لعلها الحرب الأكثر تأثيرًا في العصر الحديث، حرب غيّرت مجرى التاريخ وقلبت الموازين، حرب دخلت فيها المقاومة زمن الانتصارات والكيان زمن الهزائم.
الحرب التي لم تحصل بين دولتين أو طرفين إنما كانت حربًا بين مشروعين وثقافتين. لذا حفر الانتصار عميقًا بروح شعب المقاومة والهزيمة بروح الأعداء.
انتصر حزب الله على الحرب الكونية التي شُنّت عليه من الأميركي والاسرائيلي ومَن معهما من الدول الغربية مرورًا ببعض الأنظمة العربية وصولًا للتآمر الداخلي على المقاومة الذي ظهر بعضُه بتصريحات ولقاءات علنية والبعض الاخر بوثائق سرية فضحتهم فيما بعد.
رغم كل محاولات الاستفراد لم تُترك المقاومة وحيدة؛ هناك من أتاها من خارج الحدود الجغرافية والعربية ومن داخل الحدود الثقافية ومشروع المواجهة. ربط مصيره وحياته بحياة أفرادها، واجه معها من غرفة عملياتها، تعرض للخطر مع قيادتها، احتمى بظل شجرة مع أمينها العام وعمادها، أوصل رسالة النصر الالهي من مرجعيتها عندما كان العالم كله يراهن على هزيمتها.
مشاركة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني اللواء الشهيد قاسم سليماني في حرب تموز تحدث عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قائلًا: سليماني جاء من طهران الى دمشق. اتصل بنا وقال انا اريد ان آتي اليكم الى الضاحية الجنوبية فنحن قلنا له كيف؟ أصلًا لا يمكن، الجسور تم ضربها، الطرقات مقطعة، الطيران الحربي الاسرائيلي يقصف كل الاهداف والوضع وضع حرب بالكامل. اصلًا لا يمكن الوصول الى الضاحية والى بيروت، ولكن هو كان مُصرًا جدًا وقال إن لم تُرسلوا السيارات لتأتي بي أنا سآتي. وهذا ما حصل وبقي معنا حتى نهاية الحرب.
لم يكتفِ الحاج قاسم بالحضور الشخصي في الحرب بل حمل للمقاومة رسالة من الإمام السيد علي الخامنئي كان لها وقع معنوي كبير في أصعب لحظات الحرب، رسالة فيها الكثير من الاطمئنان تحمل بين حروفها تباشير النصر.
لم يقتصر دور سليماني على وقت الحرب فقط بل ساهمت بلادُه بإيواء العائلات التي هدّم العدو بيوتها فكان مع المقاومة يدًا بيد كما في الحرب يساهم في حماية الناس، وبقي مع المقاومة بعد الحرب ليساهم في إيوائهم.
فعل سليماني ما لم يفعله بعض الداخل اللبناني؛ عرّض حياته للخطر بوقت كان فيه من خاطر بشعب بأكمله خلال العدوان، واستولى على أموال إعادة الإعمار بعد العدوان لممارسة مزيد من الضغط على بيئة المقاومة، وكأن كل مجازر العدو لم تكفه.
لعل العلاقة الروحية غريبة عادة في الحروب وبين القيادات لكنها ليست غريبة على مقاومة لم يُشهد لها مثيل بالعصر الحديث، مقاومة يستشهد قادتها وأبناؤهم، مقاومة صادقة ملتحمة مع شعبها، بعلاقة عجِز العدو عن تفكيك شيفرتها حيث باتت بالنسبة له لغزًا لا يقل عن علاقة الجمهورية الاسلامية بشخص الجنرال قاسم سليماني مع المقاومة في لبنان، العلاقة السند، العلاقة القوة، العلاقة الوفاء، العلاقة الثقة، العلاقة الصادقة، العلاقة التي تحصد نصرًا، علاقة السادة، علاقة تكبر بها حيث بدأت بمقاومة ولم تنتهِ بمحور، علاقة لا يفهمها العبيد أصحاب ثقافة التبعية والذل والخضوع والضعف والاستسلام.
الدور الذي لعبته ايران من خلال القائد سليماني في حرب تموز وما قبلها وما بعدها الى جانب المقاومة يوضح دور جمهورية لم تكن يومًا إلا سندًا لمقاومة تخلى عنها وتآمر عليها من هم يحرّضون على شعب يكتب التاريخ بدمه، من واقع عاشه لا يقدر أحد على تزويره وتلقينه إياه، شعب صادق ووفي يحفظ الجميل لمن صدق معه وشاركه انتصاره بوقت يجد فيه بعضًا من أبناء وطنه يشاركون العدو هزيمته.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.