“الفطر الأسود”.. وباء في طور الانتشار؟!

ENT specialist Dr. Brajpal Singh Tyagi (R) checks the MRI of a patient who recovered from the Covid-19 coronavirus prior to a surgery to remove black fungus (Mucormycosis), at a hospital in Ghaziabad on June 1, 2021. (Photo by Prakash SINGH / AFP)

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

في أوائل شهر مايو/أيار 2021، بدأ الأطباء في الهند بدق ناقوس الخطر بشأن ارتفاع حالات الإصابة بـ “فطر الغشاء المخاطي”، وهي عدوى نادرة ومميتة تُعرف أيضاً بإسم “الفطر الأسود”. فما حقيقة هذا المرض؟ هل سببه مضاعفات فيروس “كورونا”؟ أم هو وباء مستقل بذاته؟

أسئلة كثيرة بدأت تلوح بين الناس، حول هذا الوباء الجديد، وكأن الناس اكتفت من ويلات الجائحة العالمية وما فعلته بالملايين من الناس حول العالم.

ماهيته

وفقاً للمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، فإن “الفطر الأسود” هو عدوى فطرية خطيرة ونادرة تحدث بسبب عفن موجود في التربة والمواد العضوية المتحلّلة مثل الأوراق المتعفّنة، ويمكن أن تنتشر في المستشفيات والمنازل عن طريق أجهزة ترطيب الهواء أو قوارير الأوكسجين التي تحتوي على مياه قذرة. وبطبيعة الحال، تعتمد الأعراض على مكان نمو الفطريات في الجسم، ويمكن أن تشمل تورم الوجه والحمى وتقرحات الجلد والآفات السوداء في الفم.

في المقابل، تؤكد بعض التقارير القليلة أن هذا المرض هو غير معدٍ، كما أنه لا ينتقل بين البشر أو من الحيوان للبشر، إلا أن ظهوره الفعلي ومعرفته ضمن الأوساط الطبية كان في العام 1885، وتمت علاجه من خلال الأدوية المضادة للفطريات.

من جهته، قال استشاري الوبائيات بمنظمة الصحة العالمية، د. أمجد الخولي، إن “الفطر الأسود” موجود في البيئة كغيره من الفطريات، وهو نادر الحدوث ويصيب بشكل أساسي الأشخاص الذين يعانون من نقص شديد في المناعة، مشيراً إلى إنه داء يصعب علاجه، ويتطلب في بعض الأحيان علاجاً مضاداً للفطريات بالحقن في الوريد، يصحبه استئصال جراحي للعضو المصاب في الجسم، كما تحْدث الإصابة عند استنشاق الأبواغ التي تنتقل بعد ذلك لتصيب الرئتين والجيوب وتمتد لتصل إلى الدماغ أو العينين، وقد سبق وصف أعراضه في المستشفيات التي يُعالَج فيها المرضى المنقوصو المناعة، الذين يعانون من نقص حرج في المناعة. وقد حدد د. الخولي الأشخاص المُعرضون لخطر الإصابة، وهم المرضى الذين يعانون من داء السكري غير المنضبط والمصابون بالأمراض الخبيثة ومن يعانون من نقص المناعة.

أما بالنسبة إلى سبب انتشاره اليوم في الهند بالتحديد، فيعود ذلك الإفراط باستخدام الستيرويدات لعلاج مرضى فيروس “كورونا”، حيث قال البروفيسور ك. سريناث ريدي، من مؤسسة الصحة العامة الهندية، “لقد استُخدمت الستيرويدات دون ضوابط، بكميات كبيرة وغير مناسبة”، مضيفاً أن “المياه الملوّثة في قوارير الأكسجين أو في مُرطبات الهواء توفر أيضاً فرصة للفطر للدخول إلى الجسم”.

صلة مباشرة؟

يتركز هذا الوباء – في هذه الفترة – بين مصابي مرضى فيروس “كورونا”، أو أولئك الذين تعافوا مؤخراً منه، والذين لديهم ضعف بالجهاز المناعي بسبب الفيروس أو الذين يعانون من أمراض مزمنة، أبرزها السكري، والأشخاص الذين يتناولون المنشطات، والذين يعانون من أمراض مصاحبة أخرى مثل السرطان أو زرع الأعضاء.

لكن مرضى “كوفيد – 19” معرضون للإصابة بالمرض بشكل خاص، وذلك لأن الفيروس لا يؤثر فقط على جهاز المناعة لديهم، وإنما يمكن للأدوية العلاجية أيضاً أن تثبط استجابتهم المناعية؛ لذا، أوصت منظمة الصحة العالمية بضرورة إعطاء المرضى مستويات منخفضة نسبياً من هذه المضادات، كما ينبغي تجنّب الجرعات العالية أو الجرعات الطويلة لأن مضادات “الكورتيكوستيرويدات” يمكن أن تُضعف جهاز المناعة أيضاً، وأنه من المهم اتخاذ تدابير الوقاية من العدوى ومكافحتها على مستوى المنشأة إذ يعتبر ذلك أمراً ضرورياً لمنع الانتشار البيئي لهذا المرض.

أما عن طبيعته، فيقول د. خولي إن هذا الداء يختلف عن مرض “كوفيد – 19″، سواء في نمط الانتقال أو وبائيات المرض، ولكن الاستخدام المكثف “للكورتيكوستيرويدات”، ومن بينها “الكورتيزون” لعلاج حالات بسيطة أو معتدلة من مصابي “كورونا”، يعد أحد العوامل المسببة لهذه الفطريات.

خريطة الانتشار

يبدو أن الهند هي المكان الأكثر شيوعاً للمرض، حيث أشارت دراسة أجراها علماء الأحياء الدقيقة أن داء “الفطر الأسود” أكثر انتشاراً في الهند 70 مرة منه في البيانات العالمية، حيث تمّ تسجيل أكثر من 3200 إصابة بالداء، في ولايات ماهاراشترا وماديا براديش وهاريانا وتيلانغانا وغوجارات الخمس، ولم تنجُ دلهي وبنغالور وبومباي من هذا الداء. وبحسب موقع “الهند” الإخباري، فإنه “تم اكتشاف فطر أسود أو داء فطري في أدمغة 15% على الأقل من المرضى الذين دخلوا مستشفى مهراجا يشوانتراو الحكومي في مقاطعة مدهيا برديش.”

ووفقاً لصحيفة “هندوستان تايمز” التي استشهدت بوثائق حكومية، هناك ما لا يقلّ عن 7250 حالة في الهند في حين تتحدث بعض التقارير الاعلامية عن وجود أكثر من 8800 حالة؛ ورغم أن السلطات لم تذكر عدد الأشخاص الذين ماتوا على الصعيد الوطني من الداء، إلا أن الصحيفة قدّرت وفاة أكثر من 219 شخصاً.

أما في البلاد العربية، عد أيام من تضارب المعلومات حول انتشار “الفطر الأسود” في مصر من عدمه، في وقت كشف تقرير صادر عن وزارة الصحة عن رصد بعض الحالات المتفرقة المصابة بـ “الفطر الأسود” بين مصابي فيروس “كورونا” المستجد خلال الفترة الماضية، حيث بدأت الوزارة باتخاذ منهج صحي وقائي ضد المرض.

أما في السعودية، على الرغم من تصدر هاشتاغ #وباءالفطرالأسود وتحدث مغردون عن “وباء جديد” ينتشر بسرعة معبرين عن خوفهم منه بقدر خوفهم من وباء “كورونا”، قال المتحدث بإسم وزارة الصحة، في مؤتمر صحفي بشأن مستجدات فيروس “كورونا” في المملكة، إنه لم يتم رصد حالات مصابة بـ “الفطر الأسود” في البلاد.

وفي العراق بعد الإعلان الرسمي من جانب السلطات الصحية العراقية في محافظة ذي قار – جنوبي البلاد – عن تسجيل أول وفاة بمرض “الفطر الأسود” و4 إصابات في الناصرية مركز المحافظة، أفاد مصدر طبي بأن كردستان العراق سجلت أول وفاة بالمرض.

العلاج والوقاية

يتم علاج “الفطر الأسود” بالأدوية المضادة للفطريات، وغالباً ما تُعطى عن طريق الوريد، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض. وتشمل الأدوية الأكثر شيوعاً “أمفوتيريسين ب”، وهو دواء يستخدم حالياً في الولايات الهندية لمكافحة تفشي المرض، وبعد السيطرة على العدوى قد يتم تحويل المريض إلى دواء مختلف، مثل “بوساكونازول” أو “إيزافوكونازول”، في وقت يوجد فيه نقص حاد بالدواء في الهند، التي تُعتبر “صيدلية العالم”.

وقد يحتاج المرضى ما يصل إلى 6 أسابيع من الأدوية المضادة للفطريات للتعافي، ويعتمد تعافيهم على وقت تشخيص المرض وعلاجه، وفي كثير من الأحيان، يلزم إجراء جراحة لقطع الأنسجة الميتة أو المصابة، لكن من الممكن أن تؤدي الجراحة إلى التشوه لأنها قد تنطوي على إزالة الحنك أو أجزاء من الأنف أو أجزاء من العين. ولكن من دون هذه الجراحة، تقل فرص البقاء على قيد الحياة بشكل كبير؛ وإذا كان الشخص مصاباً بداء السكري، فمن المهم أن تصل نسبة السكر في الدم إلى المعدل الطبيعي.

أخيراً، إن انخفاض الأوكسجين والإصابة بمرض السكري وارتفاع مستويات الحديد ونقص المناعة واقتران ذلك بعدة عوامل أخرى منها طول فترة البقاء في المستشفى على أجهزة التنفس الآلي؛ تخلق بيئة مثالية لـ “الفطر الأسود”. وبعد أن عُرفت الطريقة التي يخرج منها هذا المرض، يبقى التفكير في كيفية الوقاية منه قبل أن يتحول إلى جائحة جديدة تجهز على ملايين البشر، خصوصاً في حال حدوث أي تحوّر لدى طبيعة تلك الفطريات واتخاذها أشكالاً جديدة، وهنا قد تقع الكارثة.

مركز سيتا

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد