“قالب حلوى متعدد الطبقات”: هكذا يكافئ العرب “إسرائيل”!

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

حمل عهد ترامب في رئاسة الولايات المتحدة، مرادفات كثيرة لصفات الرجل. الرئيس القادم من عالم الأعمال، كرّس مفهوم “الصفقة” ومقاربات البيع والشراء في سياسات واشنطن تجاه حلفائها، قبل خصومها، بصورة فجّة غير مسبوقة. “الرئيس الهزلي”، المعتاد على الشاشات والبرامج التلفزيونية، هو الوجه الآخر غير المألوف لعهد حمل كامل مواصفات “الجدلية”، أقله في منظور الشارع الأميركي. جدلية، أرخت ظلالها، بما لا يدع مجالًا للشك، على إحدى أكثر القضايا جدلية، ألا وهي قضية الصراع العربي “الإسرائيلي”.

فقد عهِدَ ترامب، بولاية رئاسية يتيمة، والذي عكس ثقافة “حكم العائلة والجنرالات” جعلته أقرب إلى أنظمة “غير ديمقراطية” تزعم واشنطن محاربتها، إلى صهره جاريد كوشنر الترويج لـ “صفقة القرن”، من خلال تعيينه وسيطًا في ما يعرف بـ “عملية السلام” بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” لتكون النتيجة تطبيع عدد من الدول العربية علاقاتها مع “إسرائيل”.
مسار التطبيع، والذي اندرج تحت إطار ما اصطلح على تسميته بـ “اتفاقات أبراهام” شمل الإمارات، إلى جانب البحرين، والمغرب، والسودان. فما هي أبرز خلفيات وآفاق التطبيع الإماراتي “الإسرائيلي”؟

كعكة متعددة الطبقات: اتفاقيات تعاون عسكري وأكثر
من جانبه، يعتبر المحلل الأميركي سيت فرانتزمان، أن علاقات “إسرائيل” مع الإمارات هي أشبه بـ “قالب حلوى الكعكة متعدد الطبقات”، حيث يشكل الجانب التجاري الاستثماري طبقة واحدة منه، في إشارة إلى اتفاقات وقعتها أبو ظبي مع شركات “إسرائيلية” في مجالات النقل الجوي، والبنوك، والسياحة، في حين تشكل العلاقات السياسية والأمنية والعسكرية الطبقات التالية منه.

ويؤكد فرانتزمان أنه “يمكن تنامي العلاقات الدفاعية بين “إسرائيل” والإمارات العربية المتحدة”، لتصبح في مستوى “الشراكة الاستراتيجية” بين تل أبيب ونيودلهي، مشيدًا بإبرام عدة صفقات بين شركة صناعة الطيران “الإسرائيلية” (IAI) في تل أبيب وتكتل EDGE الدفاعي الإماراتي بشأن التصنيع المشترك لطائرات مسيرة ومعدات عسكرية أخرى بحرية وجوية وصاروخية بواسطة معهد دبي للطيران لعام 2021.

رئيس الشركة “الإسرائيلية” بواز ليفي، أشاد بدوره بالاتفاقيات مع أبو ظبي، ووصفها بأنها “نقطة انطلاق لمزيد من الأعمال التجارية والتحالفات الاستراتيجية” بين البلدين. ويضيف فرانتزمان أن “العلاقات بين أطراف مثلث الإمارات، الولايات المتحدة، إسرائيل، ستبقى محورية للبناء عليها في الخطوات القادمة المقبلة”.

تحالف عسكري أمني برعاية أميركية
شكلت المناورات البحرية الأميركية – “الإسرائيلية” – البحرينية – الإماراتية المشتركة في البحر الأحمر في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أول تعاون عسكري علني بين العاصمتين الخليجيتين وتل أبيب عقب “اتفاقات أبراهام.

ويعتبر الكاتب الأميركي في شؤون السياسة الخارجية تريفور فيلسيث أن المناورات تعكس “تحولًا ملحوظًا في ميزان القوى في الشرق الأوسط”، وانتقالًا من مرحلة “التحالف العسكري السري” لعقود خلت، بين أبو ظبي وتل أبيب ضد إيران، إلى “حقبة جديدة من التعاون المفتوح بين الجانبين”، حيث شارك وفد من القادة الإماراتيين في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي في تدريبات جوية داخل “إسرائيل”، إلى جانب الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، تزامنًا مع أنباء عن وجود طيارين أميركيين و”إسرائيليين” داخل قاعدة الظفرة الإماراتية لمهام تدريبية على طائرات F-35.

وبحسب مجلة “ناشونال انترست”، فإن “اتفاق السلام” الإماراتي “الإسرائيلي” أسهم في تغيير واقع “الستاتيكو” الإقليمي رأسًا على عقب، مع إحداث “تحول تكتوني” بمضامين سياسية واستراتيجية قوامها نجاح “إسرائيل” في تشكيل محور يمتد من دول الخليج، مرورًا بمصر، والأردن، وصولًا إلى اليونان والهند. ومع أن دول المحور المشار إليه، “لا تتطابق مواقفها بشأن كل القضايا، إلا أن الإمارات واليونان تتشاركان وجهات النظر بشأن التحركات العدوانية الأخيرة لأنقرة، في حين تتشاطر كل من “إسرائيل” والسعودية مخاوفهما بشأن دور إيران” الإقليمي.
وتلفت المجلة إلى أن قرار الولايات المتحدة سحب قواتها من المنطقة، إضافة إلى مخاوف حلفائها من تحول موقفها إزاء قضايا المنطقة، بغرض التفرغ لمواجهة خصومها الاستراتيجيين، كالصين وروسيا، يدفع هؤلاء الحلفاء إلى توثيق العلاقات بين بعضهم بعضًا تحسبًا لخروج القوات الأميركية من الشرق الأوسط.

وتلمح المجلة إلى أن قرار واشنطن مطلع العام الجاري، بنقل “إسرائيل” من منطقة عمليات “القيادة الأوروبية للقوات الأميركية” إلى منطقة عمليات “القيادة المركزية”، يتيح إدخال “إسرائيل” في نسيج المنطقة بصورة أكبر على مختلف الصعد، بخاصة الأمنية، علاوة على بلورة علاقاتها العسكرية مع أبو ظبي بصورة أوضح، تحت لواء “القيادة المركزية”.

مواجهة “التهديد الإيراني”
وتنظر صحف غربية إلى أن “مسار “أبراهام” “يمهد الطريق أمام “إسرائيل” والبحرين والإمارات لتكثيف التجارة والتعاون التكنولوجي والسياحة”، إضافة إلى “التعاون الاستراتيجي ضد إيران”، على أن يتبعها “إطلاق أجندة استراتيجية للشرق الأوسط لتعميق التعاون الدبلوماسي والتجاري والأمني مع الدول الأخرى الملتزمة بالسلام”، في إشارة إلى توسيع الاقتراح السابق لإدارة ترامب بشأن إقامة ما وصف بـ “ناتو شرق أوسطي”.

وترى تلك الصحف أن ثمة أسبابًا تدعو طهران إلى “الحذر من التعاون العسكري والاستخباراتي الوثيق بين “إسرائيل” والدولتين الخليجيتين”، مع الحديث عن “تصدير أسلحة أميركية أكثر تطورًا إلى البلدين”، بما في ذلك طائرات F-35، بعد طول ممانعة إسرائيلية.

“عملية السلام”
سعت إدارة ترامب، عبر ما بات يعرف بـ”صفقة القرن”، إلى إطلاق عملية سلام إقليمية بين “إسرائيل” وعدد من الدول العربية، مع تركيزها على حرمان السلطة الفلسطينية من حق النقض (الفيتو) الطويل الأمد ضد سياسات القادة العرب الآخرين تجاه “إسرائيل”، وهي سياسة شكل مؤتمر البحرين عام 2019 أحد أبرز مصاديق إغراءاتها الاقتصادية.

وتتفق معظم التحليلات الغربية، على أنه يمكن لمسار “أبراهام” أن “يدفع الفلسطينيين إلى تبني موقف تفاوضي أكثر واقعية تجاه “إسرائيل”، علاوة على “تعبيد الطريق لتعاون استراتيجي أوثق ضد إيران” بين أبو ظبي وتل أبيب. ولعل زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي إلى الامارات مؤخرًا تكشف مدى انزعاج تل أبيب من أي تحسن محتمل في العلاقات الإيرانية الإماراتية عقب زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي لطهران.

ويرى محللون غربيون أن الإمارات ترغب في إحداث اختراق في ملف “التسوية” بين “إسرائيل” والفلسطينيين، بغية “تغيير السردية (السياسية) السائدة في الشرق الأوسط، التي دأبت على توظيف القضية الفلسطينية لتشجيع التطرف المناهض لـ”إسرائيل”، والذي لم يفضِ إلى تقدم نحو السلام”.

وفي حين اقترحت السعودية التطبيع مع “إسرائيل” مقابل اتفاق سلام مع الفلسطينيين عام 2002، فإن خيار أبو ظبي الراهن ينحو باتجاه معاكس يقوم على “التطبيع أولًا، ومن ثم الدفع باتجاه إحراز تقدم في السلام”، وهو خيار يلقى تأييدًا سعوديًا، وفق هؤلاء.

التطبيع الاقتصادي: “زواج سياسي” بين المال الخليجي والتكنولوجيا “الإسرائيلية”

وعن الخلفية الاقتصادية لملف التطبيع “الإسرائيلي” مع دول الخليج، تعلّق بعض الدراسات الغربية أهمية على خطط أبو ظبي لاستثمار 10 مليارات دولار في “إسرائيل”. وتذهب دراسة غربية بعنوان: “التعاون الاقتصادي “الإسرائيلي” الخليجي يمكن أن يعود بالفائدة على الفلسطينيين”، إلى أن “تطبيع “إسرائيل” مع هذه الدول من شأنه أن يعود بالفائدة على الطرفين، وأن الفلسطينيين هم الجهة المستفيدة بصورة غير متوقعة من تحسين العلاقات ““الإسرائيلية”” مع العالم العربي”.

وتقترح الدراسة، التي أعدها الباحثان أورد كيتري وفارشا كودوفايور، “شراكات ثلاثية” بين رأس المال الخليجي العربي والتكنولوجيا ““الإسرائيلية”” المتطورة والجانب الفلسطيني، لا سيما وأن العديد من رجال الأعمال والباحثين الفلسطينيين يتقنون اللغة العبرية، إلى جانب ثقافتهم العربية، مشيرة إلى إمكانية أن يلعب هؤلاء دورًا في “تسهيل الشراكات بين “الإسرائيليين” وعرب الخليج”.
يضيف الباحثان لدى “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية”، المعروفة بولائها لـ “إسرائيل”، أن تنفيذ هذه الشراكات، “يوجب على “إسرائيل” والإمارات والبحرين -بتسهيل من واشنطن- متابعة المبادرات لإدراج قطاعات الصناعة والأعمال الفلسطينية في بعض الجهود التعاونية بينهم”، مشيرة إلى نوعين من البرامج والمبادرات التي يمكن أن توفر نموذجًا لكيفية النهوض بهذا التعاون، سواء عبر برنامج MERC أو QIZ.

وتشير الدراسة إلى أن الولايات المتحدة رعت تأسيس “برنامج التعاون الإقليمي للشرق الأوسط”، أو ما يعرف بـ (MERC) في مجالات متعددة كالزراعة والطب والمياه، عام 1981، بهدف تعزيز التعاون البحثي بين العلماء المصريين و”الإسرائيليين” بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، قبل أن يتوسع البرنامج المذكور عام 1993 ليشمل التعاون بين علماء من “إسرائيل” والأردن والمناطق الفلسطينية، داعية إلى “بذل الجهود لتشجيع وتسهيل التمويل الإماراتي والبحريني لمثل هذه البحوث التعاونية الثلاثية”.

مبادرة أخرى، تقترحها الدراسة في إطار الاستفادة من مسار “أبراهام”، هي مبادرة QIZ، التي أطلقتها واشنطن في العام 1996 لتعزيز ما تسميه “التكامل الإقليمي الاقتصادي”. وهي مبادرة تنطوي على هدف “تطبيعي” بامتياز، حيث قامت على السماح لمصر والأردن وقتذاك، بوصفهما أول دولتين عربيتين وقعتا “اتفاقات سلام” مع “إسرائيل”، بتصدير منتجات معفاة من الرسوم الجمركية إلى الولايات المتحدة، بشرط احتوائها على مكونات “إسرائيلية”.

وتدعو الدراسة إلى إدماج الفلسطينيين ودول عربية جديدة في مبادرة QIZ للاقتصاد الأميركي، مضيفة أن “مناطق QIZ ستكون مناسبة أيضًا لمصانع أخرى تعتمد على البحث والتطوير الإسرائيليين”، إلى جانب دعوتها الولايات المتحدة إلى تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيدًا عن الصين إلى دول الشرق الأوسط التي تقدم إمدادات عمالة تنافسية نسبيًّا.

وبحسب الدراسة، فإن أي خطة للتعاون الاقتصادي الخليجي – “الإسرائيلي” – الفلسطيني تتوقف على استعداد القادة “الإسرائيليين” والفلسطينيين للسماح بمثل هذا التعاون.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد