الجيش اللبناني بين الانهيار والصمود
ريما فارس – خاص الناشر |
الجيش اللبناني يعيش اليوم واحدة من أصعب المراحل في تاريخه الحديث. فالمؤسسة العسكرية، التي اعتُبرت دائمًا صمّام أمان الوطن وملاذ اللبنانيين عند الأزمات، تواجه تحديات معيشية كبيرة منذ بداية الانهيار المالي في 2019، حيث فقدت رواتب الجنود أكثر من 90% من قيمتها. الجنود الذين يحرسون الحدود ويتصدون للإرهاب يجدون أنفسهم عاجزين عن تغطية أبسط احتياجاتهم مثل إيجارات المنازل، في حين باتت معاشات المتقاعدين أقرب إلى “مساعدة رمزية”، ما دفع هؤلاء المتقاعدين إلى النزول إلى الشارع وعقد مؤتمرات صحفية متتالية للمطالبة بحقوقهم، دون أن تتحقق وعود الدولة بخطوات جدية. هذه الأزمة لا تقتصر على المال فحسب، بل تنعكس مباشرة على معنويات العسكريين وقدرتهم على الصمود كمؤسسة. أما الدواء، الذي يُفترض أن يكون متاحًا في صيدليات الجيش، فغالبًا ما يكون ناقصًا، مما يزيد المعاناة ويضع حياة الجنود والمتقاعدين في خطر.
وسط هذه التحديات، يُقدَّم للعسكريين دعم مالي إضافي منفصل عن الرواتب الأساسية، غالبًا من الخارج، ليُطرح كحل مؤقت. إلا أن هذا الدعم، مهما بلغت قيمته، يظل ترقيعيًا، معلقًا بالتوازنات السياسية، ولا يعوّض عن فقدان الدخل الأساسي أو غياب الدواء، ولا يضمن استقرار حياة العسكريين وعائلاتهم.
الأخطر من الأزمة الاقتصادية نفسها هو محاولة بعض الأطراف زج الجيش في مواجهة مباشرة مع حزب الله، وكأن المطلوب وضعه في موقع مواجهة مع بيئته الطبيعية تحت شعار “حصرية السلاح”. هذا التوجه لا يخدم مصالح الجيش أو الوطن، بل يهدد بتحويله إلى أداة ضمن صراعات لا قدرة له على تحمل تبعاتها. والجيش، بما يمثله من تنوّع لبناني جامع، لا يمكن أن يصبح خصمًا في نزاع داخلي دون أن يخسر مصداقيته الوطنية.
اليوم، التحدي الأساسي أمام الدولة اللبنانية هو إعادة الاعتبار للمؤسسة العسكرية بعيدًا عن الحلول الترقيعية. المطلوب معالجة جذرية تضمن كرامة العسكري في راتبه، وتوفير دوائه، والحفاظ على بيئته، بدل تركه أسيرًا لمساعدات مؤقتة أو لتجاذبات سياسية خطرة. فالجيش، إذا ضعُف، ضعُف الوطن بأكمله.
وبرغم كل هذه الصعوبات، يبقى الجيش اللبناني خط الدفاع الأخير عن الوطن. المؤسسة التي واجهت الإرهاب على الحدود وحافظت على الاستقرار الداخلي ما زالت تؤدي واجبها رغم الفقر والحرمان. صمود الجيش وسط هذا الانهيار يُظهر أن قوة لبنان الحقيقية لا تكمن في الشعارات الفارغة، بل في استمرار وحدته ودعم كرامة أفراده، لا بالمساعدات المؤقتة أو الانخراط في النزاعات السياسية.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.