الشهيد هادي نصر الله بعيونٍ سوريةٍ

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أنا لستُ من بلدتك ليدفعني الانتماءُ إلى المكان لأكتبَ لك،
ولا عاصرتُ زمانكَ أو عشتُ بالقربِ منك لتحملني ذكرياتي كي أذكرك، ولستُ أتبعُ نفس مذهبك لتحملني طائفية أو عصبية على أن أحكي عنك. كل ما في الأمر يا سيدي أنني ابنةُ أرضٍ ارتوت كلُّ سنابلها بقطراتِ دماءِ الشهداء، في كلِّ سُنبلةٍ مئةُ قطرة واللهُ يضاعفُ لمن يشاء.

أنا من سوريا، من حلب، غصَّةٌ تخنقُ حناجرَ الأعداء، مدينةٌ بحجمِ السماء. وأنتَ الشهيدُ الذي استطالَ على قلوبِ الأحرار بسلطانِ الجمال فملكَ مفاتيحها، وأحصنَ مغاليقها.

السيد الشهيد هادي حسن نصر الله، شاهدتُ صورتكَ على إحدى الصفحات، استوقفتني فيها ملامحُ الطفولةِ الممزوجةِ بعنفوان الرجولة التي ما زالت تنمو تضاريسها في ملامح وجهك ومعالمِ روحك، وشاهدتُ صورتك وأنت شهيدٌ مضرخٌ بدمك، يكتحلُ شفقُ العشقِ الأرجواني بغروبِ عينيكَ المهيب.

سرتُ إليك كالتائهِ في الوادي المظلم الذي رأى ناراً فذهبَ ليأتي منها بقبسٍ أو يجدَ على النار هدىً.
خلعتُ نعليَّ، وألقيتُ أثقالَ الحياة عن كاهليَّ وانغمستُ أعانقُ حريةَ أسرك، وحياة موتك.
أيُّ عمقٍ أنت يتسعُ لكلِّ القيم، ولا تسعهُ قيمةُ القيم.
طفلٌ وأكثر من طفل، ورجلٌ وأكثرُ من رجل، وبطلٌ وأكثر من بطل، وشهيدٌ وأكثرُ من شهيد.

نعم، فقد علمتُ عنك أنك في عزِّ صباكَ، وفي غُرَّةِ عمرك، والحياةُ بزخارفها ممدودةٌ تحت قدميكَ كبساطٍ أعجمي، مزينة، من حولكَ كديباجٍ مخملي، والحُلمُ أمامكَ ورديّ، وعودُكَ ما زالَ الفتيّ…
فقل لي بربكَ يابن الخمسة عشر ربيعاً ماذا رأيت؟
أيُّ جزيزةِ كنزٍ لاحت لكَ من بين دخانِ المدافع، وبارودِ الرصاص؟
وأي نبعٍ زلالٍ تقاطرَ لكَ من بينِ سحائبِ الموت، وأيُّ نسيمِ أمنٍ تهادى لكَ من بين عواصفِ الخوف فأقبلتَ نحو براكينِ خلودكَ وأضرمتَ ناراً بالظالمين أحرقت أكبادهم، وأشرقتَ نوراً للمؤمنين أنارت أبصارهم؟
لقد رأيتَ ما لا عينٌ رأت، وسمعتَ ما لا أذنٌ سمعت، وامتلأ فكركَ بما لم يخطر على قلبِ بشر.

أعلم يا طائر أيلول الجميل، أنكَ منذُ تلك الساعة التي شاركتَ فيها بمعركة جبل الرفيع في الثاني عشر من أيلول عام 1997م واقتحمتَ غمارَ الوغى وأذقتَ عدوك “الإسرائيلي”) شدَّة بأسك ومرارةَ قهرك، وصهرتَ نفسكَ بالعشقِ والفناء وارتقيتَ شهيداً تعلو على أعالي السماء، قد مات جسدكَ الطاهر وولدتَ أنت قيمةً إنسانيةً عظيمةً في الجوهرِ والمظهر، عابرة للحدود، محطمةً للقيود، متعاليةً على الزمانِ والمكان، متساميةً عن النسيان لتكونَ نموذجاً فريداً يُحتذى به ويقتفي أثرهُ كل مناضلٍ حرٍّ شريف في كل مراحل الحياة الإنسانية، الأطفالُ المقاومون، والشبابُ المقاومون، والرجالُ المقاومون، وإنا لله وإنا إليهِ راجعون، وإنا للفداء وإنا لهُ لراغبون، وعلى طريقكَ سائرون، وإنَّ حزب الله هم الغالبون.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد