التسريحات الوظيفية الأميركية.. تقشّف ميزانيات أم سياسات اقتصادية فاشلة؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

تجتاح موجة التسريحات الوظيفية الشركات التجارية العالمية على اختلاف أحجامها ومجالات عملها، لا سيما الشركات العملاقة التي تعتبر اليوم من أهم الشركات الرائدة في مجال الأعمال وتحديدًا التكنولوجيا.

موجة تسريح الموظفين بدأت معالمها الحادة بالظهور مع بداية جائحة كورونا في العام المنصرم، واستمرت بشكل أوسع إلى أن وصلت حاليًا إلى مرحلة متقدمة، لا سيما بعد أن شملت هذه الظاهرة شركات عالمية كبرى. والسؤال المطروح هنا، هل جاءت هذه الإقالات الكبيرة نتيجة لعوامل خاصة بواقع هذه الشركات المالي أم أن الأمر أكبر وأعظم من ذلك؟ وما هو مصير هذه الشركات في ظل ما يشهده الاقتصاد العالمي من تغيرات كبرى؟

أرقام الإقالات ضخمة.. واللائحة تطول
تشير الإحصاءات العالمية إلى وجود أرقام كبيرة في عدد الموظفين المسرحين من عملهم خلال العامين المنصرمين. وهذا الأمر طال عدة شركات كبرى في العديد من الدول ومنها العربية، ولكن النسبة الأكبر والأعلى كانت في أوساط الشركات الأميركية ذات النفوذ العالمي لا سيما تيسلا (Tesla) وتويتر (twiter) وميتا (meta) وغوغل (google) ومؤخرًا وليس آخرًا أمازون (amazon) وغيرها العديد من الشركات.

في يونيو 2022، استبعدت شركة “تيسلا” للسيارات الكهربائية 10% من موظفيها، وبدورها أعلنت عملاقة صناعة السيارات “فورد” الاستغناء عن 8 آلاف عامل وموظف دفعة واحدة، أما شركة ” تويتر” فقد أعلنت عن تخفيض 30% من عمالتها في واحد من أكبر الاستغناءات في تاريخ الشركة. الأمر لم يختلف مع شركة “ألفا بت” – الشركة الأم لمحرك البحث جوجل – والتي أعلنت أنها ستقلل وتيرة التوظيف في جميع مشاريعها وأقسامها حول العالم حتى نهاية العام، أما شركة ميتا المالكة للفيسبوك، فقد أعلنت تجميد خططها لتعيين المزيد من الموظفين الجدد، وقللت من خطتها لتوظيف المهندسين بنسبة 30%، ومؤخرًا شركة أمازون أعلنت عن تسريح ما يقارب 10,000 موظف تقريبًا.

الأسباب متشعبة والاقتصاد الأميركي مترنّح
بالحديث عن أسباب هذه الظاهرة التي بدأت تنتقل عدواها إلى الكثير من الشركات الكبرى والناشئة، تتعدد هذه الأسباب وتختلف بين داخلية وخارجية، وهي بطبيعة الحال تعكس حقيقة ما يواجهه الاقتصاد العالمي عمومًا والاقتصاد الأميركي خصوصًا من تقلبات وتحديات كبرى.

يعيش الاقتصاد العالمي اليوم حالة من التخبط والركود والتضخم وارتفاع الأسعار وزيادة الاستحقاقات والتحديات، وهذا الأمر نتيجة لعوامل عدة، أبرزها تأثيرات جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية والآثار المباشرة وغير المباشرة لها على الاقتصاد العالمي ككل.

ومن ناحية أخرى، فإن للسياسات الاقتصادية الأميركية الخاطئة أثرها البالغ في وصول هذه الشركات إلى ما هي عليه اليوم، بدءًا من عهد ترامب وإعلانه الحرب الاقتصادية على الصين لا سيما على مستوى الريادة التكنولوجية، وتعاظم حالة الركود والتضخم في بلاده علمًا أن الديون المتراكمة على أميركا بلغت الـ 30 تريليون دولار، وصولًا إلى الدعم الأميركي اللامتناهي لأوكرانيا في حربها على روسيا. وتجدر الإشارة أيضًا أنه بات من الملفت عزوف الكثير من المستثمرين عن الاستثمار في قطاع التكنولوجيا، علمًا أن الاقتصاد الأميركي يعتمد بسنة 10% على هذا القطاع.
هذه العوامل وغيرها جعلت الاقتصاد الأميركي في حالة حرجة، لا سيما وأن الاقتصاد العالمي اليوم لم يعد يشكل “رافعة” لأي اقتصاد متعثّر، وأن الأزمة الحالية تختلف عن تلك التي شهدها العالم خلال العام 2008، بل هي أشد تعقيدًا وأكثر تأثيرًا على اقتصاد الدول ككل.

أمام هذه المعطيات، بات من الواضح أن الشركات العالمية لم يكن لديها من حل أنسب لتعويض أرباحها سوى تخفيض تكاليفها عبر التخلي عن أعداد كبيرة من اليد العاملة، وها هي تثبت اليوم أن الصناعة التكنولوجية ليست بصناعة “آمنة”، لأن هذه الشركات تمر حاليًّا بسلسلة أزمات لا تنتهي وبالتالي فإن احتمالية الإفلاس هي فعلًا قائمة وممكنة، وأن الأسباب لا تتعلق فقط بتقشف الميزانيات بل هي أشد ارتباطًا بواقع الاقتصاد الأميركي المتعثر.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد