جرت العادة في لبنان على انتقال الإعلاميين عند مفترق معيّن إلى الأعمال الفنية، لأسباب مختلفة تتنوّع بتنوّع خلفيات كلّ منهم.
المستجدّ في انتخابات ٢٠٢٢ أنّها شكّلت بوابة عبور من الإعلام إلى احتراف العمل السياسي، ترشيحًا وتجنيدًا للذات في خدمة خطّ سياسي معيّن. الأمر بحدّ ذاته لا يعيب فاعله، تمامًا كما لا يُعاب الإعلاميّ/ة إذا دخل المعترك الفنّي إلّا إذا تولّى تسمية الهبوط فنًّا، أو قام بما يعيب انسانيته وشرفه وأخلاقه باسم الفنّ. وهذا ينطبق على العابرين إلى السياسة من باب التجربة الإعلامية، لا يُعابون إلا بمقدار اقترافهم العيب بحقّ أنفسهم أولًا، ولو بحجّة الضرورات “السياسية”.
لكن الضرورات السياسية هذه حتّمت الكثير من الهبوط وجاءت بالكثير من العيب ولو بنسب متفاوتة على الذين أرادوا هذا العبور لدواع مختلفة وما عبروا.
لم يكن الأمر مقتصرًا على ترشّح أسماء جاءت من العمل الإعلامي بعد أن وجدت في ذاتها حيثيات تؤهّلها لخوض تجربة تمثيل الناس، بعد التمثيل عليهم ربّما، بل تعدّاه إلى القنوات التي بدت وكأنّها ترشّح لوائحها المتضمنة موظفين لديها أو ضيوفًا دائمين في برامجها الحوارية.
ومع اعلان نتائج الانتخابات، وفشل عبور الإعلاميين إلى الحقل التمثيليّ، يمكن تقييم تجربة الإعلام الانتخابية ليس فقط من خلال الأداء “الظالم” ككلّ، ولا من جهة الاستعجال في إعلان فوز وهمي هنا أو خسارة لم تحدث هناك، بل أيضًا من خلال محاولة هذا الإعلام خوض العملية الانتخابية كجهة تقوم بالترشيح وبإدارة الحملات الانتخابية مباشرة على الهواء بعيدًا عن دوره الطبيعي والذي ينحصر في تغطية العملية الانتخابية وما يرافقها بشكل “منصف”.
كثرَ الإعلاميون المرشحون الذين واجهوا الفشل في الصناديق. تبيّن لهم أنّ خوض التجربة يحتاج إلى أرض واقعية مأهولة يجد ساكنوها أنّ هذه الوجوه مؤهّلة لتمثيلهم أو قادرة عليه.
انتهت الانتخابات بخسارة مدوّية للوائح “الإعلام” إذا صحّت التسمية: من الجديد إلى تلفزيون المرّ، ومن الأفراد إلى التكتلات الافتراضية التي كرّسها الظرف الانتخابي. وبخسارتها فشل الإعلام مرتين بضربة واحدة: فشل في تغطية الموسم الانتخابي بالحدّ الأدنى من المعايير الأخلاقية المتعارف عليها، فلم يعد مرتبطًا بالدّور الأصليّ الذي لأجله، ولو على “عيون الناس”، وُجد الإعلام، وفشل في تحقيق أي عبور لموظفيه وضيوفه المدللين إلى داخل مجلس النوّاب، فلم يحقّق أي هدف عمليّ أو واقعيّ من خوض التجربة. وبالفشلين، أثبت كونه أداة استخدمتها السفارات بشكل علنيّ، ليكون عجزها علنيًا أيضًا، وربّما محرجًا لها أمام من موّل واستثمر في الأسماء وفي المؤسسات وذهبت أمواله هباءً منثورًا.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.