المقاومة كما لم تقرأ عنها من قبل

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

يُخلق الإنسان وفي عينيه شغفُ البحث عن السعادة، وفي فمه شغفُ تذوق العسل، لكن عليه أن يبكي لكي يكون سليمًا فالألم مرافق للحياة.
لماذا الألمُ مرافقٌ للحياة؟ ولماذا نكرهُ الألم بينما نحبُ الحياة؟

الألم ينتج عن خوض التجارب واقتحام المصاعب والتفاعل بالتجاذب والتنافر.

إن الإنسان هو عملية تفاعله مع محيطه، وليس فقط هذا الجرم الصغير المكون من جسد وروح وقلب وعقل دون خوض التفاعل ذاك

هذا التفاعل المستمر يشبه التسبيح، فأن نقول سبحان الله هو أن نقوم بتلك العملية العقلية التي تبحث عن الكمال تدريجيًا، وكلما وصلت إلى مرتبة وجدت فيها نقصًا ننفيها متجهين بكل كياننا إلى ما يعلوها دون نقصٍ أو احتياج، لأن الله هو الكمالُ المطلق، وإن المقاومة تشبه تمامًا هذا التسبيح في حياتنا، إنها رحلة البحث عن السعادة وبلوغ الكمال.

وإذا كنا نحتاج إلى الألم على المستوى الفردي من أجل حياتنا البشرية بمعنى أن نتهيأ على مستوى الفرد لمواجهة كل ما يعترض حياتنا من تحديات نحارب فيها نواقصنا لنحقق سعادتنا المنشودة، فإننا نحتاج إلى الألم على المستوى الجماعي من أجل حياتنا الإنسانية بمعنى أن نتهيأ لمواجهة التحديات على مستوى الأمة لنبلغ الكمال المطلوب.

من هنا تأتي المقاومة لتختزل الدوافع والإرادات والقيم في حقيبة سفر تقدمها لكل من يقرر سلوك الطريق والبحث عن السعادة وبلوغ الكمال على مستوى الفرد والأمة.

وفي الوقت الذي تؤمن لك الأرض مأكلك ومشربك وسكنك لتعيش، فإن المقاومة تؤمن لك إجابات عن تساؤلاتك الوجودية وتعطيك المحرّك لفاعليتك وتفاعلك وإبداعك وترسّخ فيك القيم الضرورية لتحيا.

ماذا يعني أن يبلغ مجمتع أو أمةٌ السعادة أو الكمال؟
إنه يعني أن يقرر هذا المجتمع أن يمتلك خمسة مقومات تجعله مجتمعًا مثاليًا، هي أن يكون:

  1. صاحب إرادة
  2. صاحب سيادة
  3. صاحب عقيدة
  4. صاحب قوة
  5. صاحب كرامة

فالإرادة هي قدرته على اتخاذ القرار وتعينه على مقاومة الجبن والتخاذل والتباطؤ، والعقيدة هي المحرك الذي يدفعه نحو التقدم والعمل، والقوة هي التي تجعله صاحب بأس ووعي وعُدة يخيف بها أعداءه فيتمكن من حماية وجوده وسعادته، والسيادة هي الهيبة التي تحمي إرادته من أن تُقيد أو تُحد أو تُفرض عليه ثقافة لا تشبهه أو حضارة لا تمثله أو يُعبث بشؤونه، أو يُستهزأ بقضاياه،
والكرامة رداء يحصنه من أن يقبل بإذلاله أو إخضاعه ولو بذل الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على كرامته.

حين يتحلى المجتمع بهذه المقومات ويضع قدمه على سبيل النجاة أو في طريق الوصول ويكون مستعدًا ليجابه كل ما يعترض طريقه ويقدم التضحيات ليبلغ الهدف فإنه سيكسب أولًا:

  1. أرضه التي عليها تجلي وجوده والشاهدة على مسيرته وأعماله والحاضنة لذاكرته، والحافظة لحياته، وحقّه المجبول بذاته.
  2. خيرات أرضه ونعماءها من ثمار وفواكه وقمح وحنطة وزيتون، فلا يستطيع أحد أن يمنع عنه لقمة عيشه أو يحرمه رغيف خبزه أو يسرق نفطه أو غازه أو ذهبه أو ماله.
  3. أن يكون مجتمعًا إنسانيًا، وهو فوق أن يكون مجتمعًا بشريًا، ويعني ذلك أن يثبت القيم النبيلة في شؤونه فتكون ثقافة حياته ونمط عيشه ومجلى حضارته.
  4. أن يكون مجتمعًا حرًّا، أي أن لا يكتفي بأن يحقق سعادته لنفسه بعيدًا عن سعادة المجتمعات الأخرى البائسة والحزينة.
    فهو لا يمكنه أن يبلغ أكمل أوجه سعادته إذا ما رأى باسًا أو ظلامًا أو شرًا على وجه الأرض، فيتحرك دائمًا نحو نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف والدفاع عن المستضعفين أينما وجدوا على مبدأ (حيث يجب أن نكون سنكون)، فلا يهنأئ له عيش حتى تنعم كل الإنسانية برغد العيش حتى لو بذل وضحى بكل ما يملك في سبيل ذلك.

ما الفرق بين المقاومة والطموح؟
إن كلّ أمةٍ وكلّ شعبٍ في داخلهما حبّ الكمال مهما اختلفت ثقافتهما أو هويتهما أو ديانتهما فيبقيان مفطورَين على التطلع إلى الكمال؛ فالمقاومة هي هذا الشغف المقترن بالعمل والمستهدي بالحق والجمال أي سلوك الطريق المستقيم؛ فإن الشعوب أو الدول التي تبحث عن الكمال دون الاستهداء بالحق والجمال بل تذهب فتنهب وتظلم وتقتل وتدمر لكي تسرق سعادتها على أكتاف بؤس الآخرين وشقاوتهم لن تحقق من الكمالِ شيئًا ولن تجد السعادة مطلقًا لأنها جبنت عن أن تبحث في ذاتها عن مكامن طاقاتها وقوتها وكمالها فراحت تستجديها من حضارات وخيرات الآخرين.

أخيرًا، إن المقاومة أن تكون موجودًا، تعيشها على مستواك الشخصي منذ لحظة ولادتك الأولى، وتستمر تقاوم خصائصك الفيزيولوجية المحدودة للتعبير عن رغباتك، أي تخترع أساليب التكيف والتأقلم مع تطلعك لمزيد من النمو، فتبكي حين تجوع وتحبو حين لا تقدر على المشي وتمشي ثم تقع وتنهض تتألم وتتعلّم.
وتعيشها على مستوى أمتك في أن تواجه الأخطاء فتصححها، وتحارب الفساد وتواجه المخاطر بشجاعة وإرادة وتصون مقدّراتها وتبني مسار قوتها، وتحصّن هويتها وعقيدتها، وتتعاون وتتضامن وتتكافل وتتكاتف وتعطي الفقير وترحم الصغير وتوقّر الكبير وتحكم بالقسط والعدل، وتعطي كل ذي حقٍ حقه وتدافع عن الحق في وجه الباطل أينما وجد.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد