المبادرة الخليجية في اليمن ولبنان.. تشابهٌ في الأهداف

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

تتجه الأنظار صوب أوكرانيا في ظل تسخينٍ روسي أميركي، حول قضية تعود بتاريخ الصراع عليها إلى سنوات.

والأزمة اليوم مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها العسكري في ظل التحشيد من الطرفين، وقد تشكل الخرق الأول للحرب الباردة بينهما.

وعلى صعيد منطقتنا العربية، رفعت الصواريخ اليمنية حرارة الأجواء الخليجية ردًا على مجازر الإمارات والسعودية بحق المدنيين في اليمن، في ضربة ثانية للإمارات بعد عملية “إعصار اليمن” والتي استهدفت منشآت حيوية في أبو ظبي في رسالة واضحة لكف يد الإمارات عن التدخل العسكري في اليمن، وفي تصعيدٍ وسع دائرة الحرب اليمنية من الأرض إلى الجو، ومن المحيط السعودي إلى دائرة أوسع طالما أن العدوان مستمر على اليمن.

قد يتساءل البعض لماذا هذا الإصرار على استمرار الحرب على اليمن في ظل خسائر ميدانية وتكلفة اقتصادية هائلة وفشل عسكري وسياسي في كسر الإرادة اليمنية. لماذا تستمر السعودية وخلفها الإمارات بحرب طال أمدها ولم تحقق أيًّا من أهدافها العسكرية؟ الجواب نجده في المبادرة الخليجية التي قدمت كحل سياسي للحكم في اليمن في العام ٢٠١١ في نشوة الربيع العربي ورياح التغيير السياسي في الدول العربية، وعلى الرغم من أن عنوان هذه المبادرة هو الشراكة في الحكم بين المكونات اليمنية باستثناء أنصار الله والحراك الجنوبي، إلا أن المفعول الحقيقي لهذه المبادرة هو الشراكة بين دول مجلس التعاون الخليجي الست في تقاسم اليمن لمناطق نفوذ ومصالح كل دولة فيه، وبوصاية سعودية تضمن أن لا يخرج اليمن عن مساره التاريخي بالتبعية السياسية للسعودية، الأمر الذي أحبطه أنصار الله بوصولهم إلى الحكم والسير بعكس الأهواء السعودية والتمرد على الجارة الخليجية في محاولة لإعادة اليمن إلى السيادة في اتخاذ قراره السياسي والاقتصادي وبناء الدولة.

الأمر نفسه ينطبق على لبنان والعراق، لا تختلف السياسة السعودية كثيرًا فيهما وإن اختلفت أدواتها، فهي مطاطة وفقًا للحاجة والضرورة، فالسعودية التي لطالما طرحت نفسها كمرجعية للسنة في العالم العربي، وتحديدًا لبنان، وكان لها دائمًا الحق في الاعتراض على أية شخصية سنية تُرشح لمنصب رئاسة الوزراء، أو قد تحاصر وتنهي كل دور سياسي لا ينسجم مع الرؤية السعودية، رأيناها بالأمس، وبعد تعليق سعد الحريري العمل السياسي لتيار المستقبل، تعلن أن سمير جعجع الماروني هو المرجعية التي تمثل السعودية في لبنان، ودعت السنة لمبايعته سياسيًا! وهي تدرك جيدًا السجل الحافل لجعجع في المجازر التي ارتكبها وطالت شخصيات سنية دينية وسياسية في فترة الحرب الأهلية في لبنان، إلا أن تلاقي المصالح بين الطرفين يطغى على كل ما دونه بالنسبة للسعودية، في لعبة أصبحت علنية وواضحة المعالم. ليس المهم إن كنت سنيًا او مسيحيًا، المهم هو مواجهة حزب الله في الداخل اللبناني، والرهان كله على الانتخابات النيابية في قلب الطاولة على حزب الله وحلفائه سياسيًا بعدما فشلت عسكريًا في أكثر من مناسبة، وأبرزها حرب تموز عام ٢٠٠٦ التي أعتقد أن اللبنانيين استعادوا ذكراها بالأمس وهم يستمعون إلى وزير خارجية الكويت وهو يملي الشروط الخليجية على لبنان في سبيل انقاذه اقتصاديًا من أزمة مفتعلة يبدو أنها لم تحقق أهدافها.

لعبت الكويت دائمًا دور الوساطة في الأزمات الدبلوماسية سواء بين السعودية وإيران أو بين السعودية ولبنان، وكانت الدولة الخليجية الأقل حديةً في القطيعة مع لبنان، إذا جاز التعبير، إلا أن الرسالة التي حمّل بها وزير خارجيتها بالأمس تشبه إعلان حرب في حال عدم تنفيذ بنودها، والأبرز هو تطبيق القرار 1559، وهو عنوان الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام ٢٠٠٦.

عملية خلط الأوراق هذه، تشير إلى اصرار السعودية على السير بسياستها العدوانية وعدم القبول بالهزيمة التي تلاحقها من سوريا إلى اليمن فلبنان والعراق الذي تسعى فيه لإحياء داعش من جديد لتنفيذ دورٍ جديد ضمن الأجندة الأميركية للعب على الخطوط السياسية والعسكرية والأمنية. ومن يقرأ في مضمون تغريدة رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي يدرك المعنى، فقد دعا لتشكيل فصائل سنية في المناطق السنية (ديالى، صلاح الدين، الأنبار) من أجل مواجهة داعش بعد أن ارتكبت مجزرة راح ضحيتها أحد عشر فردًا من الجيش العراقي.
هذه الذريعة قد تكون بداية للتقسيم وإعلان إقليم سني منفصل وبرئاسة الحلبوسي، وهو ما لمّح إليه أبو علي العسكري القائد في كتائب حزب الله، وحذر من مخطط تقسيمي ونية لعودة الحكم البعثي في العراق.

وقد اتهم العسكري الحلبوسي ضمنًا بتجهيز جيش مدني من المجرمين بالتعاون مع أحد رؤساء العشائر وإدخال بعض منهم إلى بغداد، الأمر الذي ترافق مع حديث عن فصيل إرهابي جديد يسمي نفسه أشباح الصحراء!

من جهة أخرى، وفي السياق ذاته، هرب ما يقارب المئتين من قيادات داعش وقيل أكثر من ذلك بكثير من سجن الحسكة في سوريا بعد افتعال حريق في السجن، والوجهة بالتأكيد العراق.

والعراق الآن في مرحلة حساسة جدًا في ظل شبه الفراغ السياسي، والانفلات الأمني، وانعدام ثقة الشعب بحكامه وانشغال البعض بمصالحهم السياسية الضيقة.

أمام هذه الحلقات التي تبدو مترابطة في الأهداف، وفي ظل تسخين الجبهات سواء سياسيًا أو عسكريًا، هل نحن مقبلون على أحداث تشبه عام ٢٠٠٦ في لبنان وعام ٢٠١٤ في العراق؟ الجواب مرتبط بطرق المواجهة ومن يتخذ الخطوة الأولى، والمبادرة لن تكون ربما هذه المرة خليجية، بل يمنية.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد