استقلال المؤسسات الصحفية: المخيال الاجتماعي المُتراكم

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

هاني العبندي* – خاص الناشر |

يجري الحديث بين فترة وأخرى عن أهمية العمل الصحفي المؤسسي المستقل لضمان عدم التأثير على سياسة التحرير والقضايا التي يُسلط الضوء عليها، إلا أن هذا الأمر لا واقعية له ولا يمكن أن يُطبق بالمعنى الحرفي للكلمة، إلا أنه يمكن القول أن الموضوعية والمصداقية يُعتبران بِمثابة جناحين للعمل الصحفي الرصين لأي مؤسسة صحفية تتطلع إلى أن يكون لها دور مؤثر والذي من خلالهِ يمكن أن يُميز القارئ والباحث عن حقيقة الأحداث والقضايا التي تُشكل أهمية بالنسبة لهما.

ونظرًا إلى أهمية ودور مُفردات اللغة وما تحمل من معانٍ مُتعددة وفق سياق الجُملة أو ما يصطلح عليه المتبحرون في اللغة بعلمِ الدلالة، إذ قد تتبعت مصادر متنوعة لمعرفة حقيقة مفهوم الموضوعية في العمل الصحفي وخلاصة ما وجدت أن الأمر أقرب إلى محض الخيال، وذلك نظرًا إلى أن هذا المفهوم يُقصد منه التعامل مع الواقع كما هو والتجرد التام من الأحكام الذاتية.

ومما ينبغي إيضاحه من أجلِ إزالة صورة التناقض التي قد تُلحظ، أُؤكد على أن صعوبة تحقيق الموضوعية في العمل الصحفي لا تنفي وجود أعمال تتصف بالموضوعية، إنما هي حالات نادرة لا سيما حينما ترتبط المادة الصحفية ارتباطًا وثيقًا بحياة البشر اليومية، فيما من الممكن العثور على قضايا صحفية ذات صفة موضوعية وذلك لطبيعتها وأعني هنا القضايا العلمية الصرفة.

أستحضر في ذاكرتي الصحفية حديثًا مع صديق وزميل صحفي يقول: “البعض لا يُميز بين العمل الصحفي والعمل السياسي ويطلب من الصحفي موقفًا سياسيًا لمجرد مُمارسة النقد على المعارضة، والحال كذلك لا يختلف مع الحكومات حِينما ننتقدها في بعض قراراتها التي تمس المواطنين”.

ببدو لي أن من العبث عند بعض المهتمين في الصحافة الانشغال في مدى استقلالية هذه الصحيفة أو تلك القناة الإخبارية، بل ويسري ذلك على الصحافة الرقمية المُتجددة في هذا العصر، وأجد أن قمة العقلانية هي في فحص المادة الصحفية التي تُشكل أهمية وضرورة عبر التحقق من مستوى المصداقية وأبعادها الحقيقية قدر المُستطاع، ولعلى هذا ما يُفسر قلق حكومات العالم القديم حيث كانت تُسيطر على مصادر المعلومات والتي كانت شحيحة وتُمارس التضليل عبر بث الأكاذيب بالروايات التاريخية الكاذبة أو من خلال بعض الشعراء الذين يمجدوننا.

ينقل المؤرخون في عهد الدولة الأموية عن الإمام علي عليه السلام على لسان بعض المُشككين بقولهم كيف قُتل الإمام علي عليه السلام في المحراب فهل كان أمير المؤمنين يصلي؟!

ومن النماذج التي عاصرتها في التضليل الصحفي اتهام الرئيس العراقي السابق صدام حسين والترويج عبر الصحافة الأميركية بوحود علاقة مع زعيم تنظيم القاعدة وذلك بعد تصريحات الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، مما أوجد صورة ذهنية في عقل المواطنين الأمريكيين أن الرئيس صدام حسين وراء الهجوم على برجي التجارة العالمي في الولايات المتحدة الأميركية بالتعاون مع زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن، إلا أن هذه الرواية تم تكذيبها بعد سنوات من ازاحة صدام من المشهد السياسي العراقي.

أجد من الضروري التخلص من الصورة التخيلية الاجتماعية عن وجود استقلالية في العمل الصحفي المؤسسي. وما أكثر المؤسسات الصحفية في العالم، إلا أن كثيرًا منها تفتقد إلى أدنى درجات العمل الصحفي، والذي يُمكن الاتكاء عليه في معرفة وفهم الواقع الإنساني المُعاصر بكل تناقضاته مما تَكاد تُسبب أكبر فوضى عرفها التاريخ البشري، وذلك عبر نشر وبث مُختلف الأكاذيب والتضليلات في مختلف القضايا مُنذ المراحل الأولى التاريخية لتشكل الصحافة.

*صحفي سعودي

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد