلق حالة من الذعر بين المواطنين اللبنانيين.
  5. التهويل الإعلامي العالمي من نتيجة ضربة حزب الله وزيادة مؤشرات الذهاب نحو التصعيد (تحضير وكالات إعلامية غربية منصات العمل باعتبار أن الضاحية وبيروت أمام منعطف في الحرب سيفرضه الرد الإسرائيلي حال ردّ حزب الله).
  6. انتقاد تأنّي المقاومة في الرد واتهامها بمختلف مفردات التقاعس والتراجع وعدم الجدية والضعف وغيرها.
  7. الضغط النفسي على النازحين بالقوة أثناء البحث عن مراكز سكن وإيواء بديلة حال تدحرج جولات التصعيد نحو الحرب. (رفع إيجارات ومنع التأجير وتحريض حزبي ومحاولة للتحريض الطائفي والمذهبي)
  8. مساهمة المحللين في الترويج للحرب على لبنان، وتحديد وقتها الزمني وفق معطيات خاصة بهم. (النائب مروان حمادة والحرب الواقعة خلال أيام، “إن لم يكن ساعات”).
  9. عودة الدعوات لتنفيذ قرار التحريض على سلاح المقاومة 1559، والقرار 1701 لتأمين انسحاب المقاومة من الحدود لصالح أمن الكيان وعودة سكان المستعمرات في الشمال.
  10. إطلاق حملات دعائية قوامها شعارات “حب الحياة” و “لا للحرب” و “السلام العربي” المزعوم، و”إسرائيل عدوّ ولكن”، وشعار “قوة لبنان في ضعفه”، وغيرها من الشعارات التي تخدم العدو الصهيوني عبر إضعاف حس المقاومة الوطنية والتماسك الداخلي في مواجهة أي حرب مقبلة.
  11. التهديد بتضرر البنى التحتية في لبنان نتيجة الحرب (واقع الكهرباء وفقدان الفيول والتغذية للمناطق السكنية وإغلاق المطار وتعليق خطوط السفر إلى مطار بيروت، وتوقيع اقتراح قانون لتجهيز مطارات مدنية أخرى غير مطار رفيق الحريري الدولي في إشارة إلى احتمالية استهدافه).

خلاصة

يزخر الخطاب الإسرائيلي والسردية الإعلامية العبرية بمفردات تحاكي عملية بناء الردع لدى الكيان المؤقّت أمام حزب الله، منذ عملية الاعتداء على الضاحية واغتيال القائد الجهادي الكبير السيد فؤاد شكر وتوعّد الحزب بالرد. الخطاب هدف إلى كبح حركة الحزب باتجاه الردّ عبر رفع مستوى التهديد والتهويل ضد الحزب من جهة، ولبنان من جهة أخرى. يكشف جزء من السردية العربية واللبنانية وجود اتجاه داعم ومشارك في بناء الردع الإسرائيلي، عن عمد و/أو غير عمد.  في المقابل، يكشف رد المقاومة في عملية “يوم الأربعين” فشل الكيان المؤقّت في الردع، وتوضح التصريحات الرسمية لدى الكيان المؤقت بالمقاربة للعملية والرد الإسرائيلي وما رافقه من سردية إعلامية “كاذبة”، وفق وصف سماحة الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، لها. توضح الورقة وجود خلل على مستوى التعاطي الإعلامي مع حجم التهديدات بالجهوزية والاستعدادات لدى العدو؛ فالبيانات الرسمية الإسرائيلية تظهر مجموعة من المشكلات محورها ضعف المصداقية في الخطاب الإسرائيلي؛ وهي لا يتم التعامل معها بواقعية نتيجة البروباغندا المعادية للمقاومة وبيئتها. هذه النظرة تشوّه الرؤية الحقيقية للكيان المؤقت وتؤثر على استكشاف النوايا ومدى درجة الاستعداد لديه للمخاطرة.

مركز الاتحاد للابحاث والتطوير

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد