هدنة بمقياس أمريكي
ريما فارس – خاص الناشر|
عندما أعلنت أمريكا عن مبادرتها لوقف إطلاق النار يوم الاثنين 29 أيلول 2025، بدت وكأنها تتحرك بدافع إنساني لتخفيف معاناة الفلسطينيين في غزة. لكن خلف هذه الصورة، كان الهدف الحقيقي هو مصلحة واشنطن أولًا. فالهدنة تمنحها فرصة لتجميل صورتها أمام العالم، وتمنح “إسرائيل” متنفسًا سياسيًا، لكنها في العمق تفتح المجال لترتيبات عسكرية واستراتيجية أوسع.
فالمنطقة التي تشغل البال الأمريكي الآن ليست غزة وحدها، بل البحر الأحمر الذي يشكّل الممر الحيوي لحركة الأساطيل وحاملات الطائرات. هذا الممر مهدَّد دائمًا من اليمن، حيث يملك الحوثيون القدرة على تعطيل الملاحة واستهداف السفن. ومن هنا يمكن فهم أن أي هدنة في غزة قد تكون أداة لتهدئة شكلية، تسمح للولايات المتحدة بالتحرك سياسيًا وعسكريًا لتقليص خطر اليمن وفتح الطريق أمام أساطيلها دون مقاومة كبيرة.
ومتى تحقق هذا الشرط، يصبح الباب أوسع للانتقال إلى المرحلة التالية: المواجهة مع إيران. فإيران تُعتبر الداعم الأقوى لحركات المقاومة، وضربها يعني محاولة إنهاء مصدر الدعم الذي يمدّ هذه الجبهات بالقوة. غير أن هذه الخطوة، رغم أنها تُغري المخطط الأمريكي والإسرائيلي، تحمل مخاطر جسيمة، لأن إيران ليست هدفًا سهلًا، واليمن ليس ساحة يمكن تحييدها بقرار فوقي. وأي حرب مباشرة ستفتح ردودًا واسعة النطاق، من النفط إلى الجبهات المتعددة.
بهذا التسلسل، يتضح أن الهدنة ليست بريئة كما يسوَّق، بل هي حلقة في مسار أوسع يهدف إلى إعادة رسم ميزان القوى في المنطقة. وما يُطرح على أنه وقف لإطلاق النار ليس إلا غطاءً لحسابات أكبر، فيما تبقى الشعوب وحدها في مواجهة هذه السياسات، تقاوم وتفشل المخططات مهما بدت مدروسة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.