رؤوس الهيدرا ورأس الحزب الذي لا يمكن قطعه

52

تحدث المبعوث الأميركي توم براك عن النوايا والأهداف بكل صراحة وبدون دبلوماسية عندما قال إنه يجب قطع رؤوس الأفاعي (ويقصد الجمهورية الإسلامية الإيرانية) لننتهي من خطر حزب الله على أمن “إسرائيل”، واعتبر أن الصراع لا ينتهي في المنطقة عند الحدود، بل بخضوع طرف للطرف الآخر، وهذا ما لم ولن يحصل بالإشارة إلى حزب الله.

كلام برّاك ذكرنا بكتاب “هل يمكن قطع رؤوس الهيدرا” للباحث الاسرائيلي داني بركوفتش، الذي شبّه فيه حزب الله بوحش الهيدرا الخرافي ذي الرؤوس التي تنبت من جديد بعد قطعها كدلالة على تجذر المقاومة في بيئتها والتجدد في المجتمع، جيلًا بعد جيل، حتى لو هزم جيلٌ من هذه الأجيال، سيأتي جيل أشد وأوثق

التسلسل الذي قدمه في الكتاب تطابق مع الحرب الأخيرة التي شنتها “إسرائيل” على لبنان العام الماضي، من خلال الضربات التي وجهت للمقاومة الإسلامية في لبنان لإضعاف قوتها العسكرية. وكان اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الضربة الأكبر. وقد كان بركوفتش قد نصح بالتخلص من نصر الله كبداية لإضعاف حزب الله، لأنه لم يكن أمينًا عامًا فقط، بل كان قائدًا ورمزًا للاستقطاب الشعبي والعاطفي حول المقاومة في لبنان وفي العالم العربي والإسلامي، وهو يمتلك قدرات خاصة في القيادة، وفي اتخاذ قرارت استراتيجية تحت أي ظروف، وهو ما اختبره العدو الإسرائيلي في حرب 2006، التاريخ الذي سبق هذا الكتاب بعام واحد.

هذا العام كان كفيلًا بمراجعة دقيقة وشاملة لحرب تموز واستخلاص العبر منها، والفشل الاسرائيلي والخسارة في الحرب كانت الدافع للانتقام من حزب الله، ومن أمينه العام، وكان هذا الكتاب بمثابة خريطة طريق لأي حرب قادمة.

رؤوس الهيدرا لا يمكن التخلص منها بالبتر لأنها تنمو، وهذا ما يخشاه نتنياهو اليوم وهو يسعى للحفاظ على المكتسبات التي حققها بالحرب الأخيرة، والتي تحدث عنها براك بوضوح، بأنه لا يمكن ردع نتنياهو حتى لو أبرم اتفاقًا مع أي دولة من دول الطوق، وهو ما شهدناه في سوريا من ضربات، وعدوان إسرائيلي على أراضيها بالرغم من رضوخ الإدارة الجديدة لكل المطالب الاسرائيلية، والشروط التي ستتوج باتفاق أمني تحدث عنه وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني وأكد على رغبة سوريا في السلام مع “إسرائيل”.

لذلك براك و بركوفتش، ومن خلفهما الولايات المتحدة الأميركية و”إسرائيل”، يدركان أن الخطر لا يزال قائمًا بوجود حزب الله في لبنان، ومن خلفه إيران، الداعم المالي والعسكري، لذلك لا بد من قطع هذه العلاقة والتشويش عليها إعلاميًّا، ومحاولة قطع الإمداد المالي عن حزب الله. وقد ذكر بركوفتش كل هذه الاستراتيجية في كتاب “هل يمكن قطع رؤوس الهيدرا” وحدد أن الغاية هي: “تقليص الخطر الذي يشكله حزب الله على أمن إسرائيل وعلى استقرار المنطقة، من خلال إضعاف قوته وتحويله إلى لاعب هامشي غير ذي صلة تجاه المعادلات الإقليمية. وبناء على هذه الرؤية، يجب أن تتركز المعركة الفعالة لإضعاف حزب الله، في فصله عن مصادر قوته”. وهو ما تسعى إليه إدارة ترامب، وحكومة نتنياهو من خلال التأكيد على ضرورة تجريد حزب الله من سلاحه، تمهيدًا لتنفيذ الخطوات اللاحقة في المخطط الذي يسعى إلى دفن الرؤوس بعد قطعها، على أمل أن لا تنبت رؤوس لها في المستقبل.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.