من “نصر الصورة” إلى “نصر الواقع”

12

في عرف السياسة الأميركية، يكفي أن تظهر واشنطن في صورة الوسيط القوي لتُعلن النصر. فالمشهد أهم من المضمون: بيانات صحفية، قمة مصوّرة، ومصافحات محسوبة، كافية لإعادة إحياء صورة “الولايات المتحدة المقتدرة على ضبط الشرق الأوسط”. لكن ما تخفيه هذه الصورة هو أنّ القوة الأميركية لم تعد مطلقة، وأنّ ما تفرضه واشنطن في النهار تنقضه المقاومة في الليل. فالميدان لا يطيع التصريحات، والقوة التي صمدت في وجه القصف والدمار والخذلان العربي لم تُهزم بصفقة على الورق.

غزة خرجت من الحرب مثخنة بالجراح، لكنها لم تخرج مهزومة. بل على العكس، أعادت تعريف مفهوم الصمود:
فصائلها لا تزال على الأرض، ووعيها الشعبي أشدّ صلابة، وحاضنتها الإقليمية أكثر تنسيقًا، والمشهد الدولي بات عاجزًا عن تجاوز قضيتها.

وإذا كانت واشنطن تبتسم اليوم من شرم الشيخ، فإنها تفعل ذلك في لحظة توتر استراتيجي عميق: قواعدها مهدّدة في العراق وسوريا، حلفاؤها في الخليج يفتحون خطوطًا مع الصين وإيران، ومجتمعها الداخلي متعب من الحروب البعيدة التي لا تنتهي. إنها تبتسم لتُخفي الارتباك، وتُعلن الانتصار لتتجنّب السؤال الأكبر: لماذا لم تنجح كل هذه القوة في إنهاء “خطر” غزة الصغيرة؟

الرابح الحقيقي: غزة والمقاومة
الربح هنا لا يُقاس بعدد الوفود ولا بالمؤتمرات، بل بالنتائج الفعلية على الأرض: بقيت غزة صامدة، لم تُكسر إرادتها رغم الحصار والقصف، وبقيت المقاومة حاضرة، تُملي شروطها وتفاوض من موقع الندّ لا من موقع الضعف، وبقي الشارع العربي والإسلامي حيًّا، يرى في غزة مرآة لكرامته ويشعر أن الانتصار المعنوي لم يزل ملكه.

إن النصر الذي يُبنى على التضحيات لا يُقاس بالصور، بل بما تبقى من كرامة في وجه القوة. وغزة، بكل ما حملت من رماد ودماء، تبقى البرهان على أن العجز العربي لا يُلغي القدرة الشعبية على المقاومة، وأنّ الإرادة حين تتجذّر، تهزم الطائرات، وتُربك الدبلوماسيات، وتفرض حضورها على الطاولات المغلقة.

خاتمة: شرم الشيخ والمرآة المكسورة
صفقة شرم الشيخ ليست نهاية حرب، بل مرآة مكسورة يرى فيها كل طرف ما يشتهي أن يراه: أميركا ترى انعكاسًا لهيبتها القديمة، “إسرائيل” ترى استراحةً مؤقتة، والعرب يرون دورًا سياسيًا يعيدهم إلى الخارطة، لكنّ المرآة الأكثر صدقًا تبقى في عيون الغزيّين الذين لم يُهزموا، لأنهم وحدهم يدركون أن كل اتفاق لا ينهي الحصار ولا يوقف العدوان هو فصل جديد من ملحمة الصمود، لا ختام الرواية.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.