سلام ترامب أداة جديدة لشرعنة الحرب
منذ اللحظة الأولى التي رفع فيها دونالد ترامب شعار “السلام في الشرق الأوسط”، بدا واضحًا أن المقصود لم يكن سلامًا حقيقيًا يعيد الحقوق إلى أصحابها أو يضع حدًا للظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني، بل كان عنوانًا خادعًا لمشروع استكباري يرمي إلى تثبيت السيطرة الأميركية والصهيونية على المنطقة.
لقد تحدث ترامب في الكنيست الصهيوني عن فجر جديد للشرق الأوسط، بينما كانت غزة تحت النار، وكان في الخطاب نفسه يطالب بالقضاء على حركات المقاومة في فلسطين ولبنان. هذا التناقض الصارخ بين الدعوة إلى السلام والتحريض على الحرب يفضح حقيقة النوايا: فالسلام الذي يتحدث عنه ترامب هو سلام القهر، لا سلام العدل، سلام المستكبر الذي يفرض شروطه على المستضعفين.
في قمة شرم الشيخ، كرر ترامب الحديث عن المرحلة الجديدة من البناء وإعادة الإعمار، واعتبر أن الزمن قد حان لإنهاء الصراعات. لكنه لم يذكر كلمة واحدة عن الاحتلال، ولم يعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بل ركز على ضرورة “نزع سلاح الفصائل المقاومة” و”توحيد الجهود ضد الإرهاب”. وهكذا يصبح الإرهاب هو المقاومة، ويصبح نزع السلاح هو الطريق إلى السلام. فكيف يمكن لسلام يولد من رحم الظلم أن يكون سلامًا حقيقيًا؟ وكيف يُبنى السلام على أنقاض الكرامة الإنسانية؟
الأمر يزداد وضوحًا مع تصريح ترامب الأخير، حين أعلن أن الولايات المتحدة تمتلك أسلحة لم يحلم بها أحد، وأنها قدمت جزءًا منها لـ”إسرائيل” وجاهزة لاستخدامها في حال اقتضت الحاجة. هذا الإعلان يؤكد أن ما يسميه “السلام” ليس سوى واجهة لتسليح العدو وتقوية قبضته العسكرية على المنطقة، في الوقت الذي تُستهدف فيه حركات المقاومة في المنطقة من لبنان وصولاً إلى اليمن، سواء بمشاركة مباشرة للأميركيين أو غير مباشرة من خلال تقديم كل أشكال الدعم للصهاينة. فترامب يدعو للسلام بالكلام، لكنه في الواقع يمارس حربًا واسعة النطاق ضد كل من يقاوم الهيمنة، مستخدمًا الأسلحة المتطورة والعقوبات والضغط السياسي لتثبيت مشروعه الاستكباري.
الواقع أن ترامب، مثل كثير من الساسة الأميركيين قبله، لم يكن متناقضًا عن جهل، بل كان يدرك تمامًا أن كلمة “السلام” تملك وقعًا نفسيًا قويًا لدى الشعوب المتعبة من الحروب والأنظمة التي لا يمكن أن ترى نفسها إلا تحت مظلة الهيمنة الاستكبارية. لذلك استخدمها ليغطي مشروع الخضوع، وليحولها إلى شعار يجمّل وجهًا قبيحًا. فهو لا يريد شرقًا أوسطَ آمنًا، بل منضبطًا تحت إرادة واشنطن وتل أبيب، يريد أن تستسلم المقاومة ليُقال إن الحرب انتهت، وأن تُمحى الهوية ليُقال إن السلام تحقق.
هذا النمط من الخطاب هو ما وصفه الإمام القائد السيد علي الخامنئي حين قال إن الاستكبار يسمي الاستسلام سلامًا، ويسمي المقاومة إرهابًا. فمشكلة القوى الاستكبارية ليست مع الحرب بحد ذاتها، بل مع استقلال الشعوب. هي لا تمانع القتل والدمار ما دام يخدم مشروعها، لكنها تخشى الكلمة الحرة والبندقية التي ترفض الخضوع. لذلك، فإن ما يسمونه “سلامًا” ليس سوى غطاء لغزو ناعم يريد إخماد روح المقاومة.
إن السلام الحقيقي لا يقوم إلا على العدل، ولا يتحقق إلا حين تنتهي الهيمنة ويُرفع الظلم. وكل دعوة إلى سلام لا تحمل في جوهرها الاعتراف بحق الشعوب في الحرية والمقاومة، هي دعوة إلى استسلام مغطى بشعارات منمقة. من هنا، فإن رفض “سلام ترامب” ليس موقفًا سياسيًا فحسب، بل هو موقف أخلاقي وإيماني، يعبر عن إرادة الأمة في أن تعيش بكرامة لا بذلّ، وأن تصنع مستقبلها بيدها لا بأوامر الطغاة.
نتيجة لما تقدم، ومع فشل العدو في تحقيق أهدافه في كل الحروب التي خاضها بعد 7 أكتوبر، ندرك أن المقاومة لم تنهزم، وأن إرادتها لم تنكسر. وبالتالي يمكننا أن نقول إننا في فترة استراحة حذرة يسعى فيها العدو لأخذ بعض النفس تحضيرًا لجولة قادمة غير معلوم وقتها ومداها وساحتها، ولكن المؤكد أن المقاومة ستكون جاهزة لمواجهة هذا المشروع، وستقاتل تحت شعار ردده سيد شهداء الأمة ذات مرة عندما قال: “سيبقى سلاحنا في أيدينا، ونحن سنقتلك”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.