عن الصمود في زمن الحرب: سيدات جبل عامل نموذجًا حيًّا

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

بين الجنوبيين والصمود حكايات وقصص لا تنتهي، ترويها المعارك والحروب التي عاشها الناس على امتداد تاريخ الصراع مع العدوّ الصهيوني، وتتناقلها الأجيال إرثًا مباركًا في ما بينها، لا تعدل عنه ولا تتخلى عن مساره بوصفه وجهًا من وجوه الجهاد والمقاومة.


للمرأة الجنوبية حصة مقدسة من قصص الصمود هذه، تلتحم فيها مع غيرها من مكونات الصمود التي نسجها أبناء القرى الجنوبية الحدودية، المرأة التي قدمت دور الأم المقاومة المربية المجاهدة، التي ربت أجيالًا وأعدتها للشهادة في سبيل الله وفي طريق تحرير الأرض والمقدسات.


للسيدات الجنوبيات نصيبٌ كبير من هذه الحكايا المباركة، وهي وإن بدأت مع “قوارير الزيت المغلي” في أيام الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان، إلا أنها ظهرت اليوم بصور أخرى في أعقاب الحرب الوحشية التي تشهدها القرى الحدودية الجنوبية منذ الثامن من أكتوبر، وقد رصدنا بعضًا منها في عدد من هذه القرى.


الحاجة عليا سيدة من قرية يارين الحدودية، رفضت مغادرتها هي وأولادها وأخوها، ورغم الإلحاح الشديد إلا أنها لا زالت في منزلها تتدبر أمورها وتسعى في طلب رزقها عبر رعي المواشي التي تملكها: لن أغادر منزلي حتّى لو تهدم فوق رؤوسنا، سنبقى صامدين هنا ولن نترك أرزاقنا وأرضنا”.


الحاجة عليا لم تكن الوحيدة التي بقيت صامدة في ربوع قريتها، إذ ثمة عائلات أخرى أيضًا لم تفارق القرية، وهذه العائلات تعتمد بشكل أساسي على قطاع الزراعة وتربية الماشية، وهي مستمرة في ممارسة أعمالها تلك تحت وقع القصف والاستهدافات الصهيونية لا سيما القذائف الفسفورية المحرمة دوليًا والتي تطلق على نحو شبه يومي نحو القرى والمنازل الجنوبية الحدودية.


من قرية يارين إلى قرية طيرحرفا، البلدة التي نالت نصيبًا كبيرًا من القصف والتدمير الوحشي الصهيوني، رصدنا فيها أيضًا قصّة أخرى من قصص الصمود والمواجهة، مع نمرة التي رفضت أيضًا مغادرة منزلها ولا زالت تقطنه رغم تعرض العديد من منازل القرية للدمار الشديد.


“أنا مش أغلى من الشباب” بهذه الكلمات تجيبك نمرة عند سؤالها عن سبب صمودها وعدم مغادرة القرية، مؤكدةً أنها لن تترك منزل والديها مهما حصل، رغم أنها كانت قد جربت الخروج من القرية ليوم واحد إلا أنها عادت مباشرةً في اليوم التالي.


انتقلنا بعدها لقرية جنوبية أخرى، ولقاؤنا كان مع الحاجة أم محمد من قرية البياضة. لدى دخولك منزلها تستقبلك رائحة الخبز الساخن والزعتر الجنوبي، تجدها جالسة في غرفة صغيرة مخصصة لإعداد الخبز وتتجمع حولها عائلتها وعدد من الجيران. عن سبب صمودها تخبرنا أم محمد: “الله هو الحامي، لن نترك أرضنا وبيوتنا، رزقنا هنا ونسأل الله الفرج القريب”. وتضيف: “لقد عشنا العديد من الحروب مع هذا العدوّ ونحن أصحاب حق لذلك سننتصر بإذن الله”.


قصص الصمود هذه لم تكن الوحيدة بالطبع، إذ ستجد في كلّ قرية سيدات جنوبيات يسطرن أجمل صور المقاومة والجهاد، تجدهن ثابتات صابرات، يمارسن أعمالهن تحت وقع أصوات المدافع والطائرات، يزرعن الأرض، يُعدّنّ المونة الجنوبية، يسقين الورد، ويحضّرن حطب الشتاء والمواقد، وقبل كلّ ذلك يتوجهن بالدعاء لنصرة المجاهدين والمقاومين المرابطين.


هؤلاء السيدات اللواتي ربين أجيالًا من المجاهدين والقادة، اللواتي لقّنّ أبناءهنّ معنى الشهادة كما معنى الحياة، لم يبخلن يومًا بشيء في سبيل تحرير هذه الأرض، وما نشهده اليوم من بطولات وتضحيات عظيمة في أرض الجنوب العاملي المقاوم، هو نتاج للتربية الحسينية الأصيلة التي كرستها أمهات هذه الأمة، ليكون فضلها بذلك عظيمًا عليها، كلما سقطت قطرة دم شهيد وكلما لاحت في سماء جبل عامل بشائر عز وانتصار.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد